تعدّ الملكية الفكرية من أكبر موارد إيجاد القيمة في عالم الشركات وكذلك من أهم الموارد غير المستغلة. وبينما تشير نتائج البحوث إلى أن أكثر من 90% من قيمة الشركة غالبًا ما تكون مرتبطة برأسمالها الفكري، لا يزال أغلبها يعتبر الملكية الفكرية مصدرًا للتكاليف الإدارية. وفي أفضل الأحوال، تعتبر الشركات الملكية الفكرية مصدرًا لدعم إدارة البحوث والتطوير، غير أنها غالبًا ما تنظر إلى الأمر باعتباره نفقة لا مفر منها وليس على أنه عنصر استراتيجي لتحقيق النمو. وذلك مرده إلى طبيعة الملكية الفكرية، فهي أصل غير ملموس يصعب تقدير قيمته بصورة محددة.
ولكي تحقق الشركات استفادة كاملة من تلك الأصول، عليها أن تبحث عن طريقة تجسّد فيها تأثير حقوق ملكيتها الفكرية، وأن تقيس المخاطر المترتبة على الإدارة غير الفعالة للأصول غير الملموسة والقيمة المحتملة التي تثمرها استراتيجية وإدارة الملكية الفكرية على صعيد توطيد العلاقات مع العملاء والنجاح في السوق. ومن شأن وضع استراتيجية الملكية الفكرية وجهود إدارتها على رأس أولويات أجندة الإدارة العليا وإثراء الوعي على مستوى الشركة بآثارها الاستراتيجية أن يُثمر عن إعادة تصوّر وتصميم العمليات على مستوى الشركة لتحقيق كامل إمكاناتها. ولكن، لتحقيق تلك الإمكانات لا بد أن ترسّخ الشركات ثلاثة أسس في ما خص ابتكارات الملكية الفكرية ألا وهي الإدارة الاستراتيجية لأصول الملكية الفكرية، ومنهجية الأعمال/تطوير المنتجات القائمة على السوق، والمنهجية الفاعلة للتوجيه والتنفيذ.
لا شكّ في أن أهم ما يتعين إدراكه هو أن الاستفادة من حقوق الملكية الفكرية ضروري لتعزيز القيمة المتأتية منها. فبراءات الاختراع والعلامات التجارية لا تساوي الكثير للشركات إن انتهى بها المطاف كومة من الورق في أحد المستودعات. إذ تعتبر بعض الشركات براءات الاختراع مجرد إثبات مبهم على مواصلتها الابتكار والقدوم بأفكار جديدة، من دون أن تأخذ خطوات أخرى لتحويل تلك الأفكار إلى واقع ملموس.
ويمكن معالجة هذه المعضلة عبر طرائق متعددة، فبإمكان الشركات تحقيق القيمة من براءات الاختراع عبر منح تراخيص الملكية الفكرية وجمع الرسوم المستحقة من تلك التراخيص. ومن ناحية أخرى، يمكن للشركات اتخاذ خطوات لمنع منافسيها من الاستفادة من ابتكاراتها ومراقبة السوق لتحديد حالات الانتهاك المحتملة لحقوق الملكية الفكرية. وتتطلب مثل هذه الجهود عدم الإحجام عن إنفاذ حقوق الملكية الفكرية عن طريق آليات التقاضي والتي تتبعها بالفعل شركات صغيرة وكبيرة عديدة وإن لم يكن بصورة منهجية. ولتتسم هذه المنهجية بالفعالية، لا بد من توافر مستويات كافية من الوعي بين مختلف الإدارات بشأن الغرض من أصول الملكية الفكرية واستخداماتها لدى الشركة.
ولا شكّ أنه يتعين أن تمتلك الشركات أصول ملكية فكرية في المقام الأول لكي تتمكن من الاستفادة منها، وهو ما يقودنا إلى الركيزة الثانية: كيف يمكن للشركات أن توجه جهود الابتكار وتطوير المنتجات.
لعل من أبرز الصعوبات التي تواجهها الشركات في تطوير ملكية فكرية قيّمة هو أنها تتبع منهجية ابتكارية قائمة على صناعة منتجات مبتكرة لا تراعي في المقام الأول احتياجات السوق. إذ تكون الشركات جد متحمسة بشأن قدراتها الهندسية والإبداعية لدرجة أنّها تواصل تطوير المنتجات وتسجيل براءات الاختراع بهدف استعراض قدراتها الابتكارية والابتكارات التقنية التي يمكنها القدوم بها. ورغم أن هذه المنهجية قد تتكلل بالنجاح في بعض الأماكن، إلا أنها قد تفضي أيضًا إلى هدر الكثير من إمكانات الشركة.
وينبغي أن تدرك الشركات كلها حقيقة مفادها أنه بغض النظر عن درجة "الابتكار" التي وصل إليها المنتج، لا يمكن تحقيق الربحية منه ما لم يلبي احتياجات فعلية لدى العميل. إذ يجب أن تستهلم الشركات أفكار ابتكاراتها الجديدة من السوق واحتياجات العملاء وأن تصمم منتجاتها لتلبية احتياجاتهم المحددة. إلا أنّ تلك مهمة صعبة، فهي تتطلب في بعض الأحيان توقّف الشركة عن تطوير فكرة رائعة خرجت بها إدارة البحث والتطوير كونها لا تلبي حاجة واضحة في السوق.
وفي مثل تلك الحالات، يمكن أن يوفر قسم الملكية الفكرية رؤى قيّمة لإدارة البحث والتطوير من أجل استكمال عملياتها التطويرية ووضعها غي اتجاه يحقق أكبر فائدة للشركة. وهذه النقطة تقودنا إلى الركيزة الثالثة والأخيرة.
لعل من أهم الأمور التي يجب فهمها عند السعي إلى إنشاء أصول الملكية الفكرية هو أن عملية تطوير الملكية الفكرية هي في جوهرها عملية متداخلة المهام. فبالرغم من أن لدى كل شركة قسمًا للملكية الفكرية، فإن عددًا كبيرًا من أفضل الأفكار والرؤى لا يمكن إنتاجه إلا بالعمل الجماعي بين مختلف إدارات الشركة. ولدى أغلب الإدارات مثل تلك المعنية بالأعمال والشؤون القانونية والتسويق والمبيعات وتطوير المنتجات والبحث والتطوير وإدارة علاقات العملاء، المقومات اللازمة للمساهمة معًا في إنجاح تطوير الملكية الفكرية. لكنّ تعدد قيادات تلك الإدارات قد يفضي إلى وقوع مشاكل. ولذا، ينبغي أن تشكّل الشركات لجانًا مسؤولة عن شؤون الملكية الفكرية وأن تضع آليات حوكمة راسخة للتأكد من إيصال صوت جميع أصحاب المصلحة وتنسيق جهودهم بما يعالج مسألة تعدد القيادات.
وبعد تحقيق حالة من التوافق والتفاهم بين جميع أصحاب المصلحة بشأن تطوير الملكية الفكرية، من المهم أيضًا ضمان شفافية المؤسسة في تحديد مؤشرات الأداء الرئيسية وتعريفها. ففي نهاية المطاف، لا يمكن إدارة شيء لا يمكن قياسه. ولذا، يتعين إطلاع القيادة الداخلية للشركة على الأهداف الكبرى ذات الصلة بالملكية الفكرية. فلنفترض أن شركة تسعى إلى دخول أحد مجالات الأعمال، ينبغي أن يتيسر للجنة الملكية الفكرية الحصول على معلومات مثل عدد الإفصاحات ذات الصلة وطلبات تسجيل الملكية الفكرية والمنح المتوفرة في المجال، إضافة إلى النفقات التي تتكبدها إدارة البحث والتطوير للحصول على براءة اختراع باعتبارها مقياسًا للنجاح. وينبغي أن يكون اختيار وتفاصيل مؤشرات الأداء الرئيسية والمعلومات كافيًا لمختلف جموعات أصحاب المصلحة ومستويات التسلسل الهرمي في المؤسسة.
الاستفادة من القيمة التجارية للملكية الفكرية
يمكن أن تشكل الملكية الفكرية، لدى توفر الدعم المناسب، أداةً أساسية تدعم القوة الابتكارية والنجاح المالي لاقتصاد المستقبل. ولكن، لتحقيق ذلك، يجب على قادة الشركات، ولا سيّما قادة أقسام الملكية الفكرية، إعداد استراتيجية تواصل وممارسات تدريبية مناسبة من أجل ترسيخ عقلية استراتيجية بشأن الملكية الفكرية. إلى ذلك، يجب أن يدفع أولئك القادة باتجاه تضمين عمليات الملكية الفكرية ضمن منهجية تطوير منتجات قائمة على احتياجات السوق من أجل قيادة الابتكارات الجديدة في اتجاه يحقق أعظم تأثير وأكبر ربحية. وختامًا، يجب أن يضع القادة أنظمة حوكمة وإبلاغ فعالة تكفل التنسيق بين مختلف الإدارات ومجموعات أصحاب المصلحة بحيث تكون الملكية الفكرية على رأس أولوياتهم الإدارية. وعندما تجتمع كل تلك الركائز والعوامل مع بعضها، تصبح الشركات في مكانة تعزز فرصها في تحقيق أبهر النجاحات في المستقبل.