في إحدى محطاتي المهنية، أجرت إدارة معينة مقابلة مهنية مع مرشح لمنصب قيادي في الجهة، كنتُ من ضمن أعضاء المقابلة، وأتيحت لي فرصة طرح الأسئلة واكتشاف قدرات المرشح. كان المرشح شخصًا ذكيًا في مجال عمله، لديه خبرة طويلة، ويملك قدرات عالية في معرفة مكامن الفرص والحلول. بعد الانتهاء من المقابلة، كل عضو أبدى رأيه، واجتمع الرأي على أنه على الصعيد المهني لا تشوبه شائبة، ولكن كانت لديه مشكلة؛ مشكلة ستشكل عائقًا في قيادته لفريقه، فقد كان المرشح أثناء المقابلة يفقد أعصابه سريعًا، وبالكاد يُنصت لما يُقال له، ودائمًا يتخذ وضعية الهجوم. حينها فكرنا كفريق أنه ربما يكون قد مر بظرف صعب في هذا اليوم، لذلك قررنا أن نجري له مقابلةً أخرى بعد أسبوع، ولكن عندما أجرينا المقابلة الثانية تأكدت مخاوفنا، فقد كان بحاجة إلى تحسين تعامله مع مشاعره وعاطفته.
كثير منا عَايش قصة مماثلة بطريقة أو بأخرى، وقد تتساءل كيف يكون الشخص ذكيًا، ولكنه لا يستطيع السيطرة على نفسه ولا يحسن التعامل مع الآخرين، والجواب ببساطة لأنه متفوق في ذكاء ما، ولكنه مفتقر إلى ذكاء آخر، ألا وهو الذكاء العاطفي!
فما هو هذا الذكاء العاطفي الذي نسمع عن أهميته كثيرًا ولا نعرف ماهيته تحديدًا؟ هناك تعريفات كثيرة للذكاء العاطفي، ولكن بنوع من التبسيط والاختصار يمكننا أن نقول: هو مهارة إدارة علاقتنا مع أنفسنا والآخرين، وأريد هنا أن أضع خطًا تحت كلمة “علاقتنا”.
الذكاء العقلي والذكاء العاطفي
حياتنا عبارة عن شبكة علاقات ضخمة، هناك علاقة داخلية وهي علاقتنا مع ذاتنا، وعلاقات خارجية وهي علاقاتنا مع الآخرين؛ بدءًا من الأهل وحتى الأصدقاء والزملاء والمعارف، جودة تلك العلاقات تأثر بشكل كبير على جودة حياتنا، وفي هذا الميدان تكمن أهمية الذكاء العاطفي.
لا شك أن الذكاء العقلي والذي يقاس بـ IQ هو أحد المقومات الهامة للنجاح المهني، ولكن إذا اقترن به الذكاء العاطفي فنسب النجاح ترتفع بشكل كبير، فالذكاء العاطفي يمكنه أن يفتح لك أبوابًا تقودك إلى النمو في مسيرتك المهنية، ويتيح لك فرصًا للعمل مع أفضل العقول لتكتسب من خبرتهم وتنهل من معارفهم، في المقابل فإن انعدام هذا الذكاء قد يحرمك من فرص كثيرة تطمح إليها وتتناسب مع مهاراتك ومعرفتك.
يشير استفتاء أجرته المنصة المهنية CareerBuilder شارك فيه 2600 مدير توظيف ومختص في الموارد البشرية أن 59% منهم غير راغبين في توظيف شخص يملك معدل ذكاء عالي (IQ) ولكن معدل ذكائه العاطفي منخفض (EI) بل أن 71% منهم يرون أن الذكاء العاطفي أهم من معدل الذكاء العقلي.
وهنا يأتي السؤال المهم كيف يمكنني تحسين ذكائي العاطفي؟ ولكن قبل أن أجيب على هذا السؤال، دعونا نُلقي نظرة على مما يتكون منه الذكاء العاطفي.
محاور الذكاء العاطفي:
يمكننا تقسيم الذكاء العاطفي إلى 4 محاور:
4 نصائح لتحسين ذكائك العاطفي:
والآن بعد أن أدركت أهمية الذكاء العاطفي وعلمت مما يتكون، يأتي السؤال كيف تُحسن ذكائك العاطفي وتسيطر على انفعالاتك ومشاعرك؟ إليك هذه الـ 4 نصائح:
أخيرًا، قد يكون الذكاء العقلي العالي أمرًا لا يد لنا فيه، ويتأثر بالجينات والعوامل الوراثية، لكن الذكاء العاطفي يمكننا تنميته وتحسينه ورفع معدله حتى يحسن حياتنا ويرفع من نسبة نجاحنا.