التدريب وأهميته في القيادة الحديثة

فداء الفلاته – مسار جازان
هذا المقال بقلم أحد المشاركين المتميزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي

يقول بيل غيتس أحد أثرياء العالم بحسب مجلّة فوربس " كلُّ شخصٍ يحتاج إلى مدرب" فهل من الممكن أن يكون هذا هـو سر نجاحه في قيادة أكبر شركات البرمجة فـي العالم! وهـل من الممكن أن يـكون هذا هـو مفتاح الـتميـز الـذي يحتاج إليه كلُّ قائد ليفوز بفترةٍ قياديّةٍ مزهرة؟

على مدار أعوام عدّة زاد الحـديث عن التدريب كأحـد الأدوات أو العلوم الضروريّة لتطوير الـذات، وأن هذا النوع من العلوم من الممكن أن يساعد الكثـيرين في إدراك وتطـوير أفضل السبل للقيام بالمهام المنوطة بهم. ومما لا شك فـيه أن مـجال القـيادة أحـد المجالات التي رُبطت بالتدريب وتزايـدت التساؤلات على مـر السـنين عن الأمور التي يمكن أن يقدمها التدريب للقادة. وهل هـو بهذه الأهـمية ليكون أحد المهارات التي تُميّزُ قيادة عن أخرى؟ وللتعمق أكثر في ذلك كان لابـد من إلقـاء نظرةٍ فاحصة على المقصود بالتدريب، والقيادة، وفعاليّة التدريب داخل المنظمات.

ما هو التدريب؟ لا يوجد مفهوم واحد للتدريب فقد تعـددت المفاهيم لمعنى التدريب وكـلُّ مفـهوم يختلف عن الآخـر بحسب الجـهة المقدِّمة لهذه الخــدمة. وباعــتباره أحــد أدوات تطـوير الذات التي يـتفرع عنها أنواعٌ مختلفة، وكلُّ نوعٍ لـه تعريف مغاير بحسب المجـال المتخصص فيه. سيكـون تركــيزنا فــي هــذا السياق على إيجاد تعريف شامـل مُعـتمد مـن الجـهة الرسـمية الـدولية الأولى في هـذا الـمجال وهـي الاتحاد الــدولي للتدريب، حيــث عـرّفتـه بـأنه عـبارة عـن عمليّة حـواريّة ابداعيّة تعتـمد على طـرح الأسئـلة البنّاءة، هـذه العمليّة خالية من إصدار الأحــكام والــتوجـيه، فـهي تـهـدف في المقام الأول إلى مساعدة المـستفـيد للـتعمّق أكثر حتى يتعرّف عـلى مهـاراته الكـامنة ثم يقوم بتحويلها إلى عوامل ودوافع فعّالة تساعده على تحقيق أهدافه على المستوى الشخصي والعملي. 

ما هـــي القــيادة؟ إن مفهوم القيادة يختلف باختلاف فهــم الأشخاص له. ولكــن في هذا السياق سنعتمد تعــريف القيادة على أنها الــقدرة على تـحفيز وإثارة اهتمام مجموعة من الأفراد وإطلاق طـاقاتهم نحو تحقيق الأهداف بكل حماس، وكسب ولائهم وخلق التعاون بينهم في سبيل تحقيق الهدف المنشود.

ويمكــننا استنـتاج مــفهــوم التدريب القيـادي الذي يـهدف إلى إيصال نموذج جديد من القيادة عــن طريق الإنصات الفعّال للمــوظف وطــرح الأسئلة الهامّة التي تساهم في استثارة تفكير الموظف بطريقة إيجابيّة تدفعه للبحث لإيجاد أكثر الحلول نجاعةً للتعامل مع المواقف التي تواجهه داخل المنظمة. وإذا نظرنا إلى أساسيات ممارسة التدريب حسب مــعايـير الاتحـاد الدولي للتدريب فيمكننا تلخيص هذه الأساسيات في نقاطٍ مختصرةٍ كالتالي: أوّلًا: فــي جـلسات التدريب أنت لا تـصـدر أحــكامًا ولا تـوجِّه، أنت تساهـم فـي خلـق بيــئة آمـنة تُـشعِـُ الطـرف الآخــر بالارتـياح للحـوار في الأفكـار دون خـوف. 

ثانيًا: لا تؤطِّرْ فكـرة أو تـرسم حدودًا معيّنة لا يمكن تجاوزها، بل على العكس، عليك أن تترك المساحة للطرف الآخر لينطلق بأفـكاره. إضافةً إلى ذلك أنـت تسمح له بـتوسيـع قـائمة الحلـول المتاحة وبـدائل الحـلول والخيارات الإبداعية التي يمكـن أن يسـتنتجها للـوصول للهـدف المنـشود. فـإذا اسـتخدمـت ما سبـق كـقـائد أصبحـت تـقـود منظمتك بمنهجيّة قــيـاديّة لا تـرتكز على إصدار الأوامر مـن أعلى الهرم وطـلب الطاعة العمياء، بل ترتكـز على المشاركة مـع جميع الأفراد للوصول للقمة. والجدير بالذكر أننا فـي وقتـنا الحاضر أصـبحنا نـقـرأ كثـيرًا عـن مواضيع وقوائم متغيرة تشمل المهارات التي يجب أن تتوفر في القادة فما الذي من الممكن أن يـحدث لو أضفنا مهارة مـهمة وهي (فن طرح الأسئلة البنّاءة وهو ما يعتمد عليه التدريب) كأحد المهارات اللازم توفّرها في القادة. لأنه بإتقان هذه المهارة سيكون القائد أكثر قدرة على التواصل الفعّال مع من حوله. وسيكون القائد ذا تأثير إيجابيّ ونــمـوذجًا يُحـتذى به في سلوكه وأفعاله. وسيُبنى هـذا التأثير عـن طريق فـنِّ طرح الأسئلة الفعّالة والتـي ستساهم فـي تمكين القائد من تحديد نقاط قـوة وضعف كـل فـرد فـي المجموعة وبـذلك سيـتمكن مـن وضع الشخص فـي المكـان المناسب له. وسيكون قادرًا على حلِّ الأزمات التي تـواجه فريـقه بحـنكةٍ ودهـاء؛ لأنـه عـن طريق طرح الأسـئلة الصحـيحة تصبح لديه معلومات أكثر. هذه المعلومات الناتجة عن طرح الأسئلة الصحيحة ستساعده كقائد في ابتكار المزيد من الأسئلة البنّاءة التي تحفّز تفكير الموظفين وتُلهمـهم لاكـتشـاف الحلول الإبداعية للمـشكلات التي يصادفونها فــي بيئة عملهم الآن، أو قـد تواجههم فـي المستقبل. فـعلى سبـيل المـثال لا الحـصر هنـالك مصادر عديدة تـحدثت عــن أهميّة الأسئــلة البنّاءة ودورها في مـساعدة الـقـادة فـي إدارة الأزمات بـشـكلٍ ناجـح، والخـروج بأقـل الأضـرار مـن هـذه الأزمات التي واجـهت فرقهم في بيئة العمل. وعلى الجانب الآخـر هناك أمثلة تحـدثـت عــن أزمـاتٍ مخـتلـفة تركت أثـرًا سلبيًّا على الـبشريّة بسبب عـدم طـرح الأسـئلة الصحيـحة فـي الـوقت المناسب. ويمكـننا هـنا الاستشهاد بقصة غـرق السفيـنة الأضخم عام 1912م وهــي السفيـنة المعـروفة باسم (تايتنك) كمـثالٍ عـلى نتيجة عـدم طـرح الأسئلة في الوقت المناسب. القــارئ فــي روايات غــرق هــذه السفينة العــملاقة سيكتشف الكثير وسيراوده شعور ورغبة فـي لقـاء قادة السفينة ليــطرح عليهــم الأسئلة ليعرف منهم أكثر عن ماذا لو أنـهم حلّلوا وطرحوا الكثير من الأسئلة قبل الإبحار هل كان سيتغير ويحدث سيناريو آخر؟ هناك مــلخّصات تناقــش كتبًا عالميّة في دقائق، هذه الملخّصات تصدر عن مؤسّسة سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. في إحدى المرات لُخِّصَ كـتاب القيادة بالأسئلة للمؤلف مايكل ماركارت، حيث ناقـش المؤلف في كتابه أهمـية الأسـئلة الفعّالة للقـادة وكيــف أنَّ لها تأثير عـلى إنتاجيتهم وإنتاجية فِرقهم واستشهد بقصة غرق سفينة تايتينك كمثال على فعاليّة الأسئلة. حيث أنـه بعـد حادث غرق هذه السفينة في المحيط توالدت الكثير من الأسئلة حول ماهية هـذا الغرق أهو فشل أم إهمال في السؤال؟

 يقول الكاتب:" أثبتت التحقيقات أن المخاوف راودت العديد من المسؤولين عن السفينة حول إمكانية وقوع ما لا تُحمد عقباه، إلا أنّهم لم يبادروا بالسؤال، فقد تلقى قادة السفينة الكثير من التقارير التي تفيد بوجود جبال الجليد في طريقهم، لكنهم لم يأبهوا ولم "يسألوا" ولم يطلبوا الإحداثيات. فماذا لو تمتّع أحدهم بالجرأة والفضول ليطلب مزيدًا من المعلومات عن جبال الجليد العملاقة التي كانت تنتظرهم! فكثيرًا ما يؤدّي طرح سؤال واحد إلى إنقاذ الآلاف".

إن استخدام التدريب كمنهجيةٍ للقيادة يساهم فـي تعزيز مفهوم القيادة المتمثلة فـي الاهتمام بالأفـراد والعلاقات الاجتماعيّة، ويساعد في رفع تطلعات الموظف نحو المستقبل. فإذا كنت قائدًا أو مهتمًّا بالقيـادة؛ فعليك الاطلاع على هاتين الطريقتين اللتين ستساعدانك دون شك: 

الطريقة الأولى: يمكن البدء بالاستثمار في فـريق القيـادة الحالي داخل المنظمة وذلك بإلحاقهم ببرامج معـتمدة متخصصة في إعداد المدرّب القيادي ليصبحوا مؤهلين لاستخدام التدريب كمنهجية قيادية داخل المنظمة. 

الطريقة الثانية: يمكن الاستعانة بأحد مقدمي خدمات التدريب المعتمدين لتقديم الأدوات اللازمة لإدارة الجلسات القياديّة داخل المنظمة بمنهجية التدريب حسب معايير الاتحاد الدولي للتدريب. فعلى سبيل المثــال يـــوجد فــي المملكة العربيّة السعوديّة مركزٌ يمكن اعتباره أحـــد المراكز الرائدة فــي مجال التدريب وهـو مركز أوكتاريوم (الثمانية الرائدة) بقيادة المدرّب عبد الله سلمان اليحيى. هذا المركز هو أول مركزٍ سعوديٍّ اعتُمد من الاتحـــاد الــدولي للتدريب عام 2015م ويقدّمُ خــدمات التدريب المتنوّعة والتي تــهدف إلى تــطوير الإنسـان ومساعدته على إيجاد التغيير الإيجابي في ذاته.  

وختاماً، ففي عـالـم الأعمال والقيادة الـمتسارع والمتغيـر والمتطوّر باستمرار والمـكتظ بالـقادة الـذين يمطرون من حولهم بالكثير من الأسئلة أصبح من المهم التركيز على نوعيّة الأسئلة المطروحة لإعدادها وهو ما سيتقنه القادة حال اعتمادهم لمنهجية التدريب كمنهجية قيادة. فمن خلال إتقان القادة لمهارة طرح الأسئلة سيتـغير لديهم مستوى الإنصات لمن حولهم، وهو ما سيُساهم في خلق بيئةٍ آمنةٍ مشجّعةٍ، وقودها الإبداع فـي ظـل قيـادة متميزة تؤمن بأهمية التدريب كأسلوبٍ قيادي. وهو ما سيُوصل القائد فــي نـهاية المـطاف لتحـقيق المفهوم الحقيقي للقيادة المتمثل في الاهتمام بالأفراد، العلاقات، مستقبل الأعمال. 

 

المراجع:

 

  1. coach federation
  2. alkyad balasel
  3. What Employees Really Want At Work
logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات