using MiskFoundation.BLL.Custom;

رسالتي لك

مها المعجل
من أكبر مفارقات الحياة أن تتلقى رسائل تحثك على التحلي بالإيجابية من أشخاص يعيشون ملء حياتهم في أعماق السلبية. من هنا، واجب علينا أن نمارس التأمل الذاتي ونتوخى الصدق مع أنفسنا ونعترف بأخطائنا ونلتزم النزاهة الشخصية، فهذه كلها أمور بالغة الأهمية تدفعنا لعيش حياة صادقة تتماشى مع ما نعظ به، عنوانها السلام الذاتي في عالم تتوافق فيه أفكارنا مع أقوالنا وأفعالنا، بعيدًا عن السعي لتحقيق مثل عليا بعيدة المنال.
 
 

 

كم من مرة استقبلتَ على جوالك رسالة تنويرية عن جدوى رؤية نصف الكأس المملوء في الحياة، من شخص لم يستطع طوال عمره أن يتجاوز النصف الفارغ من الكأس؟ أو رسالة راقية عن ضرورة أن توقد شمعة بدل أن تلعن الظلام، من آخر لا ينفك عن التذمر والتأفف والتشكي بسبب ومن دون سبب؟ أو رسالة عن قيمة الفرح وفاعلية الابتسامة من شخص مقطب الحاجبين ويُعد المصدّر الأكبر للكآبة والنكد في الكرة الأرضية؟ ورسالة أخرى تشيد بالقيمة العليا لفن "التغافل" من شخص ينافس "الشيطان" في مناقشة أدق التفاصيل؟

هل سبق أن تلقيت رسالة مقتبسة حكيمة عن الغفران والتسامح والعفو من شخص تتصاعد أرقام خصومه يوماً بعد يوم، ولا يهدأ عن شن المعارك وإثارة الفتن والمشاكل؟ ورسالة أخرى عن "السلام وحب الغير" من شخص يغمره الحقد والحسد على ما عند الآخرين من نِعم؟ ورسالة ثالثة عن الاطمئنان والسكينة وراحة البال من شخص لا ينام إلا بالمهدئات، يتقلب في فراشه طوال الليل، غير قادر على تجاوز هواجسه المقلقة؟

ماذا عن أولئك الذين يبعثون إلى جوالك كل يوم رسائل فريدة عن وصفة السعادة وهم يعيشون الشقاء بكل تفاصيله؟ أو أولئك الذين يبعثون برسائل وعظية قادرة على التأثير في مشاعرك وإشعال الإحساس بتأنيب الضمير في داخلك، وهم الذين لم يسجدوا لله منذ أيام، يدعون الالتزام والله أعلم بما يفعلونه في الخلوات وتحت الظلام؟

حين تصل إلى جوالك مقولة مقتبس، من مقولات تطوير الذا، أو تهذيب الأخلا، أو الموعظة الحسنة... غاية في الرقي والصياغة المنمقّة من شخص مثقوب ومصاب بالاعتلالات والتشوهات الأخلاقية، يرفقها بتعليق "من أجمل ما قرأت" أو "في الصميم" أو "لا تفوتك"... بماذا تفسر تلك المفارقات والتناقضات؟!

ومن المؤكد قد مر عليك أناس تدعي المثالية تراهم في عباراتهم أو تغريداتهم في منصات التواصل الاجتماعي كتويتر وغيره، التي تتلاشى للأسف مع الريح وتنصدم بالواقع الأليم، فيتنازلون عن المثالية حسب المواقف والأشخاص نسبة وتناسب من حيث قربهم وبعدهم إلى قلوبهم. فما ترضاه على ولد الناس أو الأخرين لا ترضاه بتاتًا على ولدك أو على نفسك! وهنا تكمن المصيبة "إن حبتك عيني.. ما ضامك الدهر!"

هل حقّا أنّ الإنسان قادر على إدراك عيوب الآخرين ورصدها بعناية، دون الانتباه إلى أنه الممثل الأكبر بامتياز لتلك العيوب التي ينتقدها؟ أم إننا بارعون في التنظير على الآخرين ومنحهم دروساً في الحياة وتبني دور الموجه الحكيم الواعظ المستنير، غير منتبهين بأننا الأولى بتلقي تلك الدروس وتطبيقها عملياً على أرض الواقع؟

تناقضات كثيرة قد تكون فينا وفي من حولنا تستدعي أن نقف وقفةً مع النفس ونراجع تصرفاتنا بصدق كبير. نحتاج إلى شجاعة لمواجهة النفس بأخطائها وعيوبها والغوص في أعماقها والوعي بكل ما يدور في داخل هذه النفس وفي محيطها وفي أسبابها ودوافعها. فلا يمكن أن يكون الصدق الداخلي فعالاً دون هذا الوعي. إذ يتطلب الصدق مع النفس تحريًا للحقيقة ومراجعة كل ما هو سائد من مفاهيم والتأني في الحكم على الأشياء.

ورسالتي لك ولنفسي هي: كُن صادقا بينك وبين نفسك لأن الصدق مع النفس من أصعب الأمور التي يواجهها الإنسان، فباستطاعتي الكذب على الناس، لكنّني لن أستطيع أن أكذب على نفسي. لا تكذب من أجل أن تَجذب الناس للإعجاب بك، ولا تخف من الصدق حتى وان كان سيبعد عنك الناس. فالصراحة مع الذات، ومع الآخرين أكبر مكسب". الصدق مع النفس وعدم ادعاء المثالية من أهم معايير النزاهة الشخصية والتوازن النفسي والتصالح مع الذات. اعتد على العيش بشكل طبيعي. فكّر وتحدث وتصرف بصدق وعفوية. ولا ترهق روحك بملاحقة مثالية لم يخلقها الله فيك.

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات