إعداد: رند الشهري- سبتمبر 2024
جمعية علوم للبحث والتطوير
دائمًا ما يدور في أذهاننا ترابط كلمتي الابتكار والإبداع وهناك الكثير الذين لا يعرفون الفرق بينهما، وعلى الرغم من أنهما يشيران إلى مفاهيم متشابهة إلى حد ما، إلا أن لكل منهما معنى مختلف ودور مميز، الإبداع يمثل الشرارة التي تشعل نيران التفكير وتدفع العاملين نحو توليد أفكار جديدة وتحدي الافتراضات القائمة. ومن ثم، يتم استغلال هذه الأفكار الإبداعية من قبل الابتكار لتضيف قيمة حقيقية للمنظمة، حيث يتم تحفيز الإبداع من خلال إنشاء بيئة عمل تشجع على التفكير المبتكر وتقديم المقترحات الجديدة للمنظمة. ويجب أن تكون الثقافة المؤسسية مرنة ومنفتحة للتغيير، مع إشراك جميع العاملين في عملية الإبداع وتشجيعهم على تقديم الأفكار والمقترحات بلا حواجز من خلال تعزيز التعاون والتفاعل بين الأقسام المختلفة داخل المنظمة يمكن تعزيز التفكير الإبداعي وتحفيز تبادل الأفكار والتجارب. فبمجرد توليد الأفكار الإبداعية، يأتي دور الابتكار في تحويل هذه الأفكار إلى واقع ملموس، ولتطوير استراتيجيات تنفيذية وخطط عمل فعّالة. فتعتبر المنظمات التي تدمج بين الإبداع والابتكار هي التي تحقق النجاح والتميز بين البقية. ويتجلى الإبداع في قدرة المنظمات على إيجاد أفكار جديدة ومبتكرة لتفتح الأبواب أمام التطور والتقدم.
يُشكّل الابتكار قوة جوهرية تقود الى التغيير والتطور، فهو ليس مجرد مفهوم، بل هو ضرورة حيوية لبقاء المنظمات والمجتمعات على قيد الحياة والازدهار. إنها رحلة لا تنتهي من اكتشاف الحلول الجديدة وتحقيق التقدم، وهي تمثل جزءًا لا يتجزأ من مسار التطور البشري؛ ولا نشير إلى الإبداع الفكري فقط، بل هو نهج نظامي ومنهجي يهدف إلى تحسين العمليات وتطوير المنتجات وتغيير الثقافات التنظيمية والمؤسسية. يتجاوز الابتكار مفهوم الاختراع البسيط ليمتد إلى استراتيجيات أعمال الإدارة في المنظمات وتكتيكات وطرق عديدة يكاد يستحيل حصر توسعها وامتدادها. ولكن في هذا المقال، سنستكشف عن كثب أبرز أساليب الابتكار في المنظمات.
كما ذكرنا سابقًا أن مفهوم الابتكار متعدد ومتنوع، لكن يمكننا حصر دور الابتكار داخل المنظمات عن طريق ٤ أنواع رئيسية، وهي:
الابتكار في المنتج المقدم: يتمثل في تطوير منتجات جديدة أو تحسين المنتجات الحالية، بهدف تلبية احتياجات العملاء بشكل أكثر فعالية.
الابتكار في العمليات: تحسين العمليات الداخلية للإدارة وتبسيطها وتحقيق التكامل، مع التركيز على زيادة الكفاءة وتحسين الجودة وتقليل التكاليف.
الابتكار في الخدمات: يتمثل في تطوير خدمات جديدة أو تحسين الخدمات الحالية، بهدف تعزيز تجربة العملاء ورفع مستوى رضاهم عن الخدمات المقدمة.
الابتكار في النماذج التجارية: فهو يرتكز على تغيير نماذج الأعمال الحالية أو اعتماد نماذج جديدة، بهدف تحقيق تنافسية أكبر وتحقيق النمو المستدام.
لماذا يعَدّ الابتكار ذو أهمية عالية في المنظمة؟
يعتبر الابتكار عصب الحياة وركيزة أساسية في بناء النجاح وتحقيق التفوق التنافسي في البيئة العملية الحديثة داخل المنظمة، من أجل استمرارها في النمو، ويندرج من ذلك:
كيفية تحقيق الابتكار داخل المنظمة؟
تحقيق الابتكار داخل المنظمة يتطلب جهودًا مستمرة وتفاعلية من مختلف الأقسام والمستويات التنظيمية في بيئة العمل الحديثة المتغيرة، ويعد تحقيق الابتكار أمرًا حاسمًا لنجاح المنظمات واستمراريتها في السوق المتنافسة. فيعتمد الابتكار على تشجيع ثقافة الإبداع والتفكير المبتكر داخل المنظمة، وتحفيز العاملين على تقديم الأفكار والمبادرات الجديدة.
بدايةً، يجب أن تكون الإدارة العليا ملتزمة بتعزيز الابتكار داخل المنظمة وتعزيز البيئة الملائمة لذلك، ويمكن أن تكون هذه الالتزامات على شكل البحث والتطوير المستمر في الأقسام الإدارية أو عن طريق الموارد البشرية والدعم المالي أو توجيهات ضمن الخطة الاستراتيجية.
بعد ذلك، يجب تحفيز العاملين على التفكير التصوري والخروج عن المألوف وتشجيعهم على التجارب الجديدة بدون خوف من الفشل، واستخدام نتائج التجارب في تحسين وتطوير العمليات، من خلال توفير منصات لتبادل الأفكار والمناقشات الإبداعية وورش العمل والتحديات التي تواجه المنظمة. فيجب أن تكون هذه المنصات مفتوحة لجميع مستويات العاملين من أجل استثمار كل الطاقات الإبداعية داخل المنظمة.
علاوة على ذلك، ينبغي أن تكون هناك سياسات وإجراءات داخلية تدعم عمليات الابتكار، مثل توفير الوقت والموارد اللازمة سواء كانت مالية أو بشرية أو تقنية، وتقديم المكافآت والتقدير للعاملين المبتكرين الذين أحدثوا التغيير، وتقييم الأداء بناءً على مساهماتهم في تحقيق الابتكار.
يجب على المنظمة أن تكون مستعدة لتبني التغيير وتطبيق الأفكار الجديدة طيلة رحلتها، وتحويلها إلى حلول واقعية وملموسة. يتطلب هذا التفكير المستقبلي والقدرة على تحديث العمليات والممارسات بما يتماشى مع المستجدات وتطلعات العملاء والسوق. فهناك الكثير من الأساليب الاستراتيجية للابتكار داخل المنظمات، سنتطرق لأبرزها:
الابتكار المستدام Sustainable Innovation
أحد أهم أنواع الابتكار في المنظمات هو الابتكار المستدام الذي يشكل ركيزة أساسية في تحقيق التنمية المستدامة، حيث يشير إلى الجهود المستمرة لتطوير وتبني نهج جديد للابتكار يهدف إلى تحقيق التوازن بين النجاح الإداري والاقتصادي والاجتماعي، يتضمن ذلك تطوير استراتيجيات وحلول تلبي الاحتياجات المستهدفة دون المساس بقدرتها على تلبية احتياجاتها في المستقبل.
يشكل الابتكار المستدام في المنظمات غير الربحية عنصرًا أساسيًا لتحقيق النمو والازدهار، وتواجه تحديات عديدة تتعلق بتلبية الاحتياجات للمجتمعات التي تخدمها. وسط هذه التحديات، يظهر الابتكار المستدام كأداة فعّالة وحيوية لتحقيق التنمية المستدامة وتحقيق التأثير الاجتماعي الإيجابي على المدى الطويل والسعي المستمر لتحقيق التوازن بين النجاح المالي والتأثير البيئي والاجتماعي. وتعتمد اعتماد كبير على الابتكار المستدام لتحقيق مهمتها في خدمة المجتمع وتحسين جودة الحياة للأفراد والمجتمعات بطرق تسهم في تعزيز التنمية المستدامة على المدى البعيد.
الابتكار المزعزع Disruptive Innovation
يشكل الابتكار المزعزع جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات المنظمات الناجحة، إذ يعتبر سلاحًا قويًا للتفوق التنافسي وتحقيق التغيير الجذري. يتمثل الابتكار المزعزع في قدرة المنظمات على إعادة تصور وتحديث أساليبها التقليدية وتقديم منتجات أو خدمات تقلب الطاولة وتغير اللعبة بالكامل.
في الوقت الذي يُشيد فيه الابتكار التدريجي بتحسينات التطور التكنولوجي المتواصلة، يقوم الابتكار المزعزع بتحطيم القوالب القديمة والمألوفة للأفكار والعمليات، ويتطلب هذا النوع من الابتكار الجرأة والاستعداد لتحمل المخاطر، إذ يمكن أن يتسبب في تغيير جذري في طريقة عمل المنظمة.
يُظهر الابتكار المزعزع أيضًا كيف يمكن للشركات الصغيرة والناشئة تحدي المؤسسات التقليدية الكبيرة، حيث يمكن للمرونة والقدرة على التكيف السريع أن تحقق فوائد هائلة. ومع ذلك، يجب أن ندرك أن الابتكار المزعزع قد يكون مزعجًا أو حتى مخيفًا لبعض المؤسسات التقليدية، إذ يجبرها على التكيف مع الأفكار الجديدة والتغييرات الجذرية في أساليب العمل. لذا، يتعين على المدراء والقادة في المؤسسات أن يكونوا مستعدين لاستكشاف وتطبيق الابتكار المزعزع كجزء من استراتيجياتهم لتحقيق النجاح في إدارة المنظمة.
الابتكار التدريجي Incremental Innovation
يلعب الابتكار التدريجي دورًا حاسمًا في تطور المنظمات ونجاحها على المدى الطويل. إنه نوع من الابتكار الذي يركز على تحسين وتطوير العمليات القائمة وإدخال التحسينات التدريجية التي تؤدي إلى تحسين الكفاءة وزيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف.
تعتبر الابتكارات التدريجية أحد أهم محركات التغيير داخل المنظمات حيث تسهم في تحسين الأداء وتعزيز التنافسية. فعندما تتبنى المنظمة استراتيجية الابتكار التدريجي، فإنها تسعى لتطبيق تحسينات مستمرة ومتواصلة في جميع جوانب عملها، سواء كانت في مجال الإنتاج، أو التسويق، أو الخدمات المقدمة للعملاء.
تتميز الابتكارات التدريجية بأنها لا تحتاج إلى تغيير جذري أو مفاجئ في العمليات، بل تركز على تحسينات تدريجية بسيطة ومستمرة تعزز من قدرة المؤسسة على التكيف والتطور بشكل مستمر. بالتالي، يعتبر الابتكار التدريجي أساسيًا للمنظمات التي تسعى للنمو والاستمرارية في بيئة الأعمال المتغيرة. فمن خلال التركيز على التحسين المستمر والتطور التدريجي، يمكن للمنظمات تحقيق الاستدامة والنجاح على المدى الطويل، والبقاء في القمة بين المنافسين.
تسعى معظم المنظمات إلى التركيز على أسلوب الابتكار التدريجي في خدماتها للعملاء بنسبة تتجاوز 70٪، حيث يُعَدّ تحسين العمليات الحالية أمرًا أساسيًا لتلبية احتياجات التغير. بينما يتبقى 30٪ لتوجيه الجهود نحو أنواع أخرى من الابتكارات، وذلك بناءً على استراتيجية المنظمة ومدى استعدادها للتغيير والتحول.
على الرغم من أن الابتكار المدمر والابتكار المستدام والابتكار التدريجي يختلفون في أهدافهم وطرقهم، إلا أنهم جميعًا يعكسون جهودًا للتطور والتحسين. فيمكن للمنظمات الاستفادة بأكثر من أسلوب استراتيجي في الابتكار لتحقيق النجاح والاستمرارية في بيئة الأعمال المتغيرة والتنافسية. وبهذه الطريقة، تبرز المنظمات استراتيجيات متنوعة للابتكار تعكس تفانيها في تحسين الأداء والتجاوب مع احتياجات السوق وتحقيق النجاح في بيئة الأعمال المتغيرة.
في الختام، يمكن القول بأن تحقيق الابتكار داخل المنظمة ليس مجرد هدف، بل هو ضرورة حيوية للنجاح والاستمرارية. وأن القدرة على التفكير الإبداعي وتطوير الأفكار الجديدة تعتبر مصدرًا للقوة والتنافسية التي لا يمكن إغفالها. وعندما تتبنى المنظمة ثقافة الابتكار وتخلق بيئة مشجعة للإبداع، فسيتم تحقيق التميز في الابتكار بمختلف جوانب عملها، سواء في تطوير المنتجات والخدمات أو تحسين العمليات الداخلية وتطوير النماذج التجارية.
باستمرارية الجهود والتفاني في تشجيع الابتكار وتطبيق الأفكار الجديدة، يمكن للمنظمات أن تبني مستقبلًا مشرقًا وتحقق النجاح والازدهار في مجالها، فالابتكار ليس مجرد فكرة، بل هو رؤية تتطلب التفاني والعمل الجاد لتحقيقها.