أخلاقيات القيادة

يناقش المقال كيف تُسهم القيادة الإنسانية في خلق بيئة إيجابية تُحفِّز الفرق وتُطلق الطاقات نحو تحقيق رؤية المنظمة، وعن أهمية القيادة الفاعلة في بيئة العمل، ودورها في تحقيق التميز المؤسسي. كما يُسلّط الضوء على ضرورة بناء القائد لذاته وتنمية مهاراته، لضمان التميز والتجدد.
عن الكاتب
محمد الدلبحي
أبريل 05, 2025
أستاذ جامعي، عضو في مكان مسك
 
 

تظل القيادة عاملًا مهمًا وحاسمًا في تحقيق أهداف المنظمة والتأثير على العاملين في سبيل تطويرها وتوجيهها نحو أهدافها الاستراتيجية ورؤية المنظمة وتحقيق أهدافها.

فالتعامل مع أعضاء الفريق في الجانب الإنساني أمرٌ مهمٌ؛ حيث برزت العديد من النظريات التي تؤكد أهمية ذلك في الإسهام في تحقيق نجاحات المنظمة وجودة الأداء من خلال المنتج أو الخدمة التي تقدمها.

القيادة الفاعلة هي التي تستطيع خلق مناخ إيجابي تصنع بواسطته إنجازات فاعلة للمنظمة، وتوظف إمكانات وقدرات الفريق نحو أهدافها ورسالتها ورؤيتها. وأمام ذلك النجاح العديد من التحديات سواء داخل المنظمة أو خارجها، فضلًا عن استثمار الفرص الداخلية والخارجية وتوظيفها نحو تميز المنظمة وإبداعاتها لتحقيق أهدافها التي تُعدُّ البوصلة التي توجه القائد نحو الإبداع والتميز وصناعة الإنجازات.

إن تناغم الفريق وفاعليته تتطلب أن يكون لدى القائد عدد من المهارات الاجتماعية، وأن يتميز بالذكاء العاطفي الذي يجعله يتحكم بمشاعره وأحاسيسه، ويعزّز لديه مهارتي الاستماع والانصات؛ مما يتعزز تميزه ونجاحه على مستوى القيادة والإدارة، وهذا يتطلب تحقيق بعض المهارات، مثل: الذكاء الاجتماعي، وفهم فريقه وقدراتهم على اختلافها وتنوعها، واختيار المهام التي يقوم بها ويتقنها؛ مما يضمن نجاح ذلك كل إنسان في مهامه التي تتوافق مع قدراته.

كما تتجلى مهارة القيادة في التخطيط بأنواعه المختلفة، وكذلك في العديد من المهارات القيادية التي تتطلب أن يكتسبها القائد ليحقق تميزه ونجاحاته في العمل الإداري ومن أهم تلك المهارات: إدارة الوقت، والاهتمام بالأولويات، واستشراف المستقبل، وبناء حاضر ومستقبل المنظمة التي ترتكز على العلاقات الإنسانية، فضلًا عن العديد من الصفات التي من أبرزها الذكاء الوجداني والعاطفي، وتحقيق رؤية ورسالة المنظمة كنقطة انطلاق للقيادة في صناعة التغيير والانتقال لمراحل أخرى من التميز وتحسين سمعة وصورة المنظمة لدى العملاء.

علاوةً على ذلك، تكمن حنكة القيادة في أهمية بناء قدرات القائد الذاتية، وتحديد جوانب القوة لديه وتنميتها وتعزيزها واكتساب المهارات القيادية التي تعزز فرص النجاح، والقدرة على التأثير في العاملين فيها من خلال رؤية ورسالة المنظمة، وسمو العلاقات الإنسانية والقدوة والعدالة بين العاملين؛ لأن ذلك سيعزز قدرة المنظمة التنافسية في السوق، ويجعلها قادرة على تحقيق متطلبات التميز في قيادة المنظمة.

فكم من قائد وظّف مهاراته التي يمتلكها بالتعاون مع فريقه في نجاح رسالته؛ لتصبح رؤيته أهدافه واقعًا يلمسه الفريق من خلال أدائه، فتميز مع فريقه وأبدع! وكم من منظمةٍ ضاعت رؤيتها؛ لافتقارها إلى التخطيط الجيد في الأهداف المرسومة، فغابت الرؤية وتشتت الجهود، وسارت المنظمة في اتجاهات مختلفة ولم تبرح مكانها في التطوير والتجديد، إن لم تتأخر عن باقي المنظمات في جودتها وتميزها!

فالقائد الذي يشارك فريقه بخبراته وتجاربه مع الآخرين، ويشركهم في وضع الخطط والبرامج التي تسهم في تحسين المنظمة وتطويرها، سيسهم في تقليل ضغوط العمل وإدارة الأزمات من خلال تمتعه بأخلاقيات العمل التي تقتضي أن يكون مستمعًا جيدًا ومنصتًا، فملهمًا في حديثه وردوده واستماعه للآخرين، يشاركهم في صناعة القرار ولا ينفرد به، وكذلك يُنمي لديهم مفهوم التعلّم الذاتي، والتعاون والإنصات، والقيادة التشاركية.

ويُعدّ نموذج "القيادة التحويلية" (Transformational Leadership) من أكثر النظريات التي دعمت هذا التوجه، إذ يؤكد على أهمية إلهام القائد لفريقه، وبناء الثقة، وتحفيز الأفراد على النمو والتطور بما يتجاوز مجرد المهام اليومية. وقد تجسدت هذه النظرية بشكل فعّال في تجربة "ساتيا ناديلا" الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، حين تولى القيادة عام 2014، كانت الشركة تمر بمرحلة ركود فكري وثقافي. بفدل أن يفرض سياسات إدارية صارمة، ركز على:

  • نشر "التعاطف" كقيمة مركزية.
  • تمكين الموظفين.
  • تشجيع التعلّم والنمو الشخصي.
  • تحفيز ثقافة "العقلية النامية" (Growth Mindset).

والنتيجة؟
أعادت مايكروسوفت بناء سمعتها، تضاعفت قيمتها السوقية، وارتفعت معنويات موظفيها.

ومن جهة أخرى، فإن القادة يتحملون مسؤولية أخلاقية توجب عليهم أن يتعاملوا مع العاملين في المنظمة بكل ودٍ واحترام وتقدير وغرس قيم العدالة والأمانة بينهم في التعامل معهم، فلكل شخص حاجات وميول ورغبات تختلف عن الآخر، فتحديدها وإشباعها له أكبر الأثر في إرساء قيم المنظمة وتحقيقها.

إن القيادة المبنية على قيم العدل والمساواة يرتكز اهتمامها على تساوي الجميع في الحقوق، ولا يتميز أحد في معاملة خاصة أو اعتبارٍ خاص، إلا إذا كان موقفه الخاص يتطلب ذلك من خلال قيم العمل، فالتعامل الخاص يتطلب أن تكون أسس المعاملة واضحة ومعقولة وقائمة على أسس أخلاقية سليمة.

وعليه، فإن أخلاقيات القيادة الناجحة تُسهم في بناء المجتمع والمنظمات ونهضتها من خلال قيم ترتكز عليها وتؤسس لها، فضلًا عن تحلّيها بمبادئ إنسانية تهتم بالعدالة والتسامح والعلاقات الإنسانية في سبيل تحقيق أهداف المنظمة ورؤيتها وتطويرها وجودة المنتج أو الخدمة التي تقدمها، فتنال رضا الجميع.

وفي النهاية، فإن القيادة الحقيقية لا تُقاس بكمّ الأوامر أو مركزية القرار، بل تُقاس بمدى تأثير القائد في تمكين الآخرين، وبناء بيئة إنسانية تُحفّز النمو وتُطلق الإبداع. فالقائد الناجح هو من يُدرك أن أعظم إنجازاته لا تكون في تحقيق الأرقام، بل في بناء الإنسان وتوجيهه نحو غاية أسمى؛ غايةٍ تُراعي القيم، وتُعزز الانتماء، وتُسهم في صناعة بيئة عمل تُشبه المستقبل الذي تطمح له المنظمة.
فالقيادة ليست لقبًا يُمنح، بل أثرٌ يُترك.

مسك تحديثات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات