هل تعلم أن متوسط الوقت الذي يقضيه الشخص في تصفح هاتفه المحمول يتجاوز ثلاث ساعات يومياً؟ في الوقت نفسه، تراجعت ساعات القراءة بشكل ملحوظ. هذا التناقض يدعونا للتساؤل: هل فقدنا شغفنا بالكلمة المكتوبة؟ أم أننا ببساطة نسينا قيمتها؟
ففي عالم تكنولوجيا المعلومات والتحديثات سريعة التُغير اليوم، أصبحنا نغرق في بحر من الأخبار والتحديثات عبر الانترنت، نجد أنفسنا نتنقل بين منصات التواصل الاجتماعي كل بضع دقائق أو حتى ثوانٍ، نقرأ اقتباسًا هنا وخبرًا هناك، ونُوهم أنفسنا بأنّنا قد تناولنا حصتنا اليومية من المعرفة والقراءة والغريب أننا نشعر حقًا بتخمة في المحتوى!
إن ما نقرأه اليوم، وكيف نقرأه، يترك بصماته على أفكارنا ومفاهيمنا لسنواتٍ قادمة. بل ويمتد تأثيره ليشمل طريقة تفكيرنا ورؤيتنا للعالم من حولنا، وللأشخاص الذين نلتقي بهم. وحتى نحافظ على جوهر "الفضول البشري وحب المعرفة" الذي يميز الإنسان، يجب علينا تنظيم تدفق المعلومات التي نتلقاها حتى لا نتحول إلى "أنصاف مثقفين" وصدق من قال "نصف المثقف هو أشد خطراً من الجاهل! ونصف المعرفة أشد خطراً من الجهل! فالجاهل قد يحثه جهله على التعلم، أما المتعالم فقد حاز القشور وترك اللب فظن أن العلم هو هذه القشور! فلا هو عالم فينتفع بعلمه ولا هو جاهل في نظر نفسه فيتعلم".
فالقراءة ليست مجرد هواية، بل هي استثمار في الذات. فكل كتاب نقرأه يضيف إلى رصيدنا المعرفي، ويطور شخصيتنا، ويحسن مهاراتنا، كما أنها وسيلة فعّالة لتوسيع مداركنا، وتحفيز خيالنا، وزيادة قدرتنا على التفكير النقدي.
وفي حين تُتيح لنا مصادر المعرفة الرقمية الحديثة، مثل المقالات والبودكاست، سهولة الوصول إلى المعلومات، إلا أنها لا تُغني عن قراءة الكتب. فالكتب، سواء كانت ورقية أو رقمية، تُمثل خزائن ضخمة من المعرفة المُنظمة والمُدقّقة، تُتيح لنا الغوص العميق في مختلف المجالات وفهمها بشكل شامل. وكما قال الجاحظ "الكتابُ هو الجليس الذي لا يُطريك، والصديق الذي لا يُغْريك، والرفيق الذي لا يَمَلُّك، والمستميح الذي لا يَسْتِريثُك، والجار الذي لا يَستبْطِيك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالمَلَق، ولا يعاملك بالمَكْر، ولا يَخْدعك بالنّفاق، ولا يحتال لك بالكذب". ولكن الحياة أكبر من أن يلم بها إنسان، والمعارف أوسع من أن يحويها عقل مهما جد واجتهد. والكون ببساطته كتاب مفتوح، صفحاته مليئة بالأسرار والعجائب فيجب على كل فردًا منا أن يعرف ما يناسبه من الكتب فالقراءة الصحيحة هي قراءة عرف صاحبها ماذا يقرأ ولماذا يقرأ، وعرف أين سيضعه هذا الكتاب في خريطة المعرفة، وكيف سينتقل من تلك النقطة إلى نقطة أخرى حتى يصل إلى وجهة محددة.
وقبل أن تفكر في إجابة "ماذا نقرأ؟" تذكر دائًما أننا نتاج ما نقرأ، فانظر إلى أي نتاج تريد؟ خصص جلسة يسيرة مع نفسك واطرح بعض الأسئلة التي تعينك على تحديد دوافعك الحقيقية من القراءة:
فكّر أيضًا ما هي أهدافك من القراءة؟
ما هي نوعية الكتب التي تُثير اهتمامك؟
وتذكر أن جوهر القراءة يكمن في تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي، لا في مجرد حشوّ المعلومات، فبدلاً من أن تكون القراءة أداةً لتجميع الحقائق وتخزينها، فهي رحلةٌ تُنمّي قدراتنا على: التحليل، الاستنباط، الاستقراء، التفكير النقدي والإبداع وتوسيع آفاق تفكيرنا ليشمل ما يحيط بنا، ممّا يجعلنا منتجين للأفكار لا مستهلكين لها فحسب.
كيف نقرأ في عصرنا الحالي؟
في زحمة مسؤولياتنا المتعددة، قد نغفل عن أهمية القراءة وفوائدها الجمة. لكن تخصيص وقت للقراءة، ولو كان قصيراً، يُمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في حياتنا باتباع بعض النصائح البسيطة، يمكنك تحويل القراءة إلى عادة يومية ممتعة ومفيدة:
وتذكر أن القارئ كالحي يتنفس المعرفة ويحرك أفكاره ويتعرف على ثقافات وحضارات مختلفة تثري تجاربه كما أنه يتواصل مع العظماء من خلال الكٌتب وينمي شخصيته ويكتشف نفسه، في حين أن الذي لا يقرأ كميت جسده حاضر، لكن عقله غائب، تفكيره ضيق وعالمه صغير لا ينمي شخصيته ولا يستفيد من تجارب الآخرين. فاجعل القراءة رفيقك في كل خطوة، وكن أنت الحي بعقله لا الميت بجهله.