ما بعد التخرج
الرحلة الجامعية أشبه برحلة سفر بالطائرة تعرف من أين ستذهب وإلى أين ستصل ومدة الرحلة، كل ذلك وقت الإقلاع، ولذلك تكون مرتاحًا طول الرحلة. أما رحلة ما بعد التخرج فهي أشبه برحلة بالسيارة حيث يكون وقت الانطلاق غير محدد ومدة الرحلة غير واضحة وتعتمد على نوع السيارة، وسرعة السائق، والطقس، وقد يتغير طريق الرحلة أثناء سيرك، فمثلًا بدلًا من الذهاب إلى المنطقة الشرقية يمكن أن نُغير الوجهة إلى منطقة أخرى، فنجدها رحلة مجهولة المعالم على عكس الرحلة بالطائرة.
أتفهّم أن الطالب بعد التخرج لا يمتلك أدنى فكرة عن العمل الذي سيمتهنه أومن أين سيبدأ، كما أنه لا يستطيع أن يفرق بين الفرص التي ستفيده في حياته وتلك التي لن يكون بحاجة إليها. وقد تكون هذه الحيرة جيدة إلى حدٍّ ما، لكننا نستطيع تصويب خياراتنا وقراراتنا وامتلاك رؤية واضحة لمستقبلنا باستعمال بعض الأدوات:
خلال دراستك الجامعية وفي إجازة الصيف حاول أن تتدرب أو تعمل أو تتطوع في أيٍّ من المجالات والأماكن. وخلال هذه الفترة اطرح جميع استفساراتك وأسئلتك المتعلقة بالحياة المهنية على زملائك وكل من تصادفه، سواءً كانت عن الجهات التي يمكنك الانضمام لها، أو المناصب الوظيفية أو المهارات والشهادات المطلوبة... فكل هذا سيساعدك في بناء تصور - ولو مبدئي – عن المسارات التي تفضلها وما يناسبك أو لا يناسبك منها.
حاول خلال بحثك عن مكان لتطوير مهاراتك أن تستهدف الجهات التي تتماشى مع ميولك، لأنها ستساعدك على معرفة أسرار المجال، على سبيل المثال إن كان تخصصك هو التسويق فابحث عن شركات ومجتمعات التسويق وجمعيات ومؤسسات مختصة في هذا المجال، ذلك لأنك ستجد فيها الإجابة على جميع الأسئلة التي تحتاج إليها. لا تؤجّل التدريب لكي تزيد فرصة اختيارك في السنة القادمة ويصبح لديك معرفة أكبر فيما يتعلق بالمجال الذي تود شق طريقك فيه والأماكن التي تود الالتحاق بها. وبعدها سيصبح بإمكانك إعداد خطة للتعلم والحصول على شهادات مهنية تدعم هذه الخبرة البسيطة التي اكتسبتها أثناء الصيف، إلى جانب إنشاء علاقة جيدة مع الجهات التي عملت فيها خلال التدريب أو في نوادي الكلية.
لكن ماذا سيحدث إذا قرّرت تجاهل التدريب الصيفي وانتظار موعد التدريب التعاوني؟
إذا انتظرت موعد الالتحاق بالتدريب التعاوني، فلن يكون لديك المعلومات الكافية بشأن المهام أو الأعمال المطلوبة منك. كما أن مدة هذا التدريب محدودة، وقد لا تتوفر أمامك الفرصة لخوض العدد الكافي من التجارب خلال هذه الفترة القصيرة. وبعد انتهاء التدريب تجد أنك خضت تجربة واحدة فقط مما سيعيق قدرتك على اتخاذ قرار بشأن الاستمرار في المسار ذاته أم لا. وفي هذه الحالة ستضطر أن تبدأ رحلتك لاستكشاف المجال الأنسب لك بعد الالتحاق بالوظيفة، ما يجعلها رحلة طويلة ومرهقة ومشوشة وغير مبررة تمامًا مثل رحلة السيارة التي تحدثنا عنها سابقًا. وفي المقابل، فإن خوضك لتجارب متنوعة قبل الانضمام إلى عالم الأعمال سيجعل رحلتك المهنية أسهل وأسرع تمامًا كرحلة الطائرة. وبالرغم من أن اغتنام الفرص قد لا يكون بالأمر السهل، لكن البحث المستمر والجاد عن إجابات لأسئلتك بمساعدة المتخصصين والخبراء على منصة "لينكد إن" ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، ربما يمد لك يد العون في اتخاذ قرار بشأن الخيارات المتاحة أمامك. فهؤلاء الخبراء قد واجهوا في بداية مسيرتهم المهنية نفس الحيرة التي تعيشها اليوم، وساعدتهم تجاربهم في تحديد المسار الأمثل لهم. وحتى لو تأخر الوقت من وجهة نظرك، وتخرجت من الجامعة بالفعل، فلا تزال الفرص متاحة أمامك. إذ يمكنك الاستفادة من برامج مؤسسة "مسك" في أي وقت، وتلقي الدعم والتدريب في شتى المجالات. ونحن ننصحك باغتنام هذه الفرصة الثمينة لبلورة صورة واضحة بشأن مسارك المهني بعد الجامعة.
