لقد جنّبتني الكتابة ارتباك حديثي التخرج، ومنحتني المساحة للتعبير عن نفسي أكثر مما توقعت. ومن خلال تجربتي الجامعية، وتجربتي الثقافية مع مسابقة "أقرأ" التي نظّمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي - إثراء، تأكدت من المسار المهني الذي أرغب في أن استثمر فيه وقتي ومهاراتي. ومن هذا اليقين، اخترت كتابة المحتوى.
دعني آخذك معي في رحلة إلى الماضي، عزيزي القارئ. دخلت الجامعة وأنا لست متأكدة ما الذي تخبئه لي هذه التجربة. كنت طالبة متفوقة أكاديميًا، واخترت دراسة إدارة الأعمال بدلًا من الهندسة أو التخصصات الصحية، ولم يكن ذلك لاهتمامي بالمجال، بل لأني كنت آمل أن تتيح لي دراسة إدارة الأعمال المرونة الكافية لاستكشاف اهتماماتي والمجالات التي يمكنني الإبداع فيها. وصدقًا، كنت أرغب في وقت إضافي لممارسة أحب هواياتي إليّ... الكتابة!
لقد نشأ اهتمامي بالكتابة في عمر صغير، إلى جانب مجموعة من الاهتمامات مثل الإلقاء والتقديم المسرحي. وفي الوقت ذاته، كنت أقرأ بكثافة، مدفوعة بمبدأ أن "الكاتب الجيد هو قارئ جيد"، دون أن أدرك حينها أنني بكلماتي الضيقة والممتدة، كنت أرسم ملامح مستقبلي المهني، وأختار – من دون وعي – المسار الذي سأمضي فيه.
بعد انخراطي في البيئة الدراسية والجامعية، لاحظت تنوع النوادي اللاصفية التي تعنى بمجالات أكاديمية وغير أكاديمية. وهناك، اخترت الانضمام إلى النادي الثقافي، واندهشت لأول مرة من وجود بيئة تحفِّز العمل الثقافي وتدعم الأفكار الإبداعية في مجال الأدب والفنون.
وبحماس طالبة جامعية تعيش تجربتها بكل زخم، كنت أقضي وقتًا أطول في أنشطة النادي مقارنة بالمحاضرات! هذه بالطبع ليست دعوة لإهمال الدراسة، بل على العكس، دعوة للانغماس والاستفادة من التجارب المتعددة التي تتيحها الجامعة.
فتحت لي تجربة النادي الثقافي أبوابًا جديدة لفهم نفسي، واكتشاف مهاراتي. وخلال سنواتي فيه، لم أكن فقط أمارس الكتابة والأنشطة الثقافية مثل بيع الكتب وتنظيم المعارض الفنية، بل كنت أتعلم - بشكل غير مباشر - مهارات الإدارة، والتخطيط الاستراتيجي، وكتابة المحتوى، والعمل الجماعي.
ومن حيث لا أدري، وجدت نفسي أنجذب إلى مجال آخر داخل دراستي: التسويق وسلوك المستهلك. لاحظت ميلي إلى التحليل وفهم الدوافع النفسية وراء السلوكيات، وكأنني أبحث، بخفاء، عن نقطة التقاء بين عالميّ الثقافة وإدارة الأعمال.
بدأت حينها أستكشف هذا المجال بوعي أكبر، وأدركت أنني وجدت مجالًا أحبه وأبرع فيه، عالمًا يتيح لي الجمع بين حب القراءة والتحليل ، السلوك النفسي و الكتابة التسويقية، وتبين أنه يمكنني تحقيق استفادة أكبر من المهارات التي اكتسبتها من الأنشطة اللاصفية.
اليوم، وأنا أخطو بثقة في مسيرتي المهنية ككاتبة محتوى، أدرك أن انخراطي في الأنشطة اللاصفية لم يكن مجرد تجربة مميزة في حياتي الجامعية، بل كان نقطة تحوّل ساهمت في تشكيل مساري المهني. لم يكن الأمر يتعلق باختيار بالتخصص فقط، بل كان يتعلق بإيجاد شخصيتي المهنية وسط التجربة. لذلك، إن كنت طالبًا جامعيًا، أنصحك بأن لا تكتفي بالدراسة داخل القاعات؛ اخرج، جرّب، تفاعل، واكتشف نفسك وسط التجربة!