في اللحظة التي تحصل فيها شركةٌ ناشئة على تمويل وثقة أيّ مستثمر، تتوالى المسؤوليات التي يتوجّب عليها تحمّلها لصون هذه العلاقة في الوقت الحاضر، وضمان استمراريّتها في المستقبل. وعلى رأس هذه المسؤوليات تأتي الشفافية والمساءلة.
وللحوكمة عناصر أساسية يجب أخذها بعين الاعتبار والتأكّد من سلامة هيكليّتها في كلّ شركة. أولًا، يُعدّ مجلس الإدارة عنصرًا حيويًا للحوكمة الجيّدة، إذ يشرف على أنشطة الشركة الناشئة ويتخذ القرارات الاستراتيجية. ويشمل مجلس الإدارة ممثلين عن المساهمين الرئيسيين، وفريق التأسيس، والإدارة، بالإضافة إلى خبراء مستقلّين. تُعقد الاجتماعات بانتظام لمناقشة المسائل الهامة مثل استراتيجيات الشركة والميزانيات. ولضمان الشفافية، من المهم أن يوثّق المجلس محاضر الاجتماعات ويقوم بمراجعتها.
من جهة أخرى، تلعب اللجان التي تتألف من أعضاء مجلس الإدارة والموظفين والمستشارين دورًا مهمًا في تلبية احتياجات العمل المحددة، مثل تعويضات الإدارة، والتدقيق، وإدارة المخاطر. تجلب هذه اللجان المعرفة والخبرة المتخصّصة، وتقدّم توصيات لمجلس الإدارة، وتعمل على معالجة المواضيع الشائكة أو تضارب المصالح بين أعضاء المجلس في حال نشب أيّ خلاف حول القرارات الاستراتيجية للشركة الناشئة.
أمّا مصفوفة الأدوار والمسؤوليات (Roles and Responsibilities Matrix)، فتحدّد من هو المسؤول عن كل مهمة، ومدى صلاحيات كل شخص. يمكن أن تشمل هذه المصفوفة قراراتٍ بشأن المدفوعات الكبيرة والاستثمارات الكبرى، مثل التوسع الجغرافي، أو اقتناء المعدات، أو تعيين كبار الإداريين، وتعيين المدققين. وتُعدّ مراجعة الميزانيات بانتظام، ومواءمة حوافز المؤسسين والمديرين التنفيذيين مع أهداف المستثمرين، من الأمور الحيوية للحفاظ على حوكمة جيدة وشفافية.
يسعى المستثمرون بشكلٍ رئيسي إلى تحقيق العائدات والأرباح، وغيرها من الأهداف التي اتفقوا عليها مع الشركة عند الاستثمار فيها، لذا يتوجب على مؤسسي الشركات الناشئة تركيز جهودهم على تحقيق النمو، وزيادة قيمة شركاتهم، والالتزام بالعقود والاتفاقيات المبرمة.
وتيرة التواصل بين الشركة والمستثمرين
يعتمد نوع الاتصال ووتيرته بين مؤسسي الشركات الناشئة والمستثمرين على طبيعة كلٍّ من الطرفين وأهدافهما. ومع ذلك، هناك بعض الممارسات العامة المتبعة لضمان اتصال فعّال وشامل، نذكر منها:
التقارير المالية والفصلية: ينبغي على المؤسسين تقديم تقارير مالية منتظمة، عادةً ما تكون فصلية، تشمل بيان الأرباح والخسائر، والميزانية العمومية، وتقرير التدفق النقدي. تتيح هذه التقارير للمستثمرين الاطلاع على الأداء المالي للشركة وفهم الوضع الحالي للنقد والأصول والالتزامات.
التقارير الشهرية: إلى جانب التقارير الفصلية، يُفضَّل تقديم تقارير شهرية تتضمن تحديثات حول العمليات اليومية، وأيّ تحديات أو مشاكل تواجهها الشركة، أو تغييرات استراتيجية أو تكتيكية تم تنفيذها.
الاجتماعات الدورية: من المهم عقد اجتماعات دورية، شهرية أو ربع سنوية، مع المستثمرين لمناقشة الأداء المالي، واستراتيجيات النمو، والتحديات، والفرص. تُعد هذه الاجتماعات فرصة للتواصل المباشر، وتقديم التحديثات، والاستماع إلى ملاحظات ونصائح المستثمرين.
التحديثات الطارئة: في حال وقوع أحداث مهمة أو غير متوقعة (مثل توقيع صفقات كبيرة، أو تغيير في الإدارة، أو تحديات كبيرة، أو فرص استثمارية جديدة)، يجب على المؤسسين إبلاغ المستثمرين فورًا.
النشرات الإخبارية: يمكن إرسال نشرات إخبارية دورية (شهرية أو ربع سنوية) تتضمن تحديثات عامة حول الشركة، بما في ذلك نجاحات الفريق، وتحديثات المنتجات أو الخدمات، والأنشطة التسويقية. تساعد هذه النشرات في إبقاء المستثمرين مطّلعين على التطورات الجارية.
التواصل غير الرسمي: بالإضافة إلى التقارير الرسمية والاجتماعات، يمكن أن يكون للتواصل غير الرسمي (مثل المكالمات الهاتفية العفوية أو الرسائل الإلكترونية) دور كبير في بناء علاقات قوية مع المستثمرين، وتعزيز الثقة بين الطرفين.
واجب المستثمرين تجاه الشركة
إلى جانب التمويل، يمكن للشركة الناشئة أن تطلب وتتوقّع مجموعة من الأدوار والدّعم من مستثمريها. أولًا، يمكن للمستثمرين تقديم الإرشاد والتوجيه الاستراتيجي للمؤسسين، بناءً على خبراتهم الواسعة في مجال الأعمال. ويشمل ذلك تقديم النصائح حول استراتيجيات النمو، وتحسين المنتجات أو الخدمات، وتحديد الفرص والتحديات المحتملة. وقد يكون هذا النوع من الإرشاد ضروريًا لتجنّب الأخطاء الشائعة وتحقيق أهداف الشركة بشكل أكثر فعالية.
كما يمكن للمستثمرين استخدام شبكات علاقاتهم الواسعة لمساعدة الشركة الناشئة في بناء شراكات استراتيجية، والعثور على عملاء جدد، والترويج عبر وسائل الإعلام والصحافة. وقد يكون الدعم الذي يأتي عن طريق شبكة العلاقات حاسمًا في توسيع نطاق الأعمال بسرعة وكفاءة، مما يفتح أبوابًا جديدة وفرصًا يصعب تحقيقها بدون هذا النوع من الدعم.
من جهة أخرى، غالبًا ما يكون لدى المستثمرين معرفة عميقة بالقطاع أو السوق التي تعمل فيهما الشركة الناشئة، مما يجعلهم قادرين على تقديم رؤى قيّمة حول اتجاهات السوق، والمنافسين، وأفضل الممارسات. فإذا كانوا من المستثمرين المتخصصين في قطاع معيّن، يمكنهم جلب خبراتهم من استثماراتهم السابقة في هذا القطاع إلى الشركة الناشئة. أما إذا كانوا مستثمرين عامين، فقد لا يمتلكون الخبرة في قطاع عمل الشركة، لكن لديهم الكثير مما يمكنهم تقديمه في مجالات أخرى.
كما يستطيع المستثمرون عادةً المساعدة في جذب المواهب المتميّزة إلى الشركة، سواء من خلال شبكاتهم الخاصة أو من خلال تقديم نصائح حول استراتيجيات التوظيف. علاوةً على ذلك، قد يقدّم المستثمرون دعمًا تشغيليًا، مثل تحسين العمليات الداخلية، وتنفيذ نظم إدارة متقدّمة، أو تقديم نصائح حول الإدارة المالية والمحاسبة. ويساعد هذا النوع من الدعم الشركة على العمل بكفاءة وفعالية أكبر، مما يزيد من فرص النجاح والنمو المستدام.
وأخيرًا، يمكن للمستثمرين تقديم الدعم في مجال الحوكمة والإدارة من خلال المشاركة في مجلس الإدارة أو تقديم نصائح حول هيكلة الفريق الإداري، وذلك لتحسين آلية اتخاذ القرارات الاستراتيجية وضمان الالتزام بالمعايير القانونية والتنظيمية، مما يعزّز استدامة الشركة وموثوقيّتها.
أما بالنسبة إلى الشركات الناشئة، فينبغي لها أن تعمل على تنفيذ ما ورد في اتفاق الفحص النافي للجهالة المبرم مع المستثمر، ومن حقّها أن تنال الدعم الذي يمكن للمستثمرين تقديمه، وأن تحقق القيمة التي يمكنهم إضافتها. كما يتوجّب على الشركة الناشئة أن تطلب المساعدة عندما تحتاج إليها، بعد تحديد طبيعة هذه الحاجة، بالإضافة إلى تحديد مستوى إشراك المستثمرين في عملية اتخاذ القرار، وتوليف النصائح التي تحصل عليها بما يحقّق رؤية المؤسسين والمستثمرين معًا.
الأدوار التي يمكن للمستثمرين لعبها في جولات التمويل المستقبليّة
يستطيع المستثمرون لعب أدوارٍ حيوية في جولات التمويل المستقبلية للشركات الناشئة، وعلى رأسها تقديم التمويل الإضافي بأنفسهم، ما يعكس ثقتهم المستمرة بالشركة ويساعد في جذب مستثمرين جدد.
ويمكن للمستثمرين الحاليين أن يعيدوا الاستثمار في الشركة الناشئة نفسها، كما يمكنهم استخدام شبكاتهم وعلاقاتهم لجذب مستثمرين جدد. فعادةً ما يمتلك المستثمرون علاقات قوية مع صناديق رأس المال الجريء، والمستثمرين الأفراد، والشركات الكبرى التي قد تكون مهتمة بالاستثمار، بالإضافة إلى علاقات مع مستثمرين عالميين ومستثمرين في مراحل النمو والمراحل المتقدمة من عمر الشركة الناشئة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمستثمرين الحاليين تقديم الدعم في إعداد العروض التقديمية، والخطط المالية، والشروط المقدّمة للمستثمرين المحتملين. فخبرتهم ومعرفتهم بما يبحث عنه المستثمرون يمكن أن تكونا حاسمتين في تحسين جودة العروض وزيادة احتمالات الحصول على التمويل المطلوب.
وبالتوازي مع الرؤية التي يمتلكها رواد الأعمال لشركاتهم الناشئة، يمكن للمستثمرين الحاليين أيضًا أن يسهموا في تسهيل المفاوضات بين الشركة والمستثمرين الجدد، بما يشمل تقديم المشورة حول استراتيجيات التفاوض، والتأكد من فهم جميع الأطراف للشروط والاتفاقيات المطروحة. وأخيرًا، يُعَدّ وجودهم ضمانة للأطراف الخارجية، بما في ذلك المستثمرون المحتملون؛ إذ عندما يلحظ المستثمرون الجدد إصرار المستثمرين الحاليين على دعم الشركة، تتعزّز ثقتهم بالفرصة الاستثمارية ويسهُل عليهم اتخاذ قرارٍ إيجابي بالاستثمار.
ولا تُعدّ حوكمة الشركات الناشئة مجال إدارة بحدّ ذاته، بل هي ممارسة ضرورية في جميع المجالات، تهدف إلى ضمان الشفافية والالتزام اللازمَين لمواكبة مسيرة الشركة الناشئة نحو النمو.