إعداد: محمد بندر الحربي- مارس 2024
جمعية علوم للبحث والتطوير
من المؤكد أن مر عليك محل تجاري متواضع، ولكن معروف جدًا في المنطقة، يشتهر بقيمة مضافة ينافس فيها أشهر وأكبر العلامات التجارية العالمية، وعندما تعتزم الذهاب إلى ذلك المحل تكتشف وتدرك حجم تواضعه، لوحة إعلانية صغيرة وقد تكون مطفأة، عشوائية في الديكور وتوزيع المنتجات، ساعة معطلة على الحائط شاهدةٌ على وقت انطفاء بطاريتها قبل أكثر من 5 أعوام، وبعد كل هذا تتساءل.. لماذا هذا المكان المتواضع، مشهور جدًا في المنطقة وتشد له الرحال من أماكن مختلفة؟
إن الإجابة على كل هذه التساؤلات بكل بساطة هي قوة "التسويق الشفهي" أو “word of mouth“. انتشار سمعة هذا المحل بجودته وتميزه (في الخدمة أو التعامل أو الخبرة) عن غيره، جعله علامة تجارية بارزة بين المستهلكين المعنيين بالخدمة التي يقدمها.
مع تطور علم التسويق وتوسعه، استحدثت استراتيجيات جديدة ومتنوعة، هدفها الأساسي إيصال المنتج أو الخدمة إلى العميل بالشكل المناسب للشراء أو لزيادة قاعدة العملاء. ولكن، ومن وجهة نظري، "التسويق الشفهي" أبرز استراتيجية تتبعها الشركات والمؤسسات لتسويق منتجاتها وخدماتها، وهي أحد أقدم وأقوى أساليب التسويق التي استخدمها الإنسان على مر العصور. قوة خفية وراء نجاح العديد من العلامات التجارية والمنتجات في السوق، حيث يتم تبادل الآراء والتوصيات بين الأفراد بشكل طبيعي وغير مدفوع، مما ينتج عنه تأثير قوي وملموس.
لكن ما هو المقصود بالتسويق الشفهي؟
يُعرف التسويق الشفهي على أنه الإيصال غير المباشر للرسائل التسويقية من خلال تبادل الآراء والتوصيات بين الأفراد، سواء كان ذلك عن طريق الحديث الشخصي، أو وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من قنوات الحديث. يتميز التسويق الشفهي بمصداقية عالية لأنه يستند إلى تجارب الأفراد، وبطبيعة الحال لن يخفي الأفراد آراءهم الحقيقية للمنتج أو الخدمة وهذا يؤدي إلى رفع موثوقية المنتج للعملاء الجدد.
لماذا تلجأ الشركات إلى اتباع استراتيجية التسويق الشفهي؟
على عكس الحملات التسويقية التي قد تكون مكلفة، يمكن للتسويق الشفهي أن يحد من التكاليف، وذلك لأن الذي يقوم به هم عملاؤك الراضين عما تقدمه من منتجات أو خدمات وبشكل مجاني تمامًا.
يميل الناس إلى الاعتماد على توصيات الأصدقاء والعائلة والمعارف عند اتخاذ قرارات الشراء، حيث يعتبرونها موثوقة وموجهة بشكل أفضل من الإعلانات التقليدية، تشير الإحصائيات إلى أن 88% من الأشخاص يثقون باقتراحات أصدقائهم حول المنتجات أو الخدمات المقدمين على شرائها.
إن ربط علامتك التجارية بالمشاعر الإيجابية التي كسبها عميلٌ ما بعد تجربة استخدامه للمنتج أو الخدمة؛ سوف يُزيد من مصداقية علامتك التجارية عن بقية المنافسين وذلك نتيجة الثقة التي شعر بها العميل تجاه منتجاتك أو خدماتك ومن ثم نقلها لدائرته.
بالإضافة إلى انخفاض تكلفة التسويق الشفهي، فإن التأثير الناتج عنه سواء من زيادة الوعي أو المصداقية بمنتجاتك أو خدماتك يكون في شكل الاحتفاظ بعملائك الحاليين، وزيادة قاعدة عملائك نتيجة دخول عملاء جُدد.
يمكن للتجارب الإيجابية التي تتم مشاركتها من خلال الكلام الشفهي أن تصل بسرعة إلى جمهور واسع، مما يخلق تأثير مضاعف.
كيف تحقق التسويق الشفهي لمؤسستك؟
يتضمن التسويق بالضجيج خلق ضجيج وإثارة مشاعر الترقب حول منتج أو حدث ما يتم إنشاء هذا النوع من التسويق الشفهي عمداً من خلال الحملات التشويقية أو المعاينات الحصرية أو الإصدارات المحدودة، الهدف هو خلق ضجة تولد المناقشات والاهتمام.
تتعدد الخدمات والمنتجات في الأسواق المحلية، ولكن الذي يميزها عن غيرها هو قوة وجودة منتجاتها والتي تعكس قوة المؤسسة مما يزيد موثوقية المنتج.
إن أكثر ما يشد المستهلكين والمجتمع هو القصة والتميز المصاحبة لمنتج أو مؤسسة معينة. إن وجود قصة خلف الخدمة التي تقدمها أو مؤسستك يساعد في رواجها على مستوى أكبر.
مفهوم "تميز تُعرف".. والتميز هنا لا يعني وجود منتج مختلف عن المعتاد، قد يكون التميز بطريقة تقديم الخدمة أو جودتها وغيرها من أساليب التميز، أختلف، العالم مل من التكرار.
لا يقتصر دور المؤسسات في تقديم الخدمة فقط، بل أيضًا في بناء علاقة مميزة مع العميل، كلما شعر العميل بتقدير من قبل المؤسسة يزداد ولاءً وحبًا، وتكون هي الأولى عند العميل دائمًا.
كيفية الاستفادة من التسويق الشفهي؟
تجربة "علوم" في التسويق الشفهي
لا أخفيك سرَا عزيزي القارئ بأن أكبر عملية تسويق ل "علوم" كانت هي الخدمات التي تقدمها. من خلال تركيزنا على صنع تجربة مميزة ومختلفة للمستفيد استطعنا تحقيق قاعدة جماهيرية كبيرة. ونقصد بخلق تجربة مميزة هو أن نصنع الذكريات الرائعة في ذهن المستفيد ليصعب نسيانها ويستأنس بذكرها. بعد انتهاء برنامج علوم المقام في صيف 2023... قابلت أحد المستفيدين من البرنامج خارج أسوار "كاكست" (المكان المقام فيه البرنامج آنذاك) وكان برفقته ابن خالته الذي قال لي بالحرف الواحد (فلان ما يتكلم إلا عنكم، وتحمست أدخل معكم ببرنامجكم القادم). المدهش في هذا الأمر أن "فلان" المستفيد لم يكن من الفائزين أو المرشحين للجوائز في نهاية البرنامج، ولكن الذكريات والتجربة السعيدة والسلسة بتفاصيلها هي من جعلت هذا المستفيد لا يتوانى في ذكر علوم وتجربته متى ما سمحت له الفرصة. من بعدها أدركنا بأن الأثر والذكريات السعيدة التي تزرع في نفوس المستفيدين وتوضيح التغيير الملموس في نفوسهم هي أعظم هدف نسمو لتحقيقه.
أكبر ورقة رابحه أحٌب أن أُفاخر بها في علوم هي قوة المجتمع المترابط حول علوم وولاء هذا المجتمع لعلوم، وهذا سر لا تخبر به أحد وجود مجتمع مؤمن برسالة الجمعية ويحمل ولاء وترابط لها ساعدنا كثيرًا في التسويق لخدماتنا ومنتجاتنا مهما حاولنا مضاعفة جهدنا بأساليب التسويق الأخرى، وركزنا كثيرًا على زيادة القاعدة الجماهيرية والمؤثرة في فئتنا المستهدفة من خلال دعوتهم للمناسبات الخاصة وتقديم "مميزات ما بعد المشاركة مع برنامج علوم“.. نحمل شعار بيننا يقول: "إن انتهت علاقتك مع علوم، لن تنتهي علاقة علوم بك"
ولكن، كيف نبني الولاء مع المستفيدين؟
احرص على صناعة علاقة ترابط بين المستفيد ومؤسستك، جاوب بشكل مستمر على استفساراته، لا تتأخر في تقديم المساعدة له في أي وقت، اجعل أولويتك لقاعدتك الجماهيرية السابقة، لأن ما ستقدمه لهم سيزيد من ولائهم لك وحبهم لعلامتك ومؤسستك من خلال تقديم الدعوات والحصريات لهم بشكل مستمر.
أيضًا، كيف نصنع تجربة مميزة؟
ساهم في تحسين تجربة المستفيد من خلال تذليل الصعوبات والإجابة على الاستفسارات وتقليل مرحله عدم الفهم والغموض لدى المستفيد، وأيضًا بتقديم خدمات عالية الجودة، وحاول أن تقوي كلمته واقتراحه وأن تسمع لجميع الآراء وتتواضع لها. اصنع قصة وذكريات سعيدة من خلال زرع الروح المتواضعة المرحة بين المستفيد وفريقك.
في الختام، يساعد التسويق الشفهي على تحقيق أرقام قياسية في التسويق بدون جهد مضاعف، العلاقة بين المستفيد والمؤسسة علاقة مبنية على المدة الزمنية وعلى مدى طويل من تقديم الخدمات عالية الجودة، وجود عملاء أصحاب ولاء لمؤسستك يسهم كثيرًا في التسويق وتحسين سمعة المؤسسة.