هل قراءتنا لنفس الكتب تجعلنا نفكّر بذات الطريقة؟

طيف العنزي – مسار الجوف
هذا المقال بقلم أحد المشاركين المتميزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي
 
 

يُثار مؤخرا اقتباس "إذا كنت تقرأ فقط الكتب التي يقرأها الجميع، فستفكر فقط كما يفكر الجميع "(1) للروائي هاروكي موراكامي. والانتشار الكبير لهذه العبارة جعلني أتأمل للحظة فيها، حيث أن الاقتباس يفترض فرضيتين، الأولى في العلاقة بين القراءة والتفكير، والثانية في نزعة التميز. وهذا ما أحاول مناقشته في السطور الآتية. وقبل طرح هاتين الفرضيتين يجدر بنا عزيزي القارئ الوصول إلى نقطة اتفاق مبدئية لمفهوم التفكير. فالتفكير في لسان العرب إعمال الخاطر في الشيء، وجاء في المعجم الوسيط: "فَكَر في الأمر فَكراً: أعمل العقلَ فيه، ورتب بعض ما يعلم؛ ليصل به إلى مجهول (2) فيما يعني استكشاف قدر ما من الخبرة الكافية للوصول إلى هدف محدد، وقد يكون ذلك الهدف الفهم أو اتخاذ القرار، أو التخطيط، أو حل المشكلات أو الحكم على شيء ما. والتفكير من ناحية علمية يُعرّف على أنه مجموع الحركات الذهنية والعمليات الإدراكية التي يقوم بها العقل للانتقال غالبا من الشيء المعلوم إلى معرفة المجهول أو من المحسوس إلى غير المحسوس.

يفترض الاقتباس أعلاه أولًا أنك إذا قرأت نفس الكتب التي يقرأها الآخرون (أ) فإنك ستفكر مثلهم (ب) وتناقش الموضوعات نفسها وتقدم الحلول ذاتها والتساؤلات عينها وتظهر فيه مغالطة التعميم المتسرع جلية واضحة، والتي تعني كما عرّفها يوسف بوحايك بأنها الحكم على شخص أو شيء ثم البدء بتوسيع هذا الحكم على مجموعة أكبر دون التأكد من انطباق الحكم عليهم؛ لأنهم -فقط- يتشاركون صفة أخرى مختلفة ليس لها علاقة بالضرورة مع الحكم الأول(3). وأن العلاقة بين القراءة والتفكير علاقة خطية تفيد بأن (أ) تؤدي حتما إلى (ب)، والتي من خلالها يتضح خطأ العبارة من الأساس، وذلك لأنها تهمل دور القارئ التفاعلي مع النص المقروء. فالإنسان مخلوق تفاعلي يتفاعل مع الناس كما يتفاعل مع بيئته ومحيطه، ومن ضمن هذا التفاعل ما يكون بينه وبين النصوص التي يقرأها فيتفاعل مع النص بقدر ما يتفاعل النص معه، والأفكار الناتجة ما هي إلا نتيجة تفاعلنا مع النص. حيث يختلف تفاعلنا باختلاف نظرتنا وخلفيتنا السابقة حول الموضوع والتي تتحدد من خلال أفكارنا وتجاربنا ونظرتنا للحياة، هل سبق لك عزيزي القارئ أن قرأت مرةً كتابًا، وعند قراءته للمرة الثانية فهمته بشكل أعمق وأكبر أو وجدت فكرةً لم تخطر على بالك في القراءة الأولى أو معنىً مختلفًا جذريًّا؟ وهذا على المستوى الشخصي فما بالك على مستوى الأفراد والجماعات.

يحث الاقتباس ضمنيًّا على التميز وأن ما يفكر به الآخرون ليس إلا معرفة عامة غير نافعة ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل نحن فعلا مميزون؟ وما الذي يجعلنا كذلك؟ لا يمكن الإجابة على هذه التساؤلات إلّا بمعرفة واضحة لذواتنا. وترى الفلسفة أن أسمى غاية في البحث الفلسفي هي معرفة الذات. فعرّف سقراط الإنسان بأنّه "الكائن الذي يعطي جوابًا عقليًّا إذا سُئلَ سؤالًا عقليًّا، فمعرفته وخلفيّته مشمولة بمحيط هذه الدائرة." 

نحن نتشابه أكثر مما نعتقد، فمن الناحية البيولوجيّة نحن نتشابه بنسبة 99%من الجينات، ونحتاج ذات الاحتياجات وننتقل بشكل تدريجي للطبقة الأعلى، ولنا الحقوق نفسها، ويقول آلان بوتون في كتابه قلق السعي إلى المكانة "نصنع المعايير عن طريق مقارنة حالنا بحال مجموعة مرجعية"؛ لذا فنحن بحاجة إلى مجموعة أناس آخرين لتحديد تميزنا وذواتنا.

لكن البحث عن التميز المستميت هو أحد آثار عقدة الشعور بالنقص "ووفقاً لعلم النفس، فإن الخبراء قد يعتبرون الشعور بالنقص شعورًا طبيعيًّا، بل وفي بعض الأحيان صحيًّا، عندما يكون حافزًا ودافعًا لتنمية الذات وتطويرها، وحثها على التميز بين الأقران، ويصبح هذا الشعور شعورًا مَرَضيًّا عندما يتحول الشخص المصاب به إلى شخص قلق متوتر، أو عدواني مؤذٍ، يسلك أي طريقة ليلفت النظر حتى وإن خسر قيمته، وإن كانت بطرق غير أخلاقية، وغير مشروعة."(4)

وفي ختام هذا المقال من الممكن أن قراءة كتب في مجال واحد قد تُضيّق من أفق القارئ في بقية المجالات الأخرى، ومع هذا فلا يمكن تهميش دور القارئ التفاعلي مع الموضوعات والأحداث ولو بنسبة قليلة. الأمر الذي يلغي القاعدة وينفيها ولا يثبتها، قد يبدو لك عزيزي القارئ ظاهريًّا أن استدلالاتي تتناقض ولكن الحقيقة أن ذلك دليل ومثال بسيط ونافذة نُطِلُّ منها لنتعرف على شمولية الأشياء وتكاملها حتى وإنْ بدت منفصلةً ظاهريًّا أو متناقضة. 

حاولتُ جاهدةً في المقال أن أطرح وجهة نظرٍ مختلفةً وأحثَّ على استخدام ملكة التفكير التي منحنا الله، وتقليل أثر المقولات المنتشرة غير المنطقية فعندما تواجهنا أفكار تعارض ما نؤمن به أو ما اعتدنا عليه تتوسع مداركنا لأن عقولنا تحاول أن تحلل هذه المعلومات الجديدة التي نسمعها لأول مرة. تسعى عقولنا لإدراك هذه المعلومات الجديدة وإيجاد نقاط التقاء بينها وبين معارفنا وخبراتنا القديمة وبالتالي إيجاد وإثبات حجج أو دحضها الذي يساعد في تمرين عضلة التفكير. فالتنوُّع ينمي الجانب الإبداعي والتفكير المنطقي القائم على الأدلة والحجج والبراهين الداعمة له ويشجع على البحث والاكتشاف والتنقيب عن معلومات ووجهات نظر جديدة مما يساعد في معالجة المشكلات واتخاذ القرارات السديدة بطرقٍ مبتكرةٍ وسهلةٍ ميسرةٍ وهذا هو الهدف الأسمى لنا عزيزي القارئ كأفراد فاعلين في مجتمعنا. 



المراجع

  1. رواية الغابة النرويجية، هاروكي موراكامي.
  2. المعجم الوسيط.
  3. رجل القش، يوسف بوحايك بتصرف.
  4. عقد الشعور بالنقص، محمد آل الشيخ.
مسك تحديثات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات