لم أقرأ يوماً اللافتة الأمامية للمركز المطل من النافذة الموجودة في معهد اللغة الإنجليزية، والتي قد تكون صالة للفنون، نادياً رياضياً، مساحة آمنة، كنت غارقة في تفاصيل عالمي الجديد!
وأتذكر بشدة أني تعثرت بوجوه الغرباء في اليوم الأول لدخولي المعهد، أتذكر خجلي بعد أن أحرزت تقدماً في اختبار اللغة فكنت في صفوف المتفوقين-أتفلسف- لغةً وكأني ولدت بريطانية، تمسكت بنصيحة والدي بأن "أفضل موضوع لابتداء الحديث هو: الطقس" ولا يمكنني أن أحصر المرات التي قلت فيها بصوت متودد وفضولي."Weather is good today!" حتى أخوض حواراً مؤجلًا مع زملاء عبروا القارات حتى يتقنوا هذه اللغة.
إن فكرة إجراء محادثة بسيطة حول الطقس قد تفتح الأفق للانخراط مع أشخاص من خلفيات متعددة وتدفعنا للشعور بالانتماء لهؤلاء المنشغلين باستكشاف عوالم جديدة وفهم ثقافات مختلفة من خلال اكتساب مجموعة من الكلمات والقواعد التي تبني جسر التواصل والتفاعل. وهذا هو جوهر التطور الشخصي الذي يمكن للغة أن تسهم فيه.
الأهم من ذلك، أن اللغة تسهم في تشكيل هويتنا وطريقة تفكيرنا. فعندما نتحدث بلغة جديدة، لا نتعلم فقط كيفية تركيب الجمل، بل نتبنى في الوقت نفسه بعض جوانب الثقافة التي تنبثق منها هذه اللغة. ففي المجتمع البريطاني "محادثة الطقس" ليست مجرد مسألة تقليدية، بل هي جزء من الثقافة التي تعتمد على الحوارات الصغيرة لبناء العلاقات.
لا يحضرني الكثير من الذكريات عن رحلة تعلم اللغة في بريستول لكني أتذكر جيدًا كلمات "شيلا" زميلتي البريطانية في اليوم الأخير وهي تقلني من منزلها إلى المطار "أنتِ حالمة وعندك الكثير من الإمكانيات القادرة على تحقيقها" تلك الكلمات التي لم تكن مجرد تشجيع عابر وحسب، بل دافع للانطلاق والإيمان بما يمكن أن تمنحنا إياه اللغة.
بتعثري الأول صدقت شيلا، وصدقت اللغة، وصدقت الأحلام، ولعلي في سعيي نحوها كنت أطوي الطريق، أقفز على المسافات، أحاول الوصول فأتعثر أحيانا وأنجح أحيانا أخرى، وأحتال على المعيقات بدل أن أقرأ اللافتة الأمامية، وأعيش الطقس دون فلسفته لأجري حديثا أعمق منه، وأعيد تلك الأحاديث التي لم أفهم أغلبها لأكون حاضرة في تفاصيل الثقافة، في تفاصيل الرحلة، في تفاصيل اليوم الذي قضيته أفكر كيف يمكن للمحادثات القصيرة أن تساعدنا في بناء علاقات جديدة وخوض تجارب متنوعة وفهم ثقافات مختلفة. مشغولة، مشغولة جدًا بالسؤال عن الطقس وصناعة أحلام جديدة.