ما بين العمارة السعودية القديمة والحديثة

سارة العبد الحيّ – مسار الأحساء
هذا المقال بقلم أحد المتميزين الفائزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي.

طالما كانت للثقافة والفنون دور مهم في تاريخ البلاد وسمعتها على الصعيد العالمي، كما أنا لها عظيم الأثر في اقتصادها. ولذلك دائمًا ما نرى اهتمام الدول وحرصها على حفظ ثقافتها وفنونها التي تميزها عن غيرها والعمل على إثرائها.

ولا يخفى على أحد أن المملكة العربية السعودية حاضنة للثقافة وغنية بالكنوز الثقافية والفنية المختلفة والمتنوعة، فالثقافة والفنون السعودية هي كياننا وهويتنا وبها فخرنا وعزتنا، إذ عليها ولِدنا ونشأنا، وتشمل جميع اللهجات والعادات والفنون والحرف، ومن واجبنا الحفاظ عليها ورعايتها لأنّها أساس هويتنا.

وأكثر ما تتميز به المملكة وتنفرد به هو الفن المعماري القديم، الذي يزيّن كل منطقة من مناطق المملكة ويضفي عليها تنوعًا وتميزًا غير محدود من حيث التراث العمراني. فمثلًا نرى الكثير من المباني التي تحمِلُ العمقَ الحضاري للمملكة والتنوع الفني السعودي في العمارة، مثل مباني مدينة الدرعية، والقصور والقلاع العريقة في محافظة الأحساء، وجدة التاريخية، وقرية العلا، وغيرها من المباني التي ما زالت شامخة تتحدى الزمن وتبهر الناظرين إليها بروعة تصميمها.

ويعود الفضل في شموخها إلى يومنا هذا إلى جودة المواد المستخدمة قديمًا. وتلقّي هذه المباني الرعاية الكافية والترميم المستمر من جانب الهيئات المعنيّة بهذا الأمر؛ وذلك لتجنب أي خطر يهدد بزوالها.

أما فيما يخصُّ الأرقام والإحصائيات بحسب توثيق هيئة التراث، فقد بلغ عدد مواقع التراث العمراني المسجلة في مناطق المملكة بحسب السجل الوطني للتراث العمراني (1000) موقع، في حين بلغ إجمالي المواقع الأثرية في مناطق المملكة بحسب السجل الوطني للآثار (8.176) موقعًا.

ومن أنماط العمارة المستعملة قديمًا في المملكة والبلاد العربية: استخدام القباب والأقواس ذات الأبعاد المتناسقة، والأبواب الخشبية العالية ذات الأشكال الهندسية، وتضمين الزخارف والنقوش الإسلامية على الجدران والأبواب.

إلا أنّ ما نفتقده من المعماريين السعوديين رغم سجل المملكة الحافل بالأبنية العمرانية التاريخية، هو عدم محاولتهم خلقَ فنٍّ معماريٍّ حديثٍ مندمجٍ مع الفنون المعمارية القديمة المشهورة في المملكة، بما يتناسب مع فنون العمارة والتصميم المواكبة، بدلًا من اتباعهم للعمارة الغربية المستوردة البعيدة كل البعد عن العمارة السعودية، وهذا ما سيجعل فنَّ العمارة والتصميم لدينا أكثر تميزًا وتفردًا عن غيره.

هذا وسيكون المزج بين الفنون المعمارية القديمة والحديثة من الأشياء النادرة التي نرى وجودها غالبًا في المساجد والمتاحف فقط، لكن لو حاولنا استخدام هذا الفن المعماري بشكل أكثر اتساعًا، وجعله يشغل مباني وأماكن أكثر، كالمباني ذات الأغراض السياحية والترفيهية والتعليمية، والمنازل السكنية، والغرف الفندقية، فإنَّ هذا سيُضيف للمعمار السعودي المزيد من التميّز والاستثنائيّة في التصميم.

كما أن تأهيل المباني التراثية لإتاحة استخدامها كنُزل فندقية، أو تحويلها لمتاحف صغيرة، سيساعد في تسهيل اطلاع السياح على حضارتنا الفريدة، وعلينا مع هذا الحرص على إبقاء هوية المكان وشكله الأساسي، حتى مع أعمال إعادة التأهيل كي لا تُمحى أصالته.

وقد وافق مجلس الوزراء على نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني في نسخته الجديدة الصادرة بالمرسوم الملكي رقم (م/3) بتاريخ 9/1/1436هــ، والذي تضمّن أهمية المحافظة على الآثار والتراث العمراني، وعدم التعرض لهما بالهدم أو الإزالة أو التخريب، ووضع عقوباتٍ لهذا، الأمر الذي من شأنه أن يحفّز المواطن ليكون الشريكَ الأول في المحافظة عليها.

ومن الأساليب المقترحة التي تساهم في خلق هذا الفن:

  • تضمينُ الفنِّ المعماري السعودي أشكالَ العمارةِ الحديثة لمواكبة التطور المعماري.
  • استخدام الطراز القديم وأساليب البناء القديمة، وجعلها أكثر اندماجًا مع العمارة الحديثة، بما يتناسب مع احتياجات الإنسان الجديدة.
  • تأييد وتعزيز توجّه الشباب إلى التعليم المعماري وكليات العمارة والتصميم السعودية.
  • الثقة في قدرة المعماريين السعوديين وحسِّهم الفني، والتوجّه لهم بدلًا من المعماريين الأجانب.
  • إنشاء البرامج التدريبية الخاصّة بالعمارة والتصميم بالتعاون مع هيئة فنون العمارة والتصميم والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.
  • توجيه كليات العمارة والتصميم إلى ترسيخ الفن المعماري السعودي التقليدي وحفظه في مناهجها الدراسية.
  • إعادة تأسيس البنية التحتية للمباني التراثية وتزويدها بالخدمات والمرافق.

وليس بخافٍ علينا أنَّ هذا الفن الفريد سيعطينا كثيرًا من العوائد الإيجابيّة؛ إذ سيمكّننا من استقطاب المواهب السعودية وتنميتها، كما سيخلق فرصَ عملٍ جديدة وفريدة للمهتمين بالتصميم والهندسة المعمارية من شباب المملكة. وسيساعد هذا الفن على حفظ الإرث والهوية السعودية الثمينة وتخليدها، التي هي محل اعتزازنا، بالإضافة لكون العمارة لدينا ستتمكن من تلقي الاهتمام الكافي من المؤرخين وعلماء الفن الشرقي القديم والحديث، والمنظمات العالمية مثل: منظمتي اليونيسكو والتراث العالمي، وهذا ما يتيح لنا الترويج والكشف عن ثقافتنا وحضارتنا السعودية على الصعيدين المحلي والعالمي.

إنَّ إرثنا المعماريَّ العريق متفوّقٌ ناجحٌ في الجمع بين العمارة التراثية واحتياجات الأفراد الجديدة، واختيارُ التصاميم الملائمة يوحي لنا بالحياة المتعارف عليها في المملكة، وهي الطبيعة الصحراوية الحارة والجافة، وهو ما يظهرُ بجلاءٍ ووضوح من خلال استخدام الألوان الترابية والذهبية، وهذا هو التميز الرئيس الذي نطمح إليه من خلال دمج الفن المعماري القديم بالحديث.

إنَّ التراث العمراني الأصيل رمز عزة وفخر وتميز لنا، وهو جزء من ثقافتنا الحاضرة والمستقبلية، وموردُ رزقٍ لا ينضب، لهذا علينا أن نحتفي به ونستخدمه فيما يخدم مصالح بلادنا وثقافتها.

 

 

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات