في عالم اليوم، حيث تتدفق المعلومات بلا توقف من كل اتجاه، يشكل الإعلام دورًا أساسيًا في توجيه الأفكار والمواقف وحتى السلوكيات! يمكن أن يكون الإعلام في ظاهره وسيلة لنقل الأخبار أو الترفيه، ولكنه في جوهره يمتلك قدرة مذهلة على تشكيل الوعي المجتمعي وصياغة التصورات حول القضايا الاجتماعية والسياسية وحتى الثقافية.
لا نبالغ إذا قلنا إنّ الإعلام يمكن أن يكون رافعة تنموية للمجتمعات: فحين يفتح الإعلام ملفات البيئة والمناخ، لا يكتفي بعرض صور الكوارث الطبيعية، بل يحث الجمهور على طرح الأسئلة والتفكير في مسؤولية الإنسان تجاه كوكبه. وحين يلقي الضوء على قضايا التعليم والصحة، لا يكتفي بذكر الإحصاءات، بل يشير إلى جذور التحديات، ويستعرض البدائل والحلول. وفي ظل هذا الأثر الكبير للإعلام في تشكيل الوعي المجتمعي يأتي السؤال المهم:
كيف يحقق الإعلام هذا الدور؟ وكيف يمكن أن يصبح أداة للتغيير الإيجابي بدلًا من مجرد ناقل للأحداث؟
وفي هذه الإضاءة سنتعرّف أكثر على هذا الدور وأهميته وكيف يمكن استثماره إيجابيًا.
تأثير الإعلام التقليدي والرقمي
قبل أن ننطلق في دور الإعلام الرقمي وما أحدثه من تحوّلات جذرية، من المهم أن نبدأ بتعريف الإعلام ذاته.
الإعلام هو منظومة من القنوات والأدوات والوسائل التي تُستخدم في نقل المعلومات والمعارف والأخبار والآراء إلى الجمهور العام أو إلى شرائح محددة منه. ويأخذ الإعلام أشكال متعددة تتراوح بين المرئي والمسموع والمقروء، كما يختلف في أهدافه ومضامينه، فمنه ما يركّز على الأخبار السياسية والاقتصادية، ومنه ما يختص بالثقافة والترفيه، ومنه ما يسعى للتوعية والتوجيه.
وعبر الزمن، تطوّرت أنواع الإعلام وتنوّعت وفق التطورات التقنية والاجتماعية، حيث أصبح يمكن تقسيم الإعلام إلى قسمين رئيسيين:
ومن هنا نستطيع أن نرى الفارق الجوهري بين الإعلام التقليدي والرقمي، حيث كانت في الماضي وتيرة انتشار الأخبار أبطأ، وغالبًا ما تنقل الصحف أو التلفاز الأحداث بعد وقوعها بساعات، وتنقل التفاصيل وفق تدرج زمني محدد. أما اليوم، فقد تغيّرت الصورة تمامًا؛ فالعناوين تتبدل بين لحظة وأخرى، وتمتلئ شاشات هواتفنا المحمولة بإشعارات من عشرات المواقع والمنصات، ما يجعل عملية مواكبة الأخبار أشبه بمراقبة تيار من المعلومات الذي لا ينقطع.
لكن هذه السرعة والوفرة في المعلومات لا تأتي دون ثمن! ففي ظل غياب الرقابة الصارمة على المحتوى الرقمي، وسهولة إنشاء الحسابات الشخصية والقنوات المستقلة، انتشرت ظاهرة "الأخبار المزيفة" أو "المضللة" التي تتسلل إلى الجمهور دون حواجز. هذه الأخبار، التي قد تكون منحازة أو ملفقة أو ناقصة الحقائق، وتؤثر بشكل سلبيّ على الوعي المجتمعي، وتضع الأفراد أمام تحديات كبيرة في تمييز الحقيقة من الخيال.
دور الإعلام في التوعية والتثقيف
عندما ننظر إلى الصورة الشاملة لدور الإعلام، فسنجد أنه لا يقتصر على نقل الأخبار والعناوين المهمة فقط، بل يتجاوز ذلك ليصبح أداة قوية قادرة على توعية الأفراد والمجتمعات وتثقيفهم. صحيح أنّ وفرة المعلومات وتدفُّقها السريع تخلق تحديات جديدة، من بينها انتشار الأخبار المضللة وصعوبة التمييز بين الحقائق والشائعات، إلا أنّ هذا الواقع نفسه يتيح للإعلام فرصة أكبر لتحمل مسؤولية أخلاقية ومهنية، والمساهمة في خلق بيئة معرفية ثريّة ومليئة بالحقائق والمعلومات الهامة.
في جانب التوعية، فالإعلام أيضًا يشكّل دورًا هامًا في بناء ثقافة مجتمعية سليمة وإيجابية، فمن خلال الحملات الإعلامية الهادفة، يستطيع أن يسلط الضوء على قضايا مهمة، مثل الصحة العامة، والتعليم، والسلامة المرورية، والمحافظة على البيئة وغيرها، وعندما تُعرض معلومات دقيقة ومدعومة بالأدلة حول تأثير الأنماط الاستهلاكية على البيئة، أو أهمية ممارسة الرياضة والحفاظ على التغذية الصحية، فإن الجمهور لا يتلقى مجرد بيانات جافة، بل ينفتح أمامه أفق لمعرفة أعمق يمكن أن تؤثر بشكل إيجابيّ على سلوكه اليومي وصحته الجسدية والنفسية.
وكذلك هو الحال مع الدور التثقيفي للإعلام في قدرته على التطرّق لمواضيع تتعلق في التنوع الثقافي وترسيخ القيم الإنسانية المشتركة، حيث يفتح أمامنا نوافذ على عوالم مختلفة، ويجعلنا نتعرّف على ثقافات مختلفة، ويتيح لنا فهمًا أفضل للقيم والمعتقدات والعادات التي تحكم بعض المجتمعات من حولنا. بهذا المعنى، يُمكن للإعلام أن يكون جسرًا للتواصل بين الشعوب، ويرفع من مستوى التسامح ويدعم الحوار الحضاري.
وسط كل هذه الأدوار الأساسية للإعلام وتأثيره، من المهم معرفة ما هي مسؤوليات الإعلام تجاه المجتمع.
بعض المسؤوليات الأساسية للإعلام تجاه المجتمع:
في الختام يتضح أن الإعلام ليس مجرّد قناة لنقل الحقائق، بل هو مساحة تفاعلية تتلاقى فيه الأفكار والقيم والتطلعات، وتتبلور من خلاله ملامح الوعي الجمعي لمواضيع مختلفة. ومع أنّ عصرنا الحالي يواجه تحديات فريدة في مجال تدفُّق المعلومات وانتشار الأخبار المضلّلة، إلّا أنّ هذه التحديات نفسها قد تكون فرصةً لبناء إعلام أقوى وأكثر نضجًا، ليسهم في تعزيز المشاركة الواعية ويغذّي الأفكار بمعلومات ثريّة، لتهيئة العقول لرؤية أكثر عمقًا وشمولية.