على مدى ست سنوات، كنت أرتدي بفخر شارة موظف الأمم المتحدة. كانت دائمًا وظيفة الأحلام التي تتيح لي فرصة مشاهدة القوة الحقيقية للعمل الإنساني، عبور القارات، توسيع مهاراتي، توسيع آفاقي، والمساهمة في إحداث فرق. في البداية، انبهرت بإثارة التحديات والمكافآت، وغموض المكان الذي قد أذهب إليه بعد ذلك. كنت أستقبل كل ذلك بقلب وعقل مفتوح. ولكن مع مرور الوقت، بدأ صوت داخلي يتساءل: هل كنت حقًا أحدث تأثيرًا ملموسًا؟
مثل يرقة في شرنقة، سعيت إلى النمو والتحول من خلال تجارب خارجية: دول جديدة، عمليات جديدة، وأدوار مختلفة. وبينما كنت أتوق لإحداث تأثير أعمق، أغفلت إمكانية النمو الداخلي واكتشاف الذات بشكل أعمق.
عبر القارات من قلب روما إلى صحاري الأردن ومرتفعات إثيوبيا انغمست في عالم مليء بالإنسانية والتعاطف. ومع ذلك، شعرت دائمًا بنوع من الضآلة، وأنا أواصل التساؤل عن عمق تأثيري الفردي في هذا الجهد الإنساني الكبير.
في إثيوبيا بلد نابض بالحياة يواجه واقعًا قاسيًا، وجدت بشكل غير متوقع هدوءًا وسط الفوضى. عزّز هذا الهدوء من شرنقة التأمل التي كنت أعيشها، وأجبرني على مواجهة حقيقة حاولت تجنبها لوقت طويل: لم يكن الأمر متعلقًا بالألقاب أو الأوصاف الوظيفية اللامعة، بل كانت روحي الإبداعية تتوق إلى الانطلاق.
لكن من أين أبدأ؟
كانت إشارات التباين واضحة في كل مكان: صباحات بلا إلهام، غياب القدوة التي يمكن أن تلهمني، وشعور بالفراغ رغم المساهمة في قضية نبيلة. ومع ذلك، وسط خيبة الأمل المتزايدة، بدأت شرارات الشغف تشتعل: متعة رفع معنويات الآخرين، مشاهدة الشجاعة في أبهى صورها، والانغماس في هواياتي الإبداعية مثل الرسم، والرقص، والكتابة، والتصوير. أصبحت هذه الشرارات الوقود السري لي شغفًا يتجاوز اللحظات العابرة من الراحة.
بمرور الوقت، أصبح التباين بين شغفي بالتعبير الإبداعي والواقع اليومي لوظيفتي لا يُمكن تجاهله. ومع اتخاذي قرارًا واعيًا لرؤية الأمور على حقيقتها، بدأت المزيد من الحقائق حول نفسي بالظهور.
كنت أعلم أن الوقت قد حان لتغيير جذري، لكن ترك المسار المألوف كان أمرًا مرعبًا. كان ذلك يعني وداع هوية مريحة، ومستقبلًا يمكن التنبؤ به، وأماكن كنت أعتبرها وطنًا، وأشخاصًا أصبحوا كالعائلة. ومع ذلك، كان شوقي للتغيير لا يتوقف.
لذا، قررت القفز إلى المجهول، وبدء فصل جديد مليء بالإثارة. هذه الرحلة لم تنتهِ بعد، إنها بحث ديناميكي عن الإمكانيات والهدف. وبينما لا أستطيع الادعاء بأنني تحولت بالكامل بعد، فإنني أستمتع بعملية النمو والوعد بما هو قادم.
تتطلب هذه العملية مستوى من الضعف، والثقة، والإيمان لم أختبره من قبل. إنها مرحلة مليئة بالاستكشاف ولكن هذه المرة، لا أستكشف أماكن جديدة فقط، بل أعماق روحي وهدفي. إنها فوضوية، ومثيرة، ومخيفة قليلًا في نفس الوقت، ومع ذلك أجد العزاء في الاستماع إلى صوتي الداخلي.
هذه ليست دعوة لترك وظيفتك أو قصة تحول سريع ونجاح بين ليلة وضحاها. إنها تذكير بأن أعظم الاكتشافات غالبًا ما تكمن خارج مناطق راحتنا. إنها دعوة لاحتضان المجهول، ورؤية ما وراء الخوف كساحة تجارب بدلاً من مكان يُخشَى منه.
إنها دعوة للاستماع إلى الهمسات الداخلية، تلك التي تحثك على التخلص من طبقاتك القديمة، حتى لو استغرقت سنوات في بنائها. إنها معرفة متى يكون الوقت قد حان للاحتفال بالماضي وتكريمه، وشكره على دروسه القيمة، والقفز إلى الإمكانيات اللامحدودة التي تنتظرك.
الأهم من ذلك، إنها رحلة للعثور على ذاتك الأكثر أصالة حتى لو كان ذلك يعني ترك كل ما كنت تعتقد أنك تعرفه.
هل أنت مستعد لاحتضان المجهول والانطلاق في رحلة اكتشاف الذات الخاصة بك؟