في حال شاركت في أي فعالية ريادية أو تمويلية في السنتين الماضيتين، يُرجّح أنّك سمعت بمصطلحات وعبارات مثل "الاستدامة" أو "رأسمالية أصحاب المصالح" (Stakeholders Capitalism) أو "المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة" (ESG). فالعالم لا يزال يولي هذه المفاهيم والمصطلحات اهتمامًا كبيرًا برغم أنّها ليست جديدة.
"المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة" (ESG) هي إطار تشغيلي شامل يُستخدَم لتحديد المخاطر المادية للشركة وفرص نموّها، من أجل دفع أدائها التجاري المستدام وطويل الأمد. وعالم (ESG) واسع لا حدود له، تبدأ محاولة فهم هذا العالم ولا تنتهي بضخّ أكثر من 40 تريليون دولار من أصول (ESG) سعيًا نحو ما يسمى بـ(ESG Alpha). وبينما كانت الأسواق العامة تعزّز أدواتها من خلال المتطلّبات الأخيرة المتعلقة بالإفصاح وشفافية البيانات، بدأ المستثمرون ينظرون إلى محافظهم الإستثمارية على أنّها الهدف التالي لتغيير "المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة" (ESG) بصورة جذرية.
قد تتساءل بصفتك مؤسسًا لشركة ناشئة جديدة عن سبب أهمية دمج ممارسات (ESG)... في المراحل الأولى من التخطيط على الأقل. صحيح أنّ لديك أمورًا أخرى تقلق بشأنها وتريد أن تركّز على بناء شركة ناجحة وتوسيع نطاقها، ولكن إليك ما أقصد: يمكن أن يساعدك دمج ممارسات (ESG) في عملك مبكرًا على تحقيق هذه الأهداف. في الواقع، أصبح من المهم للشركات الناشئة في المراحل المبكرة أن تراعي عوامل (ESG) من أجل أن تميّز نفسها عن المنافسين، وتجذب العملاء، وتحصل على التمويل خلال مسيرتها، كما وأن تحسّن من أدائها المالي. على الصعيد العالمي، بدأنا نشهد قاعدة رأسمالية سريعة التوسع تركّز تحديدًا على الشركات التي تعطي الأولوية لمعايير (ESG). بالإضافة إلى ذلك، تشير الكثير من البيانات والمنشورات إلى أنّ العملاء والموظفين هم المحرّك الرئيسي للشركات الناشئة على تنفيذ استراتيجيات (ESG).
مررنا في "فينتشر سوق" (VentureSouq) في رحلة تنفيذ ممارسات (ESG) على مستوى الشركة والمحفظة الاستثمارية، وقد وثّقنا هذا الأمر جيدًا. وكنّا حتّى وقت قريب نفتقر إلى المعايير العالمية لتقييم المؤسسين والمستثمرين في المراحل المبكرة. والآن، نرى هيئات معترف بها عالميًا مثل "مبادئ الأمم المتحدة للاستثمار المسؤول"، أو جمعيات صناعية مثل "فينتشر إي إس جي" (VentureESG) و"إي إس جي في سي" (ESG_VC) تضع أطرًا للعمل معها، ممّا يمثّل نقطة تحوّل مهمّة للقطاع؛ ونتوقّع أن نرى تطلّعات (ESG) تنتقل إلى الأجزاء المختلفة من سلسلة القيمة، من الشركاء المحدودين (LPs) إلى الشركاء العامين (GPs)، في وقت نشهد التحاق المنطقة سريعاً بإطلاق مبادرات في هذا الإطار مثل "مبادرة السعودية الخضراء".
ومع ذلك، غالباً ما يُطرَح علينا سؤالان يتكرّران باستمرار، نرغب بالإجابة عنهما فيما يلي:
هل "الأثر" (IMPACT) ومعايير (ESG) متشابهان؟
الجواب باختصار هو لا.
"المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة" (ESG) و"الأثر" (Impact) مختلفان. تنظر معايير (ESG) "تحت غطاء المحرك" وتحلل الممارسات التشغيلية للشركة فيما يتعلق بمشاركاتها الاجتماعية والبيئية والحوكمة مع جميع أصحاب المصلحة. يمكن أن ينطبق هذا على أي شركة بغضّ النظر عن مهمتها أو منتجها، وغالبًا ما يكون انعكاسًا لمدى مسؤولية قيادة الشركة في التصرّف. في المقابل، يركّز "الأثر" (Impact) على المنتجات أو الخدمات التي تقدّمها الشركة، وفحص المنتجات التي ينتج عنها قصدًا مخرجات بيئية واجتماعية إيجابية طويلة الأجل.
في "فينتشر سوق" قمنا بصياغة إطار عمل لمعايير (ESG) نستخدمه على مستوى الشركة والمحفظة الاستثمارية على حدّ سواء، ولدينا بالإضافة إلى هذا الإطار واجب استثماري يركّز على "تكنولوجيا المناخ" (ClimateTech). لا يمثّل هذا الواجب الاستثماري، والذي كان هناك بعض الالتباس حول وظيفته، معايير (ESG)" أو "صندوق أثر"، بل نعتبر "صندوق المناخ" مشروعًا موضوعيًا مستقلًّا يركّز على قطاع تحوّلي كما نعتقد.
ملاحظة للمستثمرين: لا تقع المسؤولية على عاتق المؤسسين ورواد الأعمال وحدهم هنا، فصوتنا ومساهماتنا مهمان أيضًا بما يفوق أهمية تقارير المحفظة الاستثمارية. فقد أصبحت معايير (ESG) جزءًا لا يتجزأ من بناء المحفظة الاستثمارية وإدارتها، بدءًا من فحص الشركة وصولًا إلى شغل مقعد في مجلس إدارتها.
كيف يمكنني أن أبدأ رحلتي في تطبيق معايير (ESG)؟
استناداً إلى مختلف أطر "المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة" (ESG) المذكورة أعلاه، ثمة بعض المجالات التي يمكنك أن تركّز عليها:
الحوكمة
دراسة طريقة إدارة الحوكمة المؤسسية في شركتك، بدءًا من مدونة السلوك في شركتك، وصولاً إلى الضوابط المالية. اسأل نفسك: كيف تبقي اللجنة الاستشارية أو مجلس الإدارة على اطّلاع على أداء الشركة وعملياتها بانتظام؟ هل تجري العملية بشفافية؟ هل تناقش اللجنة معايير (ESG) كجزء من جدول أعمالها بصورة متكرّرة؟
التنوّع والشمول
ينبغي أن يكون إنشاء بيئة عمل متنوّعة وشاملة جزءًا من استراتيجية أيّ شركة. يشتمل هذا الجزء على مراعاة التنوّع داخل الفرق على مختلف المستويات، والتأكّد من أنّ بيئة عمل الشركة تمكّن الموظفين وتشعرهم بالراحة. هل تدقّق في التنوّع بين الجنسين والأقليات في فريقك عبر مختلف المستويات؟ هل لديك سياسات تتعلق بمكافحة التمييز ومراعاة التنوع والمساواة في الأجور؟
الشؤون القانونية والتنظيمية
قد تكون شركتك أو جزء منها خاضعًا للوائح وتشريعات محلية أو وطنية محدّدة. وفي حين تطرح الدول في المنطقة باستمرار لوائح وتشريعات وقوانين جديدة للصناعات الناشئة مثل "التكنولوجيا المالية" و"تكنولوجيا المناخ" و"التكنولوجيا الصحية" وما إلى ذلك، فقد يكون من الصعب على شركتك مواكبة الأمر. فكيف لك أن تراقب التطورات التي تحصل في التشريعات والقوانين، وكيف تضمن امتثال شركتك لها؟
الإدارة البيئية والأثر البيئي
يرتبط الاحتباس الحراري ارتباطًا مباشرًا بالأنشطة البشرية، ويتحمل كلّ واحد منّا مسؤولية مباشرة التخفيف من أثره الضار للبيئة، ولذلك فكّر دائمًا في البصمة البيئية لشركتك ومنتجك. لا تقتصر مراعاة الأثر البيئي على الحدّ من انبعاثات الكربون كما هو شائع، بل يتعدّاه إلى إدارة النفايات، وإعادة التدوير، والعمليات غير المتعلقة بالمنتج. يمكنك البدء بقياس انبعاثات الكربون لشركتك (المصنفة ضمن النطاقات 1 و2 و3)، ووضع بعض السياسات البيئية فيما يتعلق بمنتجك و/أو فريقك و/أو ثقافتك. وهذا ينطبق أيضًا على الشركات التي تنتج البرمجيات فقط.
الفريق وبيئة العمل
فريقك هو أهم الأصول لديك، لذا من المهم أن تحسن استثمار الأجزاء الملموسة وغير الملموسة من الثقافة وبيئة العمل. يمكنك البدء بتنفيذ سياسات رسمية مثل الإجازة الوالدية أو العمل عن بُعد. وإذا كنت تطبّق هذه الأمور، يمكنك البدء بالتفكير في الفوائد التي تقدمها لموظفيك، مثل الصحة النفسية وبناء القدرات والتدريب والأعمال المتعلّقة بالمناخ.
أمن البيانات والخصوصية
يتمثّل أحد أسوأ الكوابيس للمستخدم في أن يكتشف أنّ بياناته الشخصية الثمينة قد اختُرقت أو أُسيئ استخدامها. لا يشكّل الأمر خطرًا على سمعة شركتك فحسب، بل ينطوي كذلك على مخاطر قانونية مرتبطة بالمنتج أيضًا. تأكّد من وضع سياسات للخصوصية وإدارة البيانات في شركتك، وانشر هذه السياسات لجميع المستخدمين بطريقة شفافة. وينبغي أن تفكر في وجود موظف أو أكثر مسؤول عن أمان منتجك، بما يتلاءم مع المحطة التي وصلتها في هذه الرحلة.
تصميم المنتج المسؤول
افحص منتجك بصورة شاملة؛ هل هناك أي عوامل أو جهات فاعلة يمكن أن تؤثّر على إمكانية الوصول إلى منتجك؟ هل جميع خطوات واستخدامات منتجك واضحة لمستخدميك؟ هل هناك أي عوامل خارجية سلبية مقصودة أو غير مقصودة؟ وإذا كانت هذه العوامل موجودة، كيف تتعامل معها؟
سلسلة التوريد
ثمة عدد لا يحصى من أدوات مراقبة سلسلة التوريد، ولكن هل أنت على دراية بجميع أصحاب المصلحة المعنيين؟ هل تأخذ في الاعتبار العوامل الاجتماعية أو البيئية عند اختيار المورّدين الذين تتعامل معهم؟ هل لديك إطار عمل للمشتريات المسؤولة؟
من المهم التفكير في مجالات (ESG) الضرورية لشركتك، وإذا كنت لا تعرف المنظور الذي يجب أن تنطلق منه فيمكنك البدء بالبحث عن القطاع الذي تعمل فيه ضمن محرّك البحث عن الماديات (SASB Materiality Finder) من "مجلس معايير محاسبة الاستدامة" (SASB).
أخيرًا وليس آخرًا، هناك عنصران رئيسيان ينبغي تذكرهما في هذه الرحلة. أولاً، الشفافية: ينبغي أن تكون استراتيجية (ESG) الخاصة بك متاحة ومفهومة لأصحاب المصلحة. احرص على أن تكون استراتيجيتك واضحة، سواء بدأت بإبلاغ مجلس الإدارة والمستثمرين بنواياك، أو أتممت خمس سنوات وأكملت أول تدقيق من طرف ثالث وحصلت على شهادته. ثانيًا، الاستمرارية: هذا ليس سباقًا لمدة ثلاثة أسابيع، بل استراتيجية متكرّرة لشركتك. يمكنك التركيز على بعض مجالات (ESG) لمدة عام، ثم التركيز في العام التالي على مجالات أخرى، ولكن يجب أن يكون هدفك أن تتحسّن في تطبيق هذه المعايير باستمرار.
سنصل إلى زمن تصبح فيه مبادئ (ESG) إلزامية لا اختيارية، ونرى أنّه لا ينبغي لأي مؤسّس أو مستثمر أن ينتظر وضع القواعد من قبل الآخرين. لذا ابدأ باعتماد أطر هادفة لـ"المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة" (ESG) تكون الأمثل لمشروعك، وحينها سيتجاوب جميع أصحاب المصلحة معك.