لقد شَهِدَ عالمنا الكثير من التغيرات في العقدَين الماضيين، حيث يعتبر اليوم مُتْصلًا ببعضه أكثر من أي وقتٍ مضى، وذلك يعني أن التغيرات التي نشهدها أصبحت أسرع وأكبر ولا يمكن التنبؤ بها، وتُعتبر جائحة كورونا المثال المثالي على ذلك؛ فقد قامت العديد من الشركات والمؤسسات بتغيير مِنهجية عملها واتباع أساليب العمل عن بعد.
ومع محاربة المجتمعات للجائحة والتحديات التي تواجهها فقد تناول العديد الحديث عن "الركود العالمي المُقبل"، والذي يعتبر مصدر قلقٍ للمؤسسات بشكلٍ عام وبشكلٍ خاص، ولنتمكن من التغلُّب على هذه الجائحة وغيرها من الأمور فعلينا التمسك بالصبر والعزم لنتعامل معها بالشكل السليم، وهنا يأتي دور القادة الهام في مساعدة غيرهم على مواكبة هذه التغيرات من خلال تطبيق أفضل الأساليب والممارسات واستراتيجيات العمل للتكيف معها.
ما الذي يمكننا القيام به كقادة وأفراد للتعامل مع التغيُّرات الضرورية؟
نبذة عن مفهوم VUCA:
لقد ظهر مفهوم VUCA بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001، وكانت الكلية الحربية لجيش الولايات المتحدة إحدى أولى المنظمات التي استخدمت هذا المفهوم للتعامل مع التحدّيات والمخاوف المتعلقة بشأن البيئة الأمنية الدولية وصعوبة السيطرة عليها.
يُشير مُصطلح VUCA إلى أربع ظواهر، وهو اختصار لأربعة كلمات هي (التقلُّب - الرَّيبة - التعقيد - الغموض) وهي الظواهر التي تم اختيارها لوصف أي موقفٍ يصعب تحليله والاستجابة له والتخطيط للتعايش معه.
وتشمل VUCA جميع التحديات التي يتعيَّن على الأفراد والفِرق والمنظمات في المؤسسات المتضررة مواجهتها، وقد يصعب التعامل معها حيث يكون أثرها هائلًا عندما تندمج مع بعضها البعض، وهنا يأتي دور هذا المفهوم حيث يساعد على تبسيط هذه المواقف الفرديَّة وطرق التعامل معها:
مُتقلب – يُعبّر عن سرعة التغيرات بالمواقف وصعوبة التنبؤ بطبيعتها أو مداها.
الرَّيبة – يُعبّر عن عدم وضوح الأمور المتعلّقة بالوضع الحالي، وعدم التأكد ممّا قد تؤول إليه بالمستقبل.
معقّد – يُعبّر عن وجود العديد من العوامل المختلفة المترابطة وغير المترابطة التي تلعب دورًا في التأثير على الموقف، مما قد يسبب فوضى عارمة وارتباك.
غامض – يُعبّر عن وجود نقص في الوضوح أو الوعي حول الموقف.
كيف يمكن للقادة تطبيق مفهوم VUCA؟
نظرًا للآثار الاقتصادية الحالية بعد جائحة كورونا وتأثير الأزمات التي يمر بها العالم فإننا نرى أن الركود الاقتصادي قد بدء بالفعل يلوح في الأفق، ولذلك يمكننا أن نستنتج أننا نعيش بالفعل في أحد مواقف VUCA، من أجل تهيئة القادة والأفراد على التأهُّب لهذه الأحداث قمنا بإعداد دليل مختصر أدناه بناءً على كل نقطة من VUCA، فمن المتوقع أن يصبح مفهوم VUCA أكثر انتشارًا في مجال الأعمال واقتصاد الدُول.
التّقلب:
إن التغيير يُعد جزءًا لا يتجزأ من الطبيعة الحياتية سواءً كان إيجابيًا أو سلبيًا، ولذلك فإنه يتطلّب علينا إعداد موارد مادية وتهيئة كوادر قادرة على التعامل مع المتقلّبات المستقبليّة وقابلة للتغيير.
ويمكننا أن نتعامل مع التقلُّب من خلال تخصيص الوقت والاستثمار في الاستعدادات المُبكِّرة لتقليل المخاطر ومحاولة تقليل تكاليف التعامل معها، فيجب أن تتناسب مع مجال عملك والمخاطر المتوقعة.
الريبة:
تحصل الريبة عند وجود فقر في المعلومات المتعلقة بالحَدَث المشهود، وعدم وضوح أسبابه، أو عند عدم وجود الحلول الواضحة لمواجهة التحديات المعروفة وسُبُل التعامل معها.
ويمكننا التعامل مع الريبة عن طريقالاستثمار في التّعلم وكسب المهارات والمعلومات المُلمّة في المجال المُتعلق بنشاطك ومشاركتها مع من يُهمه ذلك، فيمكنك الاستعانة بشبكات تحليل المعلومات على سبيل المثال، فهي تقوم بتوضيح الأسباب والمعلومات بشكل أكبر.
التعقيد:
إن أي مشكلة تتصف بالتعقيد تحتوي على الكثير من العوامل التي قد تُشكّل خطرًا على المؤسسات وتهدد استمراريتها وإمكانية نموِّها؛ ولذلك فعلى المؤسسات أن تلتزم في هذه الخطوة بالتواصل بشكل واضح ومفصّل، وأن تُتيح لأفرادها فرص أكثر للتعاون.
ويُمكننا أن نتعامل مع التعقيد عن طريقإعادة الهيكلة النظامية وتوظيف المتخصصين لتطوير نهجٍ جديد يقوم بمعالجة تعقيد الموقف، وتحديد المناطق التي قد تحتاج لمعلوماتٍ أكثر ودعمٍ إضافي حتى يتم تسخير كادر عمل يتكفل بها، ومن المهم أيضًا استخدام وتوظيف أنظمة حماية قوية، وأنظمة نسخٍ احتياطي لحماية بيانات هذه المؤسسات.
الغموض:
يحصل الغموض عند مواجهة الأمور المجهولة، والتي تفتقر إلى الخبرات الضرورية الكافية لحل مشاكلها ومواجهة تحدّياتها.
ويمكننا أن نتعامل مع الغموضعن طريق التجربة والاختبار، ومن ثمَّ تطبيق وتطوير المفاهيم الناجحة التي قمت بتجربتها مُسبقًا على نطاقٍ واسع.
إن التحدي الرئيس لمفهوم VUCA هو عدم رغبة أعضاء الفريق بالتكيُّف مع الأوضاع الجديدة وتجربة أساليب مُختلفة للتعامل معها، ومُقاومتهم للتغيير وتمسُّكهم بالطرق التقليدية، كما قد يتَّسم بعض أفراد الفريق بالبُطء في تنفيذ هذه الإجراءات، أو أن يكون الهيكل التنظيمي للعمل غير قابل للتغيير، ولكن علينا أن نتذكر أن أساليب القيادة التي لا تتميز بالمرونة تعتبر غير مفيدة.
إن كنت ترغب في تطبيق مفهوم VUCA بعملك فيجب عليك تشجيع التعاون والمشاركة والنقاش والتفكير الجماعي بين أفراد فريقك، فهذه الأمور هي التي تساعدك على تعزيز المرونة في المُجتمع الاقتصادي لضمان استمراريته.
إن العوامل التي يتكوَّن منها مفهوم VUCA تؤثر بشكلٍ كبير على فريق العمل وطاقتهم، ولذلك فمن المهم أن يكون القائد قادرًا على تحفيزهم في ظل هذه التغييرات.
ومن المهم أن نُذكّر أنفسنا أن عالمنا متحوِّلٌ دائمًا، ولكي نتمكَّن من التعايش فيه علينا دراسة الأوضاع الحالية وتكريس الوقت والجهد للعثور على أسباب المشاكل التي قد تواجهنا مهما كانت مُستعصية لكي نجد الحلول المناسبة لها.
