من الأهمية بمكانٍ في هذا العالم المتغير ومتزايد التعقيد تحديد "الكوادر الشابة أصحاب الكفاءات العالية والتطلعات الطموحة" والاستثمار في تطويرها لنراها بين نخبة قيادات المستقبل المميزة التي تملك حس الإبداع والابتكار التي يومًا ما ستشكل القطاعات والصناعات المتطورة وتحقق تطلعات الأُمة، مثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030. ولطالما أدركت مؤسسة محمد بن سلمان "مسك" أن الشركات الحالية والمستقبلية بحاجة إلى قادة قادرين على التكيّف واستخدام قدراتهم لتجاوز التحديات في مجالات تخصصهم والمجالات الأخرى. وفي هذا السياق، خرج برنامج زمالة مسك إلى النور بهدف تطوير كادر من القادة في مستهل حياتهم المهنية، مستهدفًا السعوديين الذين يدرسون ويتخرجون في كليات مرموقة حول العالم، والعمل على صقل مهاراتهم ليصبحوا أفرادًا وقادةً أكثر مهارة.
كان تطوير المهارات القيادية في السابق من الجهود الفردية التي عادةً ما كان يبذلها الأفراد خلال رحلة التقدم الوظيفي داخل المؤسسات. وقد اعتمد برنامج زمالة مسك نهجًا عصريًا ومرنًا يهدف إلى تطوير المهارات القيادية ويمكّن الزملاء من تطوير مهاراتهم وسلوكياتهم القيادية وتكييفها من خلال العمل مع زملائهم، والتعلم من القادة الشغوفين على المستويين المحلي والعالمي الذين يحدثون أثرًا إيجابيًا لمواجهة تحديات اليوم والغد. وجديرٌ بالذكر أن هذا النوع من القيادة يتطلب مزيجًا من المواهب والمهارات والخبرات والجهود التي يجب استثمارها جميعًا بهدف التوصل إلى حلول مبتكرة. ومن هذا المنطلق، صممت مسك برنامج الزمالة بالتعاون مع الجهات الحكومية والخاصة وكذلك المنظمات غير الربحية لتحقيق أقصى قدر من التأثير الإيجابي على المشاركين.
دخلت عبر بوابة برنامج زمالة مسك إلى عالم جديد من التفكير والإدراك والتصرف. وبصفتي طالبة دكتوراه وباحثة في علوم الحركة الإنسانية في جامعة كولومبيا، وحاصلة على درجة الدكتوراه في العلاج الطبيعي والماجستير في علوم الصحة وإعادة التأهيل، فإن معرفتي ومهاراتي القيادية لم تكن على مستوى متقدم. وفي صباح بارد في مدينة نيويورك، خرجت في نزهة مع الدكتور لوري كوين، رئيس قسم العلوم السلوكية الحيوية ومدير مختبر أبحاث إعادة التأهيل العصبي، وسألني عما إذا كنت مهتمة بشغل منصب مساعد مدير المختبر. فقررت آنذاك قبول التحدي المتمثل في أن أصبح مستشارة علمية، وهي مهنة كنت أتطلع إليها منذ فترة طويلة، فتبعت حدسي وتقدمت بطلب المشاركة في زمالة مسك.
قد تتساءل ما هي العوامل التي يرى المتقدمون المحتملون أنها تحدد ما إذا كان هذا البرنامج مناسبًا لتحقيق أهدافهم المهنية. بالنسبة لي، كنت متخصصة في مجال علمي، ولكني كنت أرغب في توسيع مجالات خبرتي وإنشاء علاقات مع أشخاص شغوفين بالعلم وملهمين في الوقت ذاته، لذلك كان برنامج الزمالة هو البداية المثالية لذلك!
لقد وجدت البرنامج مبهرًا على جميع الأصعدة. وقد فاقت وحداته توقعاتي، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، منحتني رعاية مسك شعورًا بالفخر، والأهم من ذلك كان الشعور بالواجب لمساعدة أبناء وطني كطريقة لرد الجميل. فمن منا لا يحن لوطنه بعد السفر لسنوات طلبًا للعلم؟ علاوة على ذلك، أنشأ البرنامج، الذي عمل في البداية بشكل افتراضي، نقطة التقاء وملاذًا فكريًا للزملاء لتبادل الأفكار والتعلم من بعضهم بعضًا. ويشعرني لقب "زميلة مسك" بالفخر الشديد!
سجّلت في البرنامج خلال الجائحة، وقتما كان يضم 75 زميلًا من جميع أنحاء العالم ويُقدم بالكامل في وسط افتراضي. وفي المرحلة الأولى من البرنامج، عقدت مسك شراكةً مع مجموعة التنمية الإلهامية (IDG) البريطانية التي أقامت معسكرات التدريب والتوجيه. وكانت كمية التحضيرات والموارد في هذا الصدد كبيرة وتتضمن أنماطًا وأدوات اجتماعية مختلفة لضمان تقديم التعليم الأمثل للمشاركين.
وقد أضاف الشركاء، مثل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، و"منشآت"، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، و"استراتيجي آند" و"بين آند كومباني"، قيمة هائلة للبرنامج، لا سيما في مرحلة المسابقة. فالمسابقة عبارة عن نهج إبداعي لممارسة مهارات القيادة، وتتيح في الوقت نفسه للزملاء إيجاد طرق لدفع عجلة التنمية في المملكة ورد الجميل للمجتمع. وأضاف الشركاء قيمة من حيث وتيرة البرامج التعليمية التي قدموها للتأثير على كيفية تعامل الزملاء مع حل المشكلات والقيادة والأداء بالإضافة إلى دعمهم المستمر وتقديم المشورة طوال المراحل الرئيسة للمشروع. وكمثال على ذلك، في بداية المسابقة، تم تعريف الزملاء بأهداف التنمية المستدامة العالمية، وتقسيمهم إلى مجموعات، ثم تكليفهم بتقديم حل تقني لسؤال يتناول هدفًا من أهداف التنمية المستدامة. ولكل فريق الحرية في اختيار هدف يقع ضمن مجالات اهتمامهم، وتم تعيين مستشار كموجه في إيجاد الحلول وتنفيذها على أرض الواقع.
كما نظّم فريق مسك جلسات تواصل مع متحدثين استثنائيين وملهمين. ولم يتناول المتحدثون أسئلة الزملاء ومخاوفهم فحسب، بل تناولوا أيضًا مواضيع تحفيزية، مثل "محيط التأثير" و"تبني القيادة الحديثة خلال التغيير السريع والإيجابي في المملكة العربية السعودية". كما شاركوا قصص النجاح إلى جانب قصص الفشل. فعلى سبيل المثال، شارك أدي إغناتيوس قصة وصوله إلى رئاسة تحرير مجلة هارفارد بزنس ريفيو. وكان لكل ذلك بالغ الأثر عليّ، إذ وسعّت آفاقي ومداركي وأثريت معارفي وأفكاري.
للإرشاد قيمة فعلية
يخصص برنامج زمالة مسك موجهًا خاصًا لكل زميل وبمجرد أن يكتسب الزميل المهارات المطلوبة، يصبح مسؤولًا عن متدربين أخرين، والذين يتولون بصفتهم موجهين دور الاستماع والتحدي والدعم. ومن الأمثلة البسيطة التي تشرح هذا النموذج زراعة شجرة أجنبية مثل الخيزران ورعايتها. وتتميز هذه الشجرة بطولها وقوتها ومقاومتها للهب ومرونتها ولكنها لا تنمو بالشكل المعتاد. فبعد زراعتها، يحتاج المرء إلى رعايتها لسنوات دون أن يشهد نموها بشكل واضح. ثم بين ليلة وضحاها تصبح الشجرة الأسرع نموًا، وذلك بمعدل نمو يبلغ 88 سم في اليوم، إذ تصل لحد النمو الأقصى في 60 يومًا فقط.
وجودي في هذا المنصب كمتدربة ومدربة كان شرفًا حقيقيًا. ففي وظيفتي الحالية، ساعدتني هذه التجربة في إشراك فريقي في العمل ودعمهم لتحقيق أهدافهم إرشادهم للنجاح في كل ما يطمحون إليه. لن يكون للإنجازات التي يحققها الأفراد والفرق أي حدود عندما تكون مصحوبة بسلوك قيادي نموذجي وفهم لمختلف الأساليب الاجتماعية والتعليمية.
الخلاصة
بصفتنا زملاء في مسك، فقد اكتسبنا العديد من المهارات في شتى مجالات تطوير القيادة، والتي سنواصل استخدامها على المدى البعيد. فإن وفرة النصائح المقدمة من الخبراء المختصين والموجهين والأفراد البارزين على الصعيدين المحلي والعالمي، إضافة للتفاعل مع الزملاء الآخرين، من شأنه أن يترك فينا أثرًا لا يزول. وعلى الرغم من الجائحة، إلا أن البرنامج لم ينسَ معسكرات التدريب التي تحققت بفضل الجهود الاستثنائية التي بذلتها مؤسسة مسك الخيرية وشركاؤها في التصميم والتنفيذ الفريد للبرنامج. وينتقل زملاء مسك من مرحلة إلى مرحلة في رحلة ممتعة ومُلهمة بكافة تفاصيلها على مدار 6 أشهر، يطورون خلالها مهاراتهم الشخصية والمهنية ليصبحوا قادة المستقبل الذين يقودون مسيرة النهضة المجتمعية والوطنية في المملكة خلال السنوات القادمة. ولا يسعني إلا أن أكون فخورة وممتنة للمشاركة بهذه الفرصة المذهلة!
