!رسالة لطلاب الجامعة: ادخل سوق العمل مبكراً!
نعم، ادخل سوق العمل مبكراً وأنت على مقاعد الدراسة، ليس عن طريق البحث عن وظيفة أثناء الدراسة فحسب، وإن كان ذلك خياراً مطروحاً بل ومعمولاً به أيضًا. ويكاد يصبح مألوفاً اليوم أن ترى طالباً أو طالبة قادرين على الجمع بين الدراسة الجامعية وبين الالتزام بوظيفة أو مشروع شخصي يدر دخلاً مالياً جيداً يساعد على تغطية المصاريف الدراسية والمعيشية للطالب، وحتى من الممكن أن يكوّن لديه رأسمال لإطلاق مشروع تجاري شخصي كبير مستقبلاً. ومع تركيز رؤية المملكة ٢٠٣٠ على جعل التعليم نمطاً مستمراً، فحتى من سبق أن قطع شوطاً طويلاً في المجال المهني قد يعود في أي لحظة ليكمل مساره التعليمي دون مغادرة مقعد الوظيفة، فنموذج الطالب الموظف والموظف الطالب ينمو ويصبح أكثر شيوعاً.
لكنّ ما يستهدفه هذا المقال بالتحديد هو توسيع أنماط الدخول إلى سوق العمل حتى بدون استهداف وظيفة مبكرة أثناء الدراسة (سواء في نطاق التخصص الدراسي أو خارجه)، وذلك عن طريق التواجد النشط في المنصات الإلكترونية والتفاعل مع المجتمعات المهنيّة التي يهتم الطالب بالالتحاق بها بعد التخرج. فالنموذج الشائع بين الطلاب في المرحلة الجامعية هو أن يبقى الطالب منكفئاً على تحصيله العلمي وبرنامجه الدراسي من أول يوم في الجامعة وحتى يوم التخرج، ما عدى مشاركته في الأندية والأنشطة الطلابية داخل مجتمع الجامعة. وبعد التخرج يدخل مرحلة جديدة هي مرحلة البحث عن العمل، وعندئذٍ يدرك أن أمامه خطوات عدة عليه إنجازها في هذه الرحلة بدءًا من كتابة السيرة الذاتية بشكل متقن إلى التدرب على المقابلات الشخصية ثم التقديم على الوظائف وانتظار النتائج وهكذا، إلى حين الحصول على العرض الوظيفي.
ذلك نمط شائع، بل وكان النمط السائد في الفترة الماضية، لكنّه لم يعد كذلك مع التغيرات التي نعيشها في الآونة الأخيرة، والأدوات التي تتوفر اليوم لطالب الجامعة لم تكن متوفرة بهذا اليسر والسهولة والفعالية للطلاب في فترات زمنية سابقة، وأعني بها تحديداً المجتمعات المهنيّة الإلكترونية التي أضافت للمرحلة المعاصرة عنصرين مميزين:
لم يعد من الضروري اليوم أن تنفصل مرحلة الدراسة بطبعها وظروفها عن مرحلة العمل أو مرحلة البحث عن عمل وتكوين العلاقات، أو مرحلة إطلاق مشروع تجاري شخصي أو حتى ممارسة الهوايات والتنمية المهارية، بحيث كان يجب في السابق أن تنتهيَ من مرحلة لتتفرغ للأخرى.
إذ يمكن دمج جميع أو بعض هذه المراحل والعمل عليها بالتزامن بقليل من ترتيب الأولويات وتنظيم الوقت وتحديد الأهداف وحسن استثمار الأدوات المتاحة لتسهيل العمل والتواصل وتعزيز الإنجازات. إذ يمكن للطالب الجامعي اليوم في فترة الدراسة عينها - وبشكل مبكر- أن يعمل على تهيئة فرص عمله وجذب واستقطاب صناع قرار التوظيف في الجهات التي يستهدفها وربما العمل على إيجاد مصدر دخل جانبي له والتركيز على مهارات أو هوايات معينة يمكنه الاستمتاع بها وتنميتها وحتى استثمارها عند الرغبة.
كذلك باتت جميع الفئات والمستويات المهنيّة الآن على اتصال دائم ومباشر. فالتواجد في مجتمع إلكتروني يعني الالتقاء بمنسوبي مجالات مختلفة يمكن للمهتم التركيز على بعضها والتعرف على العديد من منسوبيها من كافة المستويات والمسؤوليات. وذلك بدوره سهّل عملية التواصل والتعارف وبناء شبكة علاقات مهنية واحترافية منذ وقت مبكر، مع تنميتها بشكل مستمر طوال سنين الدراسة، ما يجعلها أكثر وأسرع نمواً عند الدخول الفعلي للطالب إلى سوق العمل بعد تخرجه. وكما هو معروف عالمياً أن التعارف المباشر بين منسوبي المجال المهني يسهل بشكل كبير جداً وصول المهتمين إلى الفرصة الوظيفية المناسبة، وكذلك وصول الجهات المهنية إلى المرشح المناسب للفرصة.
لذا، فالاستراتيجية الأنجح التي يمكن للطلاب اعتمادها في فترة الدراسة هي الاندماج في المجال المهني مبكراً، لعدة أهداف أولها إقامة العلاقات ومد جسور التواصل وكسب الخبرات حول آخر توجهات سوق العمل في المجال الذي يستهدفه الطالب لمعرفة المهارات التي يحتاج إلى التركيز عليها، وصولاً إلى التعرف على أصح الممارسات لدى خبراء تسويق الذات مهنياً والتمرّن عليها لفترة كافية مع تجهيز كل الصفحات الشخصية لتكون عنصر جذب فعّال في رحلة البحث عن عمل، وكذلك التشجيع على ترك بصمة مبكرة في المجال تحمل اسم الطالب وتلفت الأنظار إليه حتى قبل أن يتخرج، فيتشجع لابتكار مبادرة مجتمعية أو مشروع شخصي أو حتى صناعة محتوى إثرائي يشاركه مع المهتمين، وهي خطوات مهما بدت بسيطة إلا أنها تساعد الطالب على ترك أثر إيجابي في المجتمع وعلى تسويق اسمه في مجاله اهتمامه واختصاصه.
وفي الختام، فإن الحياة لأربع أو خمس سنوات في محيط الجامعة بمعزل عن التفاعل مع الأوساط المهنية بمداها الأوسع وتأجيل كل ما يخص العمل والوظيفة إلى ما بعد التخرج ليست استراتيجية جيدة في وقتنا، هذا الوقت الذي تندمج فيه كل المراحل وتواصل فيه كل الفئات، وتختصر الأوقات والمسافات فلا تكاد توجد فواصل وقتية أو مكانية تمنع من العمل على عدة مسارات والتواصل مع مختلف المستويات في مرحلة واحدة، حتى يتخرج الطالب من المرحلة الجامعية وقد اكتسب لنفسه سمعة وشبكة علاقات ومعارف تساعده على تقليص فترة بحثه عن عمل إلى حد كبير.