هل التعلم الذاتي ضرورة حتمية أم رفاهية؟

ملاك المظهور – مسار الجوف
هذا المقال بقلم أحد المشاركين المتميزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي

في ظل عصر ثورة المعلومات الذي نشهده الآن، أضحى من السهل الوصول للمعلومة في ثوانٍ معدودة، والاطلاع على كم هائل من المعلومات بشكل يومي، رغم أن هذا الاطلاع الهائل على المعلومات لا يضمن لنا بالضرورة الحصول على معرفة حقيقية، وتتكون لدينا معرفة غالبًا ما تكون سطحية تحمل الكثير من الشوائب.

إنّ المعرفة الحقيقية لها أعماق وأبعاد أخرى، فهناك العديد من التساؤلات التي تطرأ على عقولنا ونرجو الإجابة على بعضها في هذا المقال، ونترك مجال التساؤل والتجربة الحياتية للإجابة على بعضها الآخر.

بداية، هل يمكن تحقيق علمٍ حقيقيٍّ ومعرفة جادّةٍ بإشرافٍ ذاتيٍّ فقط، دون الانضمام إلى أي مؤسسة تعليمية؟ هل بات التعليم الذاتي ضرورة؟ وهل عفا الزمن على التعليم التقليدي؟ هل التعليم الذاتي مجرد فضول مؤقت؟ أم أنه ضرورة حتمية؟ هل الاعتماد على التعلم الأكاديمي وحده يكفي؟ أم أنه يمكن الجمع بينهما؟ هل التعلم الذاتي هو المستقبل؟ ولماذا نحتاج أن نتعلم ذاتيًا؟ 

على الرغم من أن مفهوم التعلم الذاتي يبدو مفهومًا حديثًا إلا أن جذور التعلم الذاتي وُجدِت في عصور سابقة، كان التعلم الذاتي حاضرًا في تاريخ البشرية وكان خلف العديد من الشخصيات العظيمة مثل ليوناردو دافينشي (1452 – 1519) وبنجامين فرانكلين (1706 - 1790) وغيرهم من الشخصيات الأخرى المعاصرة مثل: بيل جيتس وإيلون ماسك ووراء العديد من الإنجازات والأفكار والنظريات والاختراعات التي ساهمت بتشكيل واقعنا اليوم. 

ما هو التعلم الذاتي؟ 

هناك تعريفات للتعلم الذاتي حيث يرى عزيز أن التعليم الذاتي: "عملية إجرائية مقصودة يحاول فيها المتعلم أن يكتسب بنفسه القدر المقنن من المعارف والمفاهيم والمبادئ والاتجاهات والقيم والمهارات، مستخدمًا أو مستفيدًا من التطبيقات التكنولوجية، إضافة إلى الكتب المبرمجة ووسائل وآلات التعليم والتعيينات المختلفة".

ويرى ورونتري(D.Rowntree)  أنًّ: "التعليم الذاتي عمليّةٌ يقوم فيها المتعلمون بتعليم أنفسهم مستخدمين أي مواد أو مصادر لتحقيق أهداف واضحة دون مساعدة مباشرة من المعلم". ويرى كاتب المقال أن التعلم الذاتي عملية أو رحلة تعلم ذاتية تبدأ بالشغف والفضول لاكتساب معرفة في موضوع مثير لاهتمام الفرد أو علم ما، أو تطوير مهارات وخبرات، يخوضها الفرد بوعي وإيمان وقناعة من خلال البحث والقراءة والدراسة ومن ثم التجربة والممارسة للوصول إلى هدف محدد برقابة ذاتية، هذه الرحلة يتخللها الكثير من معرفة الذات عن قرب، وتطوير وتحسين مستمر وزيادة المعرفة العلمية والثقافية، وتكون هذه الرحلة خالية من أي رقابة معلم أو مؤسسة تعليمية، ما يميز هذه الرحلة أنها رحلة فردية ولكل فرد رحلته الخاصة فيه.

ما هي مميزات التعليم الذاتي؟ 

التعلم الذاتي مهارة المستقبل ومهارة هامّة جدًّا لصنع بصمة خاصة في القرن الواحد والعشرين، ما يميز التعلم الذاتي أنه عملية مستمرة بلا توقف، ويمتلك المتعلم الحرية التامة في طريقة التعلم حيث يركز المتعلم ذاتيًّا على العملية التعليمية أكثر من مخرجات التعلم، ويكاد يخلو التعلم الذاتي من أي ضغوطات خارجية، حيث يمكن للمتعلم ذاتيًّا أن يتعلم متى شاء وكيف ما كانت الوسائل، فالهدف الأول والأخير هو العلم والمعرفة.

ومما يميز التعلم الذاتي أنه بإمكان الفرد أن يضع العديد من الأهداف بناءً على رحلته، وأيًّا ما كان هدفه من التعلم، فيستطيع تحقيقه بالاستمرار في رحلته الخاصة، هل تريد وظيفة مرموقة؟ هل تريد حصيلة معرفية عن موضوع يثير اهتمامك؟ أو العمل على مشروع علمي مثلًا؟ كل هذه الأهداف قابلة للتحقق.

 في الواقع التعلم الذاتي يقوي المهارات الفكرية، ويطور مهارات البحث والتخطيط ويساهم في اكتساب العديد من المهارات الأخرى كالانضباط الذاتي وإدارة الوقت، والتفكير الإبداعي والنقدي، ويفتح مجالات الابتكار والإبداع والخروج عن المألوف، علاوة على ذلك يساعد الفرد على الاستقلالية والاعتماد على الذات وحل المشكلات فحين يصادف المتعلم مشكلة أو معضلة أثناء التعلم فهو المسؤول عن حلها وفهمها؛ فلا حدود ولا قيود للتعلم، وأنت مسؤول عن عملية التعلم، ولن تصبح متعلمًا إلا عندما تتعلم بجدية وبفعالية، وكما قال آينشتاين: "أهم شيء هو ألا تتوقف عن السؤال."

هل بإمكان التعليم الذاتي أن يصبح بديلًا عن التعليم التقليدي؟ 

جميعنا خضنا تجربة التعليم التقليدي، وهو هامٌّ بالتأكيد ولكن تكمن المشكلة في أساليب التعليم التقليدي التي تُبنى على الحشو المعلوماتي والتركيز على أسلوب التلقين والحفظ، ووضع المتعلم في قوالب جامدة، وإهمال تنمية الميول المختلفة في التعلم والتركيز على المادة الدراسية فقط، وتحديد النجاح في طرق محددة كالاختبارات، والتي تمثّل عائقًا أمام المعرفة الحقيقة وتحدُّ من التفكير الإبداعي. في مقالة في موقع (.theedadvocate.org) ذكروا أهم الأسباب والعوامل التي تجعل الأطفال يفشلون في المدرسة ومنها: نموذج التفكير الموحد الذي تحث عليه المدارس، وأساليب التدريس التي عفا عليها الزمن، وعدم اعتراف المدارس بالاختلافات بين الطلاب.

بالتأكيد إنّ التعليم الأكاديمي هامٌّ ولا يتعارض مع التعلم الذاتي بل هما مكملان لبعضهما، إلا أنّ بعض الطرق المستخدمة في التعلم الأكاديمي قد تحدُّ من الإبداع والابتكار.

نعود لتساؤلنا الأول: هل التعلم الذاتي ضرورة حتمية؟ يقوم التعليم التقليدي بتجهيز الأفراد لسوق العمل ومنحهم شهادات بناء على إنجازهم الأكاديمي. يأتي هنا دور التعلم الذاتي الخارج عن الفصول الدراسية لإنتاج مفكرين وعلماء وباحثين شغوفين، وهو ما يبني أفرادًا مستقلين ومسؤولين، والتعلم الذاتي لربّما كان ما يميزهم عن غيرهم، ولذلك فإن التعلم الذاتي ضرورة لبناء مجتمعٍ عظيمٍ ذي حصانة فكرية وعلمية قوية، يقول آينشتاين: "إنها لمعجزةٌ أن ينجو الفضول من التعليم الرسمي."

من الممكن للمتعلم ذاتيًّا الحصول على وظيفة في أكبر الشركات بدون شهادة جامعية كما صرحت مؤخرًا بعض الشركات الكبرى -كقوقل وآبل وIBM  وتسلا- أنّها لا تطلب شهادة جامعية عند التقدم لبعض وظائفها، مما يضيف الحافز والدعم ويزيد من أهمية تنمية الفرد لمهاراته واكتساب خبرات تقنية عن طريق التعلم الذاتي.

ماذا يعلمنا التعلم الذاتي كأشخاص بخلاف المواد العلمية؟ 

التعلم الذاتي أسلوب حياة، ومهارة لابد من اكتسابها لمواكبة تطورات العصر، ومفتاح التساؤلات وآفاق التفكير اللامحدودة. التعلم الذاتي يبني لدى الشخص مهارات في الحياة كحس المسؤولية والانضباط، ويطور وينمّي مهارات التفكير الإبداعي والتفكير النقدي، ومهارة البحث في أعماق ذاته والحياة، فهو يصنع القادة، المفكرين، ورواد الأعمال والناجحين.

هل يمكن أن نحقق التعلم الذاتي؟ وهل يمكننا الحصول على المعرفة الحقيقة بدون الإنضمام للتعلم التقليدي؟

نعم وهناك مئات المصادر والمواقع التي تساعد الفرد على بدء رحلته التعليمية الخاصة، وتطوير مهارات عدة، وقد توجهت عدد من الشركات الكبرى كقوقل ومايكروسوفت وفيس بوك وجامعات أخرى مثل هارفرد وستانفورد و MIT و Yale واكسفورد بتوفير دورات تدريبية سهلت على المتعلم رحلته التعليمية.

وفي الختام نقرُّ بأهمية التعلم مهما اختلفت وسائله وطرقه، ولتحقيق برامج رؤية 2030 يجب علينا أن نعمل بجد لنشر ثقافة التعلم الذاتي، وتسليط الضوء على أشخاص ملهمين أصحاب تجارب ناجحة مع التعلم الذاتي، ونشر حب القراءة والاطلاع، فالتعلم الذاتي ضرورة وليس رفاهية. ولنتذكر دائمًا بأن التعلم الذاتي رحلة لا قيود لها، رحلة تشبه الفرد يصنعها بنفسه، ويشكلها حسب شغفه وما يجمع المتعلمين ذاتيا في كل العصور هو شعلة الفضول بداخلهم التي لم تتوقف يومًا عن التوهج.

 

مراجع: 

- benjamin-franklin – Autodidact

The most Famous Autodidacts who Shocked the World

5 Famous Modern Autodidacts That Are Alive Today

 

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات