مهارات القيادة

علاء بن عليان الرويلي – مسار الجوف
.هذا المقال بقلم أحد المتميزين الفائزين في برنامج صوت الشباب صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي

لا تقتصر كلمة "القيادة" أو "القائد" على وصف قدرات فردية لشخص يدير منظمة أو شركة أو حتى دولة، بل هي علم ومنهج أشبه بالمدرسة والتي تنتشر فيه قيادة الفرد إلى باقي أركان المنظمة والعاملين فيها للتحول إلى ثقافة إدارية، فقد يكون القائد محركًا لكل من يتبعه نحو النجاح وقد يكون مصدرًا للإحباط بقراراته المرتبكة.

ومن جهة أخرى لا يُشترط في القائد أن يعتلي رأس الهرم الإداري، بل يمكن أن يكون ضمن الإدارات المتوسطة ففي هذا الموقع يكثر فيه القادة وبل يُعيّن القادة هنا، إذ أنه في بعض الأحيان تجد من تتوافر به صفات القائد وهو لا يتبع منظمة ولا لإدارات كما هو الحال في صفات بعض رواد الأعمال.

وفي هذا المقال سأتناول مفهوم القيادة، والفرق بين المدير والقائد، والقيادة والعلم، والقيادة والسن، وجنس القائد.

هناك مفهوم شائع عن القيادة بأنها: هي عملية يؤثر بها الشخص على الآخرين لإنجاز هدف ويوجه المنظمة بطريقة تجعلها أكثر تنظيمًا وتأثيرًا.

ولكني أختصر مفهوم القيادة ببضع كلمات أكثر شمولًا لمفهوم القيادة وهي: القدرة على تحريك الأتباع نحو تحقيق الهدف المنشود.

قد يبدو التعريف قصيرًا، ولكنه جديًا كل كلمة فيه تحمل بطياتها عدة بنود قد تحتاج إلى محاضرة لاستيعابها بشكل مفصل وواضح فهو أشبه بالشجرة ذات الغصون ولكل غصن عدة أوراق، فعلى سبيل الإيضاح (القدرة) هل هي فطرية أم مكتسبة؟ وعلى أي مبدأ قائمة هذه القدرة؟ ألا تحتاج هذه القدرة إلى صلاحيات لتمكينها؟

وكذلك (التحريك) فهذا التحريك له مفاتيح وأدوات ولكي أتمكن كقائد من التحريك وجب عليّ ان أتمتع بعلاقه طيبة مع فريقي للعمل كروح الفريق المتكامل.

وعندما يأتي الحديث عن (الأتباع) فهؤلاء يختلفون كأي اختلاف بشري موجود، فهناك التابع السيئ وعكسه، وهناك التابع الذي يُنفذ ولا رأي له أي أنه يتصف (بالتبعيّة)، وهناك من الأتباع من هم يتحزبون نظرًا لصلة تجمعهم أو لمنفعة ينتفعون بها، فلكل فئة من هؤلاء طريقة تتعامل معهم بشكل خاص.

(الهدف) ولكي أحقق الهدف كقائد يجب عليّ معرفة الهدف جيدًا وأن أتشاركه مع أعضاء الفريق، فخير الأهداف للفريق هو الهدف الواضح والجيد والمشترك.

ورغم قراءتنا لهذا المفهوم قد يُخلط لدى البعض بأن القيادة هي الإدارة ولكن في واقع الأمر كُلًا منهما يختلف عن الآخر، فالإدارة غالبًا ما تركّز على المهمات والأعمال قصيرة المدى والتفاصيل، بينما القيادة تركز على الرؤى طويلة المدى والنظرات الكلية، ومن هذه الفروق أدركت بأن المدير يهتم بالإنجاز القريب والقائد يركز على المستقبل والعلاقات، فرؤية المملكة 2030 على سبيل المثال رؤية طويلة المدى ورؤية مستقبلية، إذًا فهي رؤية قيادية. فالقائد هو المحرك الفعلي للمنظمة ووقودها الذي يضفي لها عمرًا أطول، وذلك بالنظر إلى الرؤية طويلة المدى لفعل الصواب واجتناب الأخطاء.

ومع هذا، غالبًا ما يُشترط بأن يكون المدير متعلمًا أما القائد فلا يُشترط أن يكون متعلمًا أو عالمًا لطالما يتقن مهارات القيادة، فليس كل قائد عالمًا ولا كل عالم قائد، فلو وُجد عالمًا ليس له من مهارات القيادة ووُضع في منصب قيادي فإني أجزم بأنه لن ينجح بقيادته ناهيك عن قدرته في نشر علمه لطالما لم يمتلك المهارة، وبالتالي لن يعود بالنفع على المنظمة بل سيضُرها وسيتضرر هو وفريقه، بينما لا يُضار بأن لا يكون القائد عالمًا لطالما أنه يُتقن المهارات القيادية، صحيح أنني سأُقدم القائد إذا رأيت فيه القيادة والعلم إذا اجتمعا في شخص، إلا أنني لن ًاقدم العالم على القائد في هذا الحال، قياسًا على ذلك فإننا سنجد في التاريخ مثالًا في القائد (هانئ ابن مسعود الشيباني) فقد تسيّد قومه بحُسن قيادته وتسيّد أبناء ربيعة خاصةً والعرب عامةً بعد أن قاد العرب بمعركة (ذي قار) الشهيرة التي هزم بها الفرس رغم قلة علمه بالمقارنة مع غيره من أتباعهِ.

وبما أن القائد لا يُشترط أن يكون متعلمًا فالقيادة كما أرى لا ترتبط بسنٍ محدد على الإطلاق فكم من صغير سن أفضل ممن يسبقه بالعمر، وكثير من القادة صغار السن أكثر نجاحًا من نظرائهم الأكبر سنًا، وقد يعود ذلك لعدة عوامل تجعله يتفوق على غيره مما يُغرس فيه القيم القيادية ومهارتها وتخلق منه قائدًا فذًّا بالفطرة، فقد يكون ذلك بسبب البيئة التي تحيط به منذ نعومة أظافره إلى نشأته، أو تعود الأسباب للبيت الذي تربي فيه بحيث يكون من بيت قيادي، أو أن يكون لظروف حياته التي حاكته وصقلت منه قائدًا فذًّا.

ومن هنا قد يُثار تساؤل عن جنس القائد، ماذا لو قادتنا امرأة في المنظمة التي أتبعها؟ هل هي أهلٌ للقيادة؟

والجواب الشافي لهذا التساؤل بأن القيادة لا تنحصر على الرجل دون المرأة ولا للمرأة دون الرجل، بل أحيانًا تكون المرأة أكثر كفاءةً من الرجل في المنصب القيادي، وبهذا الخصوص قرأت دراسة وردت في كتاب "القائد الـ360 درجة" للمؤلف: جون سي ماكسويل بأن المرأة تتميز عن الرجل ببعض الجوانب القيادية لأن المرأة لا تتخذ القرارات بشكل سريع ومن طبيعتها الميل للتأمل وطلب المزيد من الدراسات وتلجأ للاستشارات بشكل أكبر وموسع متفوقة بهذا الجانب عن قيادة الرجل، مما يعطي المرأة ميزة إبداعية بنسبة 25% عن الرجال، وفي المقابل فإن ذلك يعطي الرجل المجال بأن يتفوق على المرأة من ناحية القرارات القيادية الحاسمة والحازمة، فلكل قائد من الجنسين الجانب الذي يتميز به حسب الدراسة المذكورة، ولا ضير أن تكون القيادة للمرأة لطالما كانت الأكثر جدارة في المهمة القيادية وتمتلك المقدرة على تحقيق هدف المنظمة بكفاءة، وأني أؤيد هذه الدراسة وأدعم رأيي حول قيادة المرأة للمنظمات أو الإدارات بدليل أن الآيات القرآنية أثنت على قيادة (بلقيس) لمملكة سبأ فقد وُصفت بالأدب والشورى والذكاء.

وخلاصة قول جميع ما سبق فإن العلم القيادي يشير إلى الإبداع وحسن إدارة الوقت والمشاركة والتشاور مع أعضاء الفريق، وبما أن القائد هو المحرك الدافع للمنظمة لتحقيق الأهداف والرؤى، وليّ فيما ذُكر تجربة شخصية ناجحة بهذا الصدد فقد كنت عضوًا لدى الكشافة وانضممت إلى (رُسل السلام لخدمة الحجاج) عام 1433هـ في حينها تم تكليف فرقتنا بالمسح الميداني قبل بدأ موسم الحج، فقام القائد يستشيرنا كفريق عن كيفية العمل وخاصة أننا مكلفون برصد المخيمات خلال أربع ساعات فقط وعلى مدى يومين، والقائد حينها لا يرى بأن الوقت كافي وعلينا أن نسابق الزمن ونتحرك كمجموعة واحدة، فاقترحت عليه أن نقتسم إلى خمس مجموعات وكل مجموعة فيها ثلاثة أشخاص وبذلك يكون لكل مجموعة أربعة ساعات بحيث يكون اجمالي ساعات الفريق 20 ساعة وبالفعل أخذ بالمشورة وأنهينا المسح الميداني من أول يوم وفي اليوم التالي كانت عملية تدقيق وتعديل للأخطاء إن وجدت، وحصلت  كشافة الجوف على كافة الأوسمة حينها ولم يتوانى القائد عن منحي لقب القيادة رغم أنني لست مؤهلًا لذلك وفقًا لأنظمة الكشافة.

وبلا شك بأن المشاركة والمشورة من سِمات القائد الناجح الا أنني لم أجد في الكتب والمقالات ما يؤيد استبداد القائد، فكل ما قرأته وأطلعت عليه حتى في منصة دروب (كن قائدًا) دائمًا ما يُتطرق إلى التعاون والاستماع من القائد للفريق وأن يتشارك معهم في همومهم وأفراحهم وفي حال النجاح يُنسب هذا النجاح إلى الفريق وهذا كله صحيح، وعلى اعتبار أن جميع ما ذُكر هو القاعدة ولكن لكل قاعدة استثناء، ويأتي هذا الاستثناء وفقًا لأمر طارئ أو لظروف خاصة استثنائية فيتوجب على القائد حينها أن ينفرد بنفسه ويُؤيد برأيه مستندًا لعزمه، ولكن كل هذا لا يستقيم إلا بمعيار "حُسن التدبير" قبل شدة الشكيمة والعزم.

وأحيانًا يجب على القائد أن يستبد حتى في غير الظروف الاستثنائية التي تُوجب عليه الحزم والصرامة ففي استبدادهِ كبحٌ للمنتفعين حوله من أعضاء فريقه أو منظمته، ولكن لا يجب عليه أن يكون ذلك قاعدة، بل استثناء لظروف خاصة ولهدفٍ محدد، بحيث يكون حكم هذا الاستثناء كحكم الأضرار في القانون "يثبت ذلك بثبوت الضرر ويزول بزواله".

إضاءات ذات صلة

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات