كان الاعتقاد السائد في الماضي أن زيادة فرص الوصول للمعلومة، الذي سهلت منه التكنولوجيا؛ قد يعزز من استقلالية التعلم وحينما وجِدت التكنولوجيا وأصبح من السهل الوصول للمعلومات، صُعق الجميع بأنّ الوصول للمعلومة لا يعني بالضرورة تعزيز استقلالية المتعلِمين. فاستقلالية التعلم لا تعني زيادة الفرص بل هي قدرة وأهلية ورغبة لدى المتعلِمين لأخذ مسؤولية العملية التعليمية. استقلالية التعلم بدأت في سبعينيات القرن الماضي في أوروبا وكانت تُصنف بأنها غير قابلة للتطبيق في أماكن مختلفة من هذا العالم وخصوصًا في آسيا؛ لأنّ المجتمعات الآسيوية تؤثر على العلمية التعليمية/التدريسية. ففي هذه المجتمعات يُعتبر المعلم السلطة المطلقة في الفصل، جنبًا إلى جنب مع المنهج التعليمي، فهما يمثلان مصادر المعرفة الوحيدة. وأود من خلال هذا المقال أن أناقش مفهوم استقلالية التعلم بوصفه مفهومًا قابلًا للتطبيق وأنّه ليس حكرًا على المجتمع الغربي. وأؤكد على ضرورة استقلالية التفكير لدى مدرسي ومتعلمي اللغة وأنْ لا يكونوا عُرضةً لصورة نمطية خاطئة بُنيت بسبب المجتمع الذي ولدوا أو ترعرعوا فيه.
في الربع الثاني من العام 2016 شهدت المملكة العربية السعودية بزوغ فجر رؤيتها الطموحة 2030 والتي نادى بها سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز. للوهلة الأولى كان الاعتقاد السائد أن الرؤية تركز على التحول الاقتصادي فقط بحيث تتحول المملكة من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل إلى مصادر أخرى. ولكن، بُعيد ذلك، اتضح بأن هذه الرؤية تُلخص جميع جوانب حياة المواطن السعودي من تعليم وصحة وثقافة واقتصاد. فحينما نرى التعليم العام فإنّ المملكة تشهد تغيّرًا جذريًّا دُمجت التكنولوجيا فيه مع التعليم الذي لم يكُن رفاهية بل ضرورة بسبب جائحة كورونا. وفي تعليم اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية كان هنالك تغيير من نوع آخر، حيث علت الأصوات التي تُطالب باستخدام التكنولوجيا في تعليمها وتشجيع المتعلمين على التعلم الذاتي للغة الذي أثبت فعاليته في كثير من جوانبه.
عرّف هوليك استقلالية التعلم بأنّها قدرة الفرد على تحمل مسؤولية التعلم بنفسه؛ فالمتعلم سيكون مسؤولًا عن العملية التعليمية ككل، من تحديد الأهداف، اختيار المواد التعليمية، تحديد الأنشطة والاستراتيجيات، متابعة التطور اللغوي، وأخيرا تقييم المخرجات. ولكن حديثًا أعاد بانسون صياغة تعريف هوليك المذكور سابقًا وقال بأنَّ استقلاليّة التعليم تعني: أهلية المرء في السيطرة على تعليمه. ودافع بانسون عن هذا التعريف بصفته تعريفًا مناسبًا للأبحاث التجريبية. تتمحور نقطة الخلاف بين الباحثَيْن حول مفهومين داخل نظرية استقلالية التعلم فهوليك يشدد على أخذ المتعلِم للمسؤولية الكاملة بينما يؤكد بانسون على أهمية (أهلية السيطرة). هوليك يفصل بين المتعلم ومحيطه فهو يركز على السياق النفسي للمتعلم بينما يؤطر بانسون نظريته بالسياق الاجتماعي، وحديثًا أصبح للأخيرة رواج بين المهتمين في هذا المجال.
تحديات تعلم اللغة الإنجليزية كلغة ثانية باستخدام التكنولوجيا
التكنولوجيا ليست خالية من المشاكل، لذلك لاحظ مدرسو اللغة الإنجليزية في المملكة قلة الدافعية لدى طلابهم في بيئة التعليم عن بُعد، وربما كان السبب وراء ذلك إجادة اللغة المنخفضة لدى المتعلِمين، غير أن دراسات عديدة أشادت بأن التعليم عن بُعد يوفر بيئة مشجعة وجذابة وأكدت بعض الدراسات على تأثير التعليم الإلكتروني على المدخلات المرئية لدى متعلمين اللغة الإنجليزية، والسبب أن الثقافة المحافظة في المملكة ساعدت على مراعاة خصوصية المستخدمين؛ فسمحت وزارة التعليم للطلاب والمدرسين بإغلاق كاميراتهم أثناء الفصول الافتراضية.
لم تقتصر المشكلة على الطلاب فقط، بل المعلمين أيضًا، ففي ملخص بحث للدكتورة فاطمة البلوي وجدت بأن معلمي اللغة الإنجليزية -وخاصة حديثي التعيين- يواجهون صعوبات في تطبيق أساليب التعليم والتعلم الفعالة والتي بدورها تنعكس سلبًا على أداء الطلاب ذكورًا وإناثًا في تعلم اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية. وفي بحث حديث أُجري على معلمي اللغة الإنجليزية في 99 دولة حول العالم، أكّد الباحث بأن الدافعية لدى الطلاب أثناء جائحة كورونا هي أكثر ما يثير قلق المعلمين، غير أن التحول السريع للتعليم الإلكتروني أجبر الكثير من المعلمين والطلاب في أنحاء العالم على استخدام برامج وتطبيقات جديدة لا يتقنونها.
وفي طرح الباحث للتحديات والمصاعب التي واجهها متعلمو ومدرسو اللغة أثناء التعليم عن بُعد قد يتولد لدى القارئ انطباع سلبي عن التعليم عن بُعد، ولكن كما أنَّ هناك بعض السلبيات فتوجد إيجابيات كثيرة وسوف نستعرض بعضها. أولًا، التعليم عن بُعد سمح للطلاب والمعلمين بأن يحضروا الفصول الافتراضية في أي مكان وزمان. ثانيًا، التعليم الإلكتروني متعدد الجوانب، فيمكنك استخدام أجهزة وتطبيقات متنوعة للحصول على الخدمة نفسها.
استقصى أحد الباحثين مجموعة من الطلاب في المرحلة الجامعية في المملكة العربية السعودية، وبينت مخرجات البحث بأنّه على الأرجح قد يستخدم الطلاب هواتفهم الجوالة في بيئة التعليم الإلكتروني، مما يجعل الوصول للمواد التعليمية سهلًا جدًا بالنسبة لهم. وأكد على أن بيئة التعليم الإلكتروني تسمح للطلاب بحرية الدراسة وإنجاز واجباتهم المدرسية بحريّة أكبر.
وفي سياق متصل، فإن التعليم الإلكتروني زاد من ثقة متعلمي اللغة خصوصًا الانطوائيين منهم، ممّا عزّز من تفاعل الطلاب، بالإضافة إلى أنَّ التحول إلى التعلم الإلكتروني زاد من احتمالية تعلم الطلاب اللغة الإنجليزية بشكل غير رسمي من خلال تعرضهم الكثيف للغة الإنجليزية، أو كما يُعرف بالتعلم العَرَضي؛ حيث إنّ متعلمي اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية يتعرضون لمواد إنجليزية بينما هم يتعلمون من خلال التكنولوجيا أكثر بكثير من تعرضهم لها في التعلم الحضوري، فالإنجليزية هي اللغة الأكثر شيوعًا على الإنترنت والتي تمثل 25.9٪ من المحتوى المتوفر.
ختامًا، وبناءً على ما مرَّ معنا، ومن خلال ما نشهده من تطور اجتماعي وثقافي واقتصادي وسياسي في المملكة العربية السعودية، فأكاد أجزم بأن مفهوم استقلالية التعلم سيشهد تطورًا كبيرًا ليس فقط في تعليم اللغة ولكن في القطاع التعليمي بشكل عام.
قائمة المراجع:
البلوي، فاطمة حماد (2016): ضعف مخرجات تعليم اللغة الإنجليزية: أين يكمن الخلل؟.
وكالة الأنباء السعودية (واس) 2016. عام / مجلس الوزراء يوافق على رؤية المملكة العربية السعودية 2030. متوفر من خلال الرابط: عام / مجلس الوزراء يوافق على رؤية المملكة العربية السعودية 2030 وكالة الأنباء السعودية.
Aljaber, A. A. M. (2021). The reality of using smartphone applications for learning in higher education of Saudi Arabia [Unpublished doctoral dissertation]. University of Glasgow.
Benson, P. (2011). Teaching and researching autonomy in language learning (2nd ed.; first published, 2001). London: Pearson Education.
Elyas, T., & Al-Grigri, W. (2014). Obstacles to Teaching English in Saudi Arabia Public Schools: Teachers and supervisors’ perceptions. International Journal of English Language Teaching, 89274, 74–89.
Hakim, B. (2020). Technology Integrated Online Classrooms and the Challenges Faced by the EFL Teachers in Saudi Arabia during the COVID-19 Pandemic. International Journal of Applied Linguistics and English Literature, 9(5), 33-39. https://doi.org/10.7575/aiac.ijalel.v.9n.5p.33
Holec, H. (1981) Autonomy in Foreign Language Learning. Oxford: Pergamon. (First published 1979, Strasbourg: Council of Europe.
Kim, K.-J., & Frick, T. W. (2011). Changes in student motivation during online learning. Journal of Educational Computing Research, 44(1), 1–23.
Statista. (2020). Internet: Most common languages online 2020. Statista. Available at