من الشغف إلى الالتزام: ما الذي يحتاجه القادة السعوديون؟

نستعرض في هذا المقال نتائج استطلاعٍ نوعي أجراه المجلس السعودي للقادة في مؤسسة “مسك”، شارك فيه 195 قائدًا سعوديًا ناشئًا، للكشف عن أبرز التحدّيات القيادية التي تواجه الجيل الجديد من القادة، وما يحتاجه لتطوير مهاراته واستدامة أثره في ضوء رؤية السعودية 2030.
عن الكاتب
د.ريم القحطاني
نوفمبر 25, 2025
باحثة دكتوراه في جامعة أكسفورد متخصصة في سياسات التعليم وتطوير القادة. ريم زميلة في مؤسسة محمد بن سلمان "مسك" وعضو في المجلس السعودي للقادة
 
 

في إطار جهود المجلس السعودي للقادة في مؤسسة محمد بن سلمان "مسك" (Saudi Leadership Society)، لتطوير معارف ومهارات الجيل الحالي والقادم من القادة في المملكة العربية السعودية، أُجري استطلاع* لآراء الأعضاء من المشاركين في "المجلس السعودي للقادة"، شارك فيه 195 عضوًا. هدف الاستطلاع إلى التعرف على احتياجات القادة السعوديون وأبرز التحديات التي تواجههم. تضمّن الاستطلاع على أسئلة كمية ونوعية، إلا أن المقال الحالي يركز على البيانات النوعية التي وردت كاستجابة على السؤال التالي: "ما هو أكبر تحدٍّ قيادي تعتقد أن المجلس يمكن أن يساعدك على تجاوزه؟"

تم تحليل الاستجابات تحليلاً موضوعياً (Thematic Analysis)، وأسفر ذلك عن خمسة محاور رئيسية تعبّر عن احتياجات القادة السعوديين الناشئين، وهي: القيادة تحت الضغوط وعدم اليقين (Uncertainty)، وبناء شبكة من العلاقات الموثوقة، والنمو المهني والمسارات الوظيفية، وبرامج الإرشاد والزمالة، وفرص للتمثيل على المستويين الوطني والدولي.

1. القيادة تحت الضغط وعدم اليقين (Uncertainty)

أشار العديد من المشاركين إلى صعوبة اتخاذ القرار في البيئات المعقدة أو سريعة التغيّر. حيث عبر أحد المشاركين بأن " أحد أكبر التحديات القيادية التي أواجهها هو اتخاذ القرارات بثقة تحت الضغط. أعتقد أن المجلس يمكن أن يساعدني على بناء الثقة والتعلم من تجارب وخبرات قيادية حقيقية "

وعبر آخر عن أن "التحدي الأكبر هو قيادة مبادرات واسعة النطاق ومتعددة في التخصصات. أسعى إلى مواءمة قطاعات متعددة مثل الأوساط الأكاديمية والمؤسسات الصحية والهيئات التنظيمية. يمكن أن يساعدني المجلس على تعزيز قدرتي في التأثير والتنقل بين الأنظمة المعقدة"

وفي هذا المجال تؤكد الدراسات أن القادة اليوم يعملون في بيئاتVUCA  (متقلبة Volatile، عدم اليقين أو الوضوح Uncertain، التعقيد Complex، وغامضة Ambiguous) (Johansen, 2009). حيث تشير دراسةKing & Badham, (2019)  إلى أن معدلات التغييرات العالمية في مجالات العمل كالمال والاعمال والعمل الحكومي، غير مسبوقة، وأن هذه الوتيرة المتسارعة تولّد ضغوطًا هائلة على المؤسسات، والقادة، والأفراد على حد سواء، مما يؤكد على محور الضغوط كأحد أبرز التحديات التي يجب مراعاتها في دعم وإعداد القادة. وفي السياق السعودي، تتطلّب رؤية 2030 مواكبة التغييرات من خلال قيادة التغيير والابتكار بوتيرة متسارعة، حيث تصبح القدرة على مواجهة الضغوط واتخاذ القرارات رغم عدم وضوح التوجهات في العمل مهارة قيادية جوهرية.

2. بناء شبكة من العلاقات الموثوقة

برَز محور بناء شبكة من العلاقات كأحد أكثر المحاور تكرارًا في استجابات عيَنة الاستطلاع. فقد أشار المشاركون على أهمية بناء العلاقات والوصول إلى وسطاء، أو إيجاد آليات تساعد على التواصل مع المختصين. وذلك لبناء علاقات موثوقة داخل وخارج مجال الاختصاص. مثلا عبر أحد المشاركين برغبته في بناء علاقات مهنية: " أرغب في بناء أو التواصل مع شبكة موثوقة من العلاقات يمكن من خلالها مشاركة التحديات وتلقي النصائح من قادة في مستويات عالية، هذا هو ما أحتاجه بشدة". وأكد آخر: " أرغب في التواصل مع أشخاص من مجالي المهني (الفن والتصميم) أيضا سيكون رائعًا لو أتيحت لي فرصة التعرُّف على أشخاص من خارج مدينتي والانضمام إلى دوائر أوسع من العلاقات المهنية".

وفي هذا المحور، تشير الدراسات في موضوع القيادة إلى أن بناء العلاقات المهنية (Networking) لا يقتصر على العلاقات الاجتماعية للفرد، بل يُعد من أبرز مهارات القيادة التي ترتبط مباشرة بالفرص القيادية واستثمار رأس المال الاجتماعي (Moy, 2011). ومن المهم الإشارة إلى أن الدراسات تشير إلى أن أكثر النتائج المستدامة لبرامج القيادة تتمثل في العلاقات التي يبنيها المشاركون فيما بينهم أثناء تلك البرامج (Russon & Reinelt, 2004).

أما بالنسبة للقادة السعوديين الناشئين في الاستطلاع الحالي، فإن بناء شبكات من العلاقات داخل وخارج مجال الاختصاص لا يقتصر على التطور القيادي على المستوى الشخصي فحسب، بل يمتد أثر تلك العلاقات إلى إنشاء جسور بين العديد من القطاعات المختلفة لدعم التحوُّل الوطني وهو ما تسعى "مسك" لتحقيقه من خلال المجلس السعودي للقادة الذي يجمع تحت مظلته العديد من المنتمين لكثير من القطاعات.

3. النمو المهني والمسارات الوظيفية

أشارت استجابات المشاركون إلى حاجتهم لفرص عملية تُعزِّز مساراتهم المهنية، سواء من خلال إتاحة فرص مهنية جديدة لهم، أو الحصول على ترقيات، أو إيجاد آليات تُسهِّل الانتقال من مقاعد التعليم الجامعي إلى سوق العمل. عبَّر أحد المشاركين في الاستطلاع قائلًا:

" بصراحة حاليا في عالم سريع التغيُّر، هناك حاجة مستمرة للتطوير والنمو. المجلس السعودي للقادة يوفِّر ذلك من خلال الأدوات والفعاليات المجتمعية" وكتب آخر: "أرغب في الحصول على فرصٍ للوصول إلى أدوارٍ قيادية أو مقاعد في مجالس الإدارة… وأيضًا من المهم تسهيل الانتقال من الجامعة إلى بيئة العمل".

وفي سياق التطوير المهني، تشير دراسة بورك واتريج (Burke & Attridge 2011) إلى أن النجاح المهني للقائد يرتبط بعوامل مثل مستوى التعليم، الصحة الجيدة، العلاقات الاجتماعية القوية، والتطوير المهني المستمر. ويتوافق احتياج القادة في هذا المحور مع مستهدفات تطوير القادة في "مسك" من خلال برامج التطوير حيث لا يُنظر إلى التطوير المهني للقائد كطموحٍ فردي فحسب، بل بوصفه أداةً استراتيجيةً لبناء جيلٍ قادر على تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030.

4. برامج الإرشاد والزمالة

في هذا المحور، أكد المشاركون في الاستطلاع على أهمية برامج الإرشاد والتعلُّم المستمر سواء من قادة بارزين أو من الزملاء المشاركين في البرامج المختلفة. أشارت إحدى المشاركات إلى أن "(برنامج الارشاد) سيساعدني على تطوير مهاراتي كقائد، ومن خلال تجاربي مع المجلس سأتمكن من تطبيق الدروس المستفادة من الأعضاء والأنشطة والمبادرات على حياتي الشخصية والمهنية". وأشار آخر إلى أهمية استثمار وجود أعضاء ذوي خبرة في مجالاتهم قائلاً " نحتاج إلى الاستفادة بشكل أكبر من تنوُّع أعضاء المجلس ومهاراتهم، فهم يمثلون ثروة معرفية كبيرة"

ووفقا لدراسة لاتشر ورولاند (Lachter & Ruland, 2018)، فإن برامج الإرشاد بين الأقران (Peer-mentoring)  تحقق فوائد كبرى على المدى الطويل؛ فهي تُعزِّز الثقة بالنفس، والقدرة على اتخاذ القرارات المهنية، وإدارة الضغوط، والاندماج المجتمعي. كما يستفيد المرشدون أنفسهم (Mentors) من الإشراف على القادة الناشئين من خلال تطوير مهارات الاتصال والتفكير التأملي ورفع مستوى النضج القيادي لديهم.

5. فرص للتمثيل على المستويين الوطني والدولي

أخيرًا، عبّر العديد من المشاركين في الاستطلاع عن رغبتهم في تمثيل المملكة على الساحة الدولية، والمساهمة في التحوُّلات الوطنية الكبرى. ذكر أحد المشاركين " أن توفير فرص للمشاركة في فعاليات عالمية باسم المملكة، بناءً على الكفاءة والخبرة، ستكون ذات أثر كبير في تعزيز المهارات القيادية". كما أشار آخر إلى أهمية التحوُّل من الأدوار التقليدية للقائد إلى المشاركة العملية في بناء قادة المستقبل، قائلاً: " مع تقدم المملكة نحو رؤية 2030، يُتوقع من القادة ألا يقتصر دورهم على الإلهام فقط، بل أن يحوّلوا المبادرات الطموحة إلى أثر ملموس وقابل للقياس". ويعكس هذا المحور تصوُّرًا للقيادة باعتبارها خدمة وطنية في السياق السعودي، ومسؤولية تتجاوز الفرد نحو تمثيل الوطن وإلهام الآخرين، وصناعة الأثر المستدام من خلال المشاركة في التمثيل للمملكة في مختلف المحافل الدولية، والمساهمة في تطوير الجيل القادم من القادة.

في هذا الاستطلاع اجتمعت أصوات 195 قائدًا سعوديًا ناشئًا على حقيقة واحدة، وهي أن الشغف قد يُشعل الشرارة، لكن الالتزام هو ما يضمن الاستمرارية في القيادة والتأثير. كما تضمنت الاستجابات فهمًا عميقًا لتحديات ومتطلبات القيادة؛ من مواجهة التحديات والضغوط إلى بناء العلاقات، ومن الاستفادة من الزملاء إلى تمثيل المملكة. وتوضح نتائج هذا الاستطلاع أن القيادة في عصر رؤية السعودية 2030 تتطلب مزيجًا من الطموح الفردي والالتزام الجماعي.

وبالنسبة للمجلس السعودي للقادة في مسك (SLS)، نتائج الاستطلاع ليست مجرد بيانات، بل خريطة طريق لبناء قادة قادرين على مواجهة تحديات اليوم وصناعة فرص الغد.

 

المراجع:

Burke, J., & Attridge, M. (2011). Pathways to Career and Leadership Success: Part 1-A Psychosocial Profile of $100k Professionals. Journal of Workplace Behavioral Health, 26(3), 175–206. https://doi.org/10.1080/15555240.2011.589718

Johansen, R. (2009). Leaders Make the Future: Ten New Leadership Skills for an Uncertain World (2nd ed., revised and expanded). Berrett-Koehler Publishers, Inc.

King, E., & Badham, R. (2019). Leadership in uncertainty: The mindfulness solution. Organizational Dynamics, 48(4), 100674. https://doi.org/10.1016/j.orgdyn.2018.08.005

Lachter, L. R., & Ruland, J. P. (2018). Enhancing leadership and relationships by implementing a peer mentoring program. Australian Occupational Therapy Journal, 65(4), 276–284. https://doi.org/10.1111/1440-1630.12471

Moy, R. (with Drew, A.). (2011). Leadership and social networking: Updating your ministry status. Grove Books.

Russon, C., & Reinelt, C. (2004). The Results of an Evaluation Scan of 55 Leadership Development Programs. Journal of Leadership & Organizational Studies, 10(3), 104–107. https://doi.org/10.1177/107179190401000309

 

*تستند هذه النتائج إلى بيانات جُمعت من خلال استبيان وُزع على أعضاء المجلس السعودي للقادة، وبلغ عدد المشاركين فيه 195 عضوًا. وقد جُمعت البيانات بأسلوب كميٍّ ونوعيٍّ، وأجري عليها تحليل موضوعي للإجابات على الأسئلة المفتوحة.

مسك تحديثات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات