كشفت دراسة استقصائية شاملة بعنوان "حالة العافية النفسية في مكان العمل" والتي أجرتها مؤسسة تهون حول الصحة النفسية في بيئة العمل عن معاناة نسبة كبيرة من الموظفين من ضغوط نفسية تؤثر سلبًا على صحتهم العقلية. ووفقًا للدراسة، أشارت نسبة 57% من المشاركين إلى أن ضغوط العمل هي السبب الرئيسي وراء تدهور حالتهم النفسية. ومن اللافت للنظر، تبين أن النساء أكثر تأثرًا بهذا الأمر بنسبة أعلى 12% مقارنة بالرجال، كما بلغت نسبة النساء اللواتي يشعرن بضغط شديد 46% مقابل 30% للرجال.
وفي اليابان برزت مسألة مقلقة تستدعي الانتباه حيث انتشر مصطلح "الكاروشي" أو "الموت من أجل العمل" مرادفًا لثقافة العمل الشاقة خلال الثمانينيات وهو يعني حرفيًا باللغة اليابانية "الموت من الإجهاد" بسبب الضغوط الكثيرة والقلق أو التوتر التي تؤدي إلى الوفاة المفاجئة نتيجة نوبة قلبية أو سكتة دماغية ناجمة عن الإرهاق الشديد.
ويأتي السؤال المهم إذا كان أكثر من نصف البالغين في العالم موظفين ويقضون معظم ساعات يومهم في العمل حسب ما نشرته منظمة الصحة العالمية فما هي أهم السبٌل التي يجب سلكها لبناء العافية النفسية للموظفين للوصول إلى مرحلة الاتزان بين الحياة والعمل وتحقيق النجاح المهني الذي بدوره يٌساهم في نجاح الجهات والمؤسسات كذلك، بل وبالنسبة لأي مؤسسة تٌعاني من تراكم الضغوط والقلق بين موظفيها غالبًا ما ستواجه عواقب أخرى، مثل انخفاض الإنتاجية وارتفاع معدل دوران الموظفين. والأمر الصادم أن قلة الإنتاجية الناجمة عن الضغوط النفسية في بيئة العمل تٌكلف الاقتصاد العالمي نحو 1 تريليون دولار أمريكي سنويًا!
وفي ظل ما تشهده المملكة اليوم من تُقدم بهدف تحقيق رؤية 2030 نجد أن معظم الشركات تحولت إلى بيئات عمل ديناميكية، وبالتالي فإنها ستكون عرضة بشكل أكبر للضغوط الوظيفية والتوتر والقلق، وذلك لعدة أسباب من بينها سرعة التغيير، تعدد المهام، الحاجة المستمرة للتكييّف، والضغط على الأداء. ومع ذلك، ليس كل الضغط في بيئة العمل الديناميكية سلبي، بل يمكن أن يكون الضغط المحفز قوة دافعة لتحقيق الأهداف، ولكن عندما يتجاوز الضغط مستوى معين، فإنه يصبح ضارًا ويؤثر سلبًا على الصحة النفسية والجسدية للموظفين.
إذًا كيف نساعد أنفسنا على إدارة الضغوط والتوتر في بيئة العمل؟
كموظف عليك أن تدرك أن صحتك النفسية في بيئة العمل هي مسؤوليتك الأولى التي يجب أن توليها اهتمامًا وعناية كافية، لأن التعامل مع الضغوط والتوتر في بيئة عمل ديناميكية يتطلب جٌهد ووعي ذاتي بأهمية هذا الأمر.
وقبل أن نبدأ بأول استراتيجية فردية عليك تعلمها كمهارة أساسية قم باختبار نفسك في هذه المقالة التي كتبناها في وقت سابق " اختبار قصير: هل أنت محترف في إدارة الوقت؟ " وشاركنا نتيجتك، بعدها عليك أن تبدأ أولى خطواتك نحو تعلم هذه المهارة أو تطويرها لأن إدارة الوقت تٌعد أول خطوة في كيفية التعامل مع الضغوط والتوتر في بيئة العمل فهي مهارة قيّمة تمكن الأفراد والمنظمات من استثمار وقتهم بشكل أفضل، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتخفيف الضغوط، تقليل التوتر، وتحسين الرضا العام عن العمل والحياة.
ثانيًا تأكد أن التوتر والضغط جزء من هذه الحياة بالتالي لا مفر منه، لذا ركّز دائمًا على إنجازاتك التي حققتها على المشاريع التي نجحت في تسليمها بالوقت المحدد حتى في لحظة تراكم العديد من المهام، أو في حمل عبء عمل ثقيل، أو مواعيد نهائية متلاحقة، أو زملاء عمل غير مريحين، درب نفسك على أن تكون إيجابيًا! ببساطة استبدل الأفكار السلبية بأفكار إيجابية وتوقع النتائج الإيجابية فقط.
ثالثًا أثبتت الدراسات أن ممارسة اليقظة الذهنية وسيلة فعّالة لتقليل مستويات التوتر ومواجهة التحديات النفسية التي يفرضها الإجهاد المزمن. فهي تعمل على تهدئة العقل وتقليل حدة الأعراض المصاحبة للاضطرابات المرتبطة بالتوتر والاكتئاب، مثل اضطرابات النوم. من خلال تعزيز الوعي الذاتي وتطوير مهارات إدارة الإجهاد؛ تسهم اليقظة في تحسين الصحة النفسية بشكل عام.
رابعًا الرياضة، يعترف الكثير من الأشخاص الذين انضموا مؤخرًا إلى النوادي الرياضية بحقيقة الأثر الذي وجدوه على حياتهم اليومية ونشاطهم وهدوئهم النفسي مع ممارسة الرياضة والانضباط عليها، فعندما نمارس الرياضة، يحدث العديد من التغيرات الإيجابية على أجسامنا وعقولنا، مما يساعدنا على التعامل مع الضغوط بشكل أفضل. وعلميًا فإنه يٌمكننا تحليله، فعندما نمارس الرياضة أو نشعر بالسعادة أو الحب، يطلق الجسم الإندورفينات التي ترتبط بمستقبلات معينة في الدماغ، مما يؤدي إلى تقليل مستويات هرمون الكورتيزول، وهو هرمون التوتر الرئيسي في الجسم، بالإضافة إلى العديد من الفوائد التي تجدها عند إطلاق الإندورفينات مثل علاج الاكتئاب، تقدير الذات والتفكير بإيجابية، تقليل الوزن وبالتالي زيادة الثقة بالنفس والمساعدة على التفكير والإبداع نتيجة زيادة التركيز.
وأخيرًا عليك أن تدرك أن الحياة متوازنة كالميزان، ولكل جانب فيها وزنه؛ حدد أهم جوانب حياتك، وعاملها بإنصاف، قسم وقتك بين العمل والراحة، بين المسؤوليات والمُتع. تعلم أن تقول "لا" بلطف وحزم، وحافظ على حدودك الشخصية. اعتنِ بصحتك الجسدية والعقلية، فهما أساس سعادتك. خصص وقتاً للاسترخاء والتأمل، لتجدد طاقتك الإيجابية.
وقبل أن نُكمل مقالتنا، نود أن نقترح عليك مجموعة من حلقات البودكاست التي يمكن أن تساعدك:
لماذا من المهم أن نتعلم كيفية التعامل مع الضغوط في العمل؟
عندما نتعلم كيفية التعامل مع الضغوط، فإننا نحمي أنفسنا من العديد من المشاكل الصحية والنفسية. تخّيل أنك قادر على الحفاظ على هدوئك حتى في المواقف الصعبة، وأنك تستطيع اتخاذ قرارات صائبة دون أن تؤثر عليك الضغوط المحيطة بك. هذا هو بالضبط ما توفره لك مهارات إدارة الضغوط.
لماذا هي مهمة؟ لأنها تساعدك على: