لا شك أن سرعة وصول المعلومات دون جهد وعناء تُعد من أكبر النعم التي نملكها في وقتنا الحالي. اضطر الكثير من العلماء في الماضي إلى السفر وتحمّل المشقة في سبيل التعلم والبحث، واليوم لدينا القدرة للوصول إلى كتب ومحاضرات وأبحاث علمية من أي مكان.
لكن هل نمتلك المهارات اللازمة للتعامل مع هذا التدفق من المعلومات؟
قد تتحول سرعة وصول المعلومة إلى عبء حين يتعامل البعض مع الآراء والمعلومات دون تدقيق أو تفكير نقدي وتحليل.
بين الوفرة والتوازن
مع كثرة المعلومات تكثر المصادر وتتفرع. ومن المؤكد أن ليس كل ما يتم تداوله صحيح بنسبة 100٪، حتى لو اتفق الأغلب على صحته.
لكن ألاحظ أن كثيرًا من الناس في مواقع التواصل الاجتماعي يكررون آراء بعضهم البعض، أو يتفقون على أفكار مصدرها غير واضح، فقط لأن بعض المؤثرين أو الشخصيات العامة تبنّوها سابقًا.
وحين يُسأل أحدهم: "من أين تبنيت هذه الفكرة"؟، يكون الجواب: "قرأتها في أحد مواقع التواصل الاجتماعي" أو "أغلب الناس يقولون ذلك".
هذا النمط من التلقي غير الواعي قد يسلبنا استقلالنا الفكري تدريجيًا، ونبدأ بترديد آراء غيرنا لا إراديًا، بدل أن ننمّي مهاراتنا في التفكير النقدي والتحليلي.
معلومة مهمشة أثّرت على الكثير:
انتشرت معلومة "الفطور أهم وجبة في اليوم" بشكل واسع بين الناس خلال السنوات الأخيرة.
لكن لا يوجد دليل علمي قاطع يثبت أن الفطور هو الوجبة الأكثر أهمية مقارنة بباقي الوجبات.
تشير الدراسات إلى أن تناول الإفطار قد يكون مفيدًا، إلا أن الجسم قادر على أداء وظائفه بكفاءة حتى دون تناول هذه الوجبة.
أصل المعلومة:
بدأت حملة "الفطور أهم وجبة" في القرن العشرين من شركات مثل Kellogg’s، لأهداف تجارية بحتة، لتسويق حبوب الإفطار والشوفان.
تحوّلت من حملة تسويق إلى "معلومة" منتشرة بين ملايين الناس، ظنًا من البعض أنها مثبتة علميًا.
لذلك، قبل قبول أي فكرة جديدة، يجب على كل شخص أن يبدأ في استجواب نفسه:
هل هذه المعلومة تخدمني؟ هل تتفق مع مبادئي؟
بدل من أخذها جاهزة كما هي، أو استنساخ وجهات نظر مكرّرة، يجب تحقيق التوازن المعرفي من خلال الحوار الداخلي:
طرح الأسئلة والتفكير سيمنحك مساحة كافية لتبنّي وجهة نظر واعية، مبنية على مبادئك، بدل الحفظ والاستنساخ.
أين نطبّق القاعدة؟
أكيد ليس كل المعلومات تخضع للنقاش والشك، مثل المصادر الدينية الموثوقة والأبحاث العلمية الدقيقة. لكن هذه القاعدة يجب أن تطبَّق بقوة على مصادر مثل:
ختامًا، يجب تحليل كل فكرة تتلقاها قبل قبولها كما هي، وذلك لتحقيق الوعي والتوازن في التعامل مع المعلومات المختلفة. لا نرفض أي شيء لأنه جديد، ولا نتبنّى أي وجهة نظر كما هي.