وظيفتك المستقبلية بين هذه وتلك

عبدالرحمن الشعيبي – مسار الأحساء
هذا المقال بقلم أحد المتميزين الفائزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي.

 

وظيفتك المستقبلية بين هذه وتلك

(عبد الرحمن الشعيبي – مسار الأحساء)

 

يبدأ الطالب الطَموح حياته الجامعية مخطّطًا لحصد الدرجات العالية، معتقدًا أنها الوسيلة الوحيدة للحصول على مهنة مرموقة تحقق طموحاته، ولا عجب فهي الطريقة ذاتها التي اعتمدها في المرحلة الثانوية ونجحت في إيصاله للتخصص الذي يتمنّاه، ولكن حين نرى الصورة كاملة ونتأمّل أصحاب المناصب والموظفين الناجحين؛ نجد أن غالبيّتهم اكتسبوا من الجامعة العديد من المهارات، ولكنّها مهاراتٌ لم يحصّلوها من الفصول الجامعية، وإنما من خلال انضمامهم للأنشطة الجامعية والفرق التطوعية، حيث يكتسب الطالب مهارات مثل: القيادة، الإلقاء، مقابلة الجمهور، التعامل مع الحشود، تكوين العديد من العلاقات الاجتماعية، وأخيرًا تساهم هذه الأنشطة في تحسين السيرة الذاتية وتطويرها، فعلى سبيل المثال: شارك الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- في العديد من الأنشطة بل وترأس جمعية الطلاب العرب في جامعة لندن أثناء دراسته هناك.

حيرة عظيمة تواجه الطالب الجامعي الطموح:

هل يركّز على الجانب الدراسي فقط؟ هل يشارك في الأنشطة والأعمال التطوعية؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فما مقدار المشاركات المناسب؟ وكيف سيوازن بين الواجبات والأبحاث الجامعية والمشاركات التطوعية؟ هل سيكون هناك وقت كافٍ لذلك؟

للإجابة على هذه الأسئلة الملحّة؛ سأتحدّث عن أهمية كلٍّ من المعدل الأكاديمي والعمل التطوعي: 

في البداية علينا أن نتفق أن من أهداف المرحلة الجامعية الاستراتيجية تمكين طلبة الجامعة من اكتساب المهارات الفكرية والمهنية أثناء حياتهم الأكاديمية.

ثم لنبدأ بتعريف المعدل الجامعي: وهو مجموع درجات جميع الفصول مقسومًا على مجموع الساعات المنجَزة، ويُعدُّ المعدل الجامعي ذا أهمية كبيرة عند التقديم على الوظائف الأكاديمية، حيث تشترط الجامعات السعودية ألا يقلَّ معدل المتقدم عن 3.75 من 5، ويبحثون في الوقت ذاته عن الأشخاص الذين يمتلكون سيرة ذاتية متنوعة، وسمعة أخلاقيّة ومعرفيّة طيّبة بين الأكاديميين، وهو أمرٌ لن يتحقّق دون الالتحاق بالأنشطة الجامعية والمشاركة في الأعمال التطوعية.

كما أن المعدل الجامعي هو المقياس الرئيس للحصول على الشهادة الجامعية وتحديد ما إذا كان الطالب مستحقًا لمرتبة الشرف أم لا، ومن هنا نلاحظ أهمية الحصول على معدل أكاديمي مرتفع بالتركيز على الدراسة والتحصيل العلمي الجيّد.

وعلى الجانب الآخر، تُعرّف الأنشطة اللاصفية والأعمال التطوعية بأنها: الأنشطة التي يمارسها الطالب خارج الفصل سواء داخل الجامعة أو خارجها، وتتلخّص أهميّة هذه الأنشطة في الفقرات القادمة:

1- في عام 2013، أجرت شركة "ديلويت" للاستشارات الدولية استطلاعًا للرأي كانت نتيجته أن أربعة من كل خمسة مدراء في الموارد البشرية في الولايات المتحدة الأمريكية قالوا: إن الخبرات والمهارات المكتسبة أثناء الأعمال التطوعية تؤخذ بعين الاعتبار عند اتخاذ قرار بشأن تعيين أحد المرشحين.

2- تُعدّ الأنشطة اللاصفية والأعمال التطوعية امتدادًا للمنهج الدراسي، فتشمل ما لا يُكتسب في الفصول الجامعية، مثل التعرّف على مواهب الطلاب وتطويرها، وصقل الخبرات والمهارات التي تساهم في بناء شخصية الطالب، وتعزيز ثقته بنفسه، فيكون الطالب بذلك إضافة إيجابية يخدم مجتمعه ووطنه.

3- اختلاف المعايير في التوظيف بالوقت الحالي، فعلى سبيل المثال وقّع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا بتوجيه تعليمات لفروع الحكومة الفدرالية بالتركيز على المهارات بدل الشهادات الجامعية في اختيار الموظفين الفدراليين.

أما التوظيف في القطاع الخاص فيقول "أندرو مين"، عميد مشارك في جامعة بورنماوث: «دعونا نقارن على سبيل المثال بين خرّيجٍ يبلغ من العمر 21 عامًا، وآخر يمتلك خبرة تفوق 21 عامًا، وكلاهما على المستوى ذاته من الذكاء. اسمحوا لي أن أعطي الأولويّة للثاني. ومع ذلك فأنا مع الفكرة؛ أن التعليم يغيرك«.

4- رؤية المملكة 2030 تعزز من أهمية التطوع وذلك بالتخطيط للوصول إلى مليون متطوع بحلول عام 2030. وما تركيز القيادة الحكيمة على تعزيز ثقافة التطوع إلا لوعيها بأهميّته وأثره على المجتمعات. 

أما ما يجعل البعض يكتفي بالدراسة ويبتعد عن الأنشطة اللاصفية والأعمال التطوعية: 

1- أنها تستلزم بذل الكثير من الوقت في تنفيذ برنامجها، مما قد يعطّل المتطوع عن دراسته أو القيام بواجباته الأسرية.

2- تعامل بعض المسؤولين بشيء من التعالي مع باقي الأعضاء إذا ارتكبوا بعض الأخطاء رغم أن دورهم التعليم.

3- تبتعد بعض المؤسسات التطوعية عن تحقيق أهدافها التي وضعتها في البداية وتصبح مكانًا لقضاء أوقات الفراغ.

4- توزيع الأدوار القيادية داخل المؤسسات التطوعية على أساس الصداقة وليس الكفاءة.

بعد هذه المقارنة المبسطة والمدعّمة بآراء أساتذة الجامعات والخبراء في التوظيف واستنادًا لتجربتي الخاصة أرى من وجهة نظري: أنه بات حتمًا عليّ أن أقرّ بأهمية المشاركة في الأنشطة الجامعية والأعمال التطوعية مع الحرص على تحقيق معدل أكاديمي مرتفع، والطالب الطموح الحريص يمكنه الموازنة وتنظيم الوقت. 

 

وإن قررت عزيزي الطالب أو الطالبة أن توازن بين الأمور وتتحمل الضغوط لترسم الأحلام وتصبح سيرتك الذاتية مميزة بالمعدل المرتفع والأنشطة والأعمال التطوعية؛ فمن الواجب عليّ أن أوجّه لك نصائح مختصرة للاستفادة من الأنشطة والأعمال التطوعية بالطريقة المثلى من دون أن تكون كثيرة فيملّها مسؤول التوظيف، أو قليلة فتُعطي صورةً سلبيّةً عنكم:

1- اكتب عدد الساعات التطوعية وعدد الأنشطة على شكل رقم بارز، وعلى سبيل المثال: (أكثر من 500 ساعة تطوعية).

2- ضع الأعمال التطوعية ذات الصلة بالوظيفة التي تُقدّم عليها.

3- كن دقيقًا في ذكر المشاركات التطوعية، حيث تقول نيكول وليامز، الخبيرة في المجال المهني بمؤسسة لينكد-إن: "اذكر التفاصيل بأكبر قدر ممكن، وضّح ما قمت به وبيّن مساهماتك".

ختامًا، إن المعدل الأكاديمي المرتفع والأنشطة اللاصفية هما ركيزتان للطالب الطموح والموازنة بينهما ليست معقّدةً ولا يسيرةً كذلك، واعلم بأن العالم الحديث لن يكتفي اليوم فقط بالدرجات للمفاضلة، فأعداد الخريجين في تزايد والمجتهدون منهم كثيرون ولكن الأفضلية لأصحاب المهارات والخبرات، وتذكّر بأن لكل مجتهد نصيبًا وأن من سار على الدرب وصل.

 

 

 

إضاءات ذات صلة

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات