هل التعليم الذاتي هو الأنسب لك؟

مساعد الحموان – مسار الجوف
هذا المقال بقلم أحد المشاركين المتميزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي

يعد التعلّم الذاتيُّ أسلوبًا من الأساليب التعليميّة التي دعت إليها متطلبات العصر، باعتباره الوسيلة إلى التعلّم المستمر الذي يلازم الإنسان طيلة حياته، ويساعده على الاعتماد على ذاته، وقادرًا على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية. وسوف نتعرف في هذا المقال على مفهوم التعليم الذاتي ونشأته ومظاهره في وقتنا الحالي، بالإضافة لإحصائيّاتٍ ودراساتٍ تخصُّ التعليم الذاتي.

التعليم الذاتيُّ هو تنمية معرفتك ومهاراتك دون الانتظام في مؤسسةٍ تعليميّة بحيث تصنع هدفك من التعلّم وخطته ووقته بنفسك. والتعليم الذاتيُّ ليس مقتصرًا على الأشخاص الذين لا ينتظمون في مؤسّسات تعليميّة، بل يمكنك أن تستعمل التعليم الذاتيَّ لتتوسع في مجالٍ معينٍ أثناء أو بعد إنهائك التعليمَ من مؤسسةٍ تعليميّة.

يوجد التعلّم الذاتيُّ من العصور القديمة الكلاسيكية، ولعب التعلّم الذاتي جزءًا هامًّا في حياة فلاسفةٍ يونانيّين مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو. ومن الأمثلة على المتعلمين ذاتيًّا من حقبة تاريخيّة أخرى: الإسكندر الأكبر، وقيصر، وإيراسموس، وديكارت.

جرت الجهود العلميّة المبكرة لفهم التعلّم ذاتيًا منذ حوالي 150 عامًا في الولايات المتحدة، حيث قام كريك (1840) بالتوثيق والاحتفاء بجهود التعليم الذاتيِّ للعديد من الأشخاص، وفي نفس الوقت في بريطانيا نشر Smiles (1859) كتابًا بعنوان Self-Help، أشاد بقيمة التنمية الشخصيّة الذاتيّة. 

لقد أصبح التعلّم الذاتيُّ خلال العقود الثلاثة الماضية مجالًا بحثيًا رئيسًا. ووضُعِت الأسس من خلال ملاحظات هولي (1961) (جامعة شيكاغو، إلينوي). حيث أُجريت مقابلاتٌ مع 22 من المتعلمين البالغين وصُنّفوا إلى ثلاث فئاتٍ بناءً على أسباب المشاركة في التعلّم:
الصنف الأول وهو موجَّه نحو الهدف، والذين يشاركون بشكلٍ أساسيٍّ لتحقيق بعض الأهداف النهائيّة. الصنف الثاني وهم الذين يشاركون لأسباب اجتماعيّةٍ أو زمالة.
أما الصنف الثالث فهم الذين يرون التعلّم غايةً في حدِّ ذاتها. هذه هي المجموعة الأخيرة التي تُشبه المتعلم ذاتيًا بصورةٍ أكبر.

ثمّ أُجريت المحاولة الأولى لفهم الأفراد الموجّهين نحو التعلّم بشكلٍ أفضلَ بواسطة Tough، وهو كنديٌّ باحثٌ وأحد طلّاب الدكتوراه في هولي. وركّزَ جهود أطروحته على تحليل التدريس الموجّه ذاتيًا في الأنشطة والأبحاث اللاحقة مع مواضيع إضافيّةٍ أسفرت عن كتاب: تعليم الكبار المشاريع (1979). حفّز هذا العمل العديد من الدراسات المماثلة مع مجموعاتٍ سكانيّةٍ مختلفةٍ في كثيرٍ المواقع.

ومن الجهود البحثيّة اللافتة الأخرى أطروحة غوليلمينو (1977)، وفيها طوّرَ مقياس الجاهزيّة للتعلّم الموجّه (SDLRS)، وهو أداةٌ استخدمها لاحقًا العديد من الباحثين لقياس الاستعداد الذاتيِّ ومقارنة مختلف جوانب التعلّم الذاتي مع العديد من المميزات الإضافيّة الأخرى. وأظهر عمل Spear and Mocker (1984) جانبًا جديدًا يتعلّق بتنظيم العوامل الملائمة ودورها في فهم الظروف البيئيّة للمتعلّم في سبيل تعزيز التعلّم الذاتي ورفع جودته.

وبعد كل هذا التاريخ الحافل في التعليم الذاتي، كيف يتشكّل التعليم الذاتي اليوم في مجتمعاتنا، دعونا نأخذ مثالاً لتتضح فكرة التعليم الذاتي.

محمد طالبٌ جامعيٌّ مجتهدٌ وشغوفٌ بتخصّصه (التسويق)، في يومٍ من الأيام طلب الأستاذ منه مشروعًا في التسويق الإلكتروني، ومع الأسف محمد ليس لديه الخبرة الجيدة في هذا الموضوع وقرّر الاستعانة بالتعليم الذاتيِّ فتعلّمَ بعض أساسيّات التسويق الالكتروني حتى يستطيع أن ينجز المشروع، وحدّد المصدر الذي يريد أن يتعلّم منه ووضع له وقتًا خاصًا بالتعليم الذاتي، ورسم الأهداف، وهي المواضيع الرئيسة التي يريد أن يتعلّمها، من أجل أن ينجز المشروع، وبعد فترةٍ من الالتزام، استطاع محمد أن ينجز مشروعه في الوقت المناسب ولفتَ انتباه الأستاذ لأنَّ مشروعه كان مميزًا.  

ومن خلال قصّة محمد نستطيع أن نستخرج الأسباب والخطوات والفوائد من التعلّم الذاتي وهي كالتالي: استخدم محمد التعليم الذاتيَّ وطبّقَ خطواته بعد أنْ حدّد الموضوع والهدف وهو التعرّف على التسويق الإلكتروني لإنجاز المشروع، ثم حدد مصادر التعلّم وربما تكون (YouTube, Coursera, Udemy)، ثم وضع خطةً دراسيّةً خاصّة به ليلتزم بأوقات التعلّم. 

هل هناك عوامل تؤدّي إلى رفع مستوى التعلّم الذاتي؟

يجب أن نأخذ بعين الاعتبار العوامل التي من الممكن أن تؤثّر على جودة التعليم الذاتي، وهذه العوامل هي عوامل أكاديمية وعوامل اجتماعية. العوامل الأكاديميّة مثل عدد المتعلمين وخلفيتهم ومستويات ذكائهم وقدرة كلِّ واحدٍ منهم على التعلّم الذاتي بمفرده.

والعوامل الاجتماعية تتضمن العمر، النضج، مدة الانتباه، المواهب أو القدرات الخاصة، المعوقات الجسمية أو العاطفية، العلاقات والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. 

ولكي أثبتَ لك فوائد التعليم الذاتي، إليك بعض الإحصاءات حول هذا الموضوع حيث سيصل سوق التعليم الإلكتروني (الذاتي) العالمي إلى 325 مليار دولار بحلول عام 2025، وأن 77% من الشركات الأمريكية استخدمت التعلّم عبر الإنترنت (الذاتي) في عام 2017.

تجربتي هي أن التعليم الذاتي مفيدٌ جدًّا  في التعمق في تخصصي الجامعي؛ فأنا طالب هندسة برمجيات، وأدرس ذاتيًّا الأمن السيبراني تقريبًا منذ سنة، وقمت بأخذ دورات وآخر هذه الدورات هي دورة الخبير في الأمن السيبراني مقدمة من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وألتزم بالوقت المحدد لي يوميًّا لدراسة هذا المجال وهو من الساعة 9:00 صباحاً إلى 3:00 مساًء بدون ملل أو كلل وأستطيع أن أصنف نفسي في مجال الأمن السيبراني بين المتوسط والخبير.
رأيي في التعلّم الذاتي أنه منهجية فعالة تتخذها لتطوير مهارات في مجال ما وغالبًا ما يكون هذا المجال يميل للتقنية أكثر، ويجب أن تكون شغوفًا بهذا المجال، فإذا لم يكن لديك الشغف فلن تستمر وسوف تتوقف قبل أن تبدأ. وبناءً على هذه المعلومات تستطيع أن تحدد إذا كان التعليم الذاتي مناسبًا لك ولشخصيتك.

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات