هل الثقافة تشكل الهوية أم العكس؟ أجوبة في اليونسكو.
لطالما تفكرت في تنوع البشر وتعدد تشكيل هوياتهم وبالتالي طرق تعبيرهم عن ذواتهم، مما قادني إلى التساؤل والبحث إن كانت الثقافة تشكل الهوية أم الهوية هي من تشكل الثقافة؟ وإن كانت الهوية الشخصية تؤثر على الثقافة العامة، فما هي أبجديات صنع هذا التغيير؟
عملي في الأمم المتحدة عزز إدراكي للتحديات التي تواجهنا بشكل جماعي على المستوى الإنساني، لا سيما فرص النماء أمامنا. فقد عملت ضمن فرق عمل متعددة الخلفيات الثقافية واللغات والأجيال، ولكن كل اختلاف كان يحكي سردية من الصوت الواحد لقصة الإنسان لبناء السلام والازدهار. والتي تجلت عند مواجهتنا لجائحة كوڤيد-١٩ في هذه المنصة بروح الفريق الواحد، حيث التقيت بالعديد من القادة العالميين والمثقفين وصانعي السياسات والفنانين، حينها تعرفت عن قرب أن كل منظومة او مؤسسة أو سياسة هي كيان يؤسسه الإنسان والإنسان قابل للخطأ وأكثر قابلية للتصويب والتطوير، وأول خطوات التطوير هي الوعي بالذات والتواصل الفعال الناتج عن الاتصال بها وبالتالي التعبير عن الهوية بأبعادها الإنسانية والثقافية من أجل إثراء أي بناء جماعي، مما سينعكس على تطوير ونضج أي منظومة وسياساتها.
في عام ٢٠١٨م، انضممت للعمل في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" بمقرها الرئيسي في باريس – قسم التخطيط الاستراتيجي، وكنت ضمن أول مجموعة موظفين مدنيين دوليين سعوديين في المنظمة، وهو ما جعلني في المواجهة بين تساؤلاتي حول الهوية وبين ما تعيشه بلادي من مسيرة ازدهار يقابلها تصور مسبق مجحف عن الواقع لدى البعض عن ثقافتنا.
لقد شعرت بسعادة لا توصف عندما شهدت نقطة التحول على أرض الواقع لقيادتنا لسردية قصتنا الخاصة بعد عقود من تلقيها من وجهات نظر غير ذاتية وخارجية، وحدث ذلك خلال المعرض السعودي الذي أقيم في المنظمة في نوفمبر ٢٠١٩ حيث تطوعت مع خيرة من الشباب السعودي بالتعريف عن هويتنا وسردية قصتنا ومشاركتها مع المجتمع الدولي عبر الفنون والثقافة والتراث، وخلال عامين من عملي في المنظمة، لاحظت عن كثب أهمية الثقافة كقوة ناعمة لتعزيز الألفة البشرية والتآزر لبناء واقع السلام والازدهار الجمعي.
وكان الشعور بالسعادة حاضراً أيضاً عندما تطوعت في المؤتمر العام الأربعين لليونسكو، والذي صاحبه منتدى وزراء الثقافة الذي عُقد بحضور 120 وزيرًا وصانع سياسات من أنحاء العالم، ويعنى بمركزية الثقافة وتأثيرها على التنمية المستدامة على الأصعدة الدولية والإقليمية والوطنية، حيث تسنى لي الاطلاع على آليات المساهمة من مختلف بقاع الأرض وصناعة القرارات من أجل مستقبل التنمية عالميا، كما وجدت بعض الإجابات لتساؤلاتي برؤى عميقة أن النضج التعبيري الانساني للأفراد وبالتالي الأمم هو مُمكِّن اساسي للحضور المؤثر لصنع الواقع والنماء البشري عبر العديد من سياسات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
وبالتوازي مع رحلتي الشخصية لاكتشاف الذات، أشعلت المآخذ فضولي لاكتشاف الإمكانات الكامنة لهويتنا الذاتية والثقافية وتعبيرنا، وفي مطلع عام ٢٠٢١ عدت للوطن للمساهمة في تطوير استراتيجيات وشراكات لدعم القطاع الثقافي محليا وإقليميا. واطمح اليوم لتحفيز تعبيرنا الإبداعي وهويتنا لتكون ركن للمساهمة في تحقيق نتائج سياسات التنمية العالمية بالروح السعودية مثل أهداف التنمية المستدامة.
إن التحدث بثلاث لغات والعمل من منطلق المواطنة العالمية والعلاقات المتعددة الأطراف، كشف لي عن دور الهوية الشخصية الكامن والجلي في تشكيل الثقافة، حيث إن الوعي بالذات والهوية الشخصية يعزز فهم الفرد للآخرين وتفهم اختلافاتهم، وأن التعبير الفعَال الناتج عن هذا الوعي هو عامل محوري للحضور المؤثر وإحداث التغيير في الثقافة المحيطة، وهناك عدة مستويات وطرق لتحفيز هذا التغيير. إنني فخورة اليوم بجهود الوطن لتمكين وصقل مكامن شبابه وطموحاتهم، وأشيد بالرؤية البصيرة لدعم القيادات الشابة لإتقان أبجديات صناعة التغيير وقيادة التأثير عبر تعلم عمليات تطوير توصيات السياسات الدولية، والتي أتعلمها اليوم خلال التدريب المتقدم الذي تم ترشيحي له من قبل مؤسسة الأمير محمد بن سلمان "مسك"، وأتطلع لتحفيز ثقافة محلية للقيادة النابعة من معرفة الذات والنماء الإنساني خلال التعبير الفني والثقافي، ولتسخير شغفي للإبداع والابتكار الاستراتيجي بتصميم أنظمة وسياسات تنعش الاقتصاد الإبداعي للتنمية المستدامة ولإحداث تأثير محلي عالميا.
-تم ترشيح هيفاء التويجري من قبل مؤسسة الأمير محمد بن سلمان "مسك" لتصبح سفيره لصوت الشباب السعودي ومساهمتهم في عملية تطوير سياسات التنمية العالمية في المؤتمرات ذات صنع القرار مثل مجموعة العشرين والأمم المتحدة ومنتدى الاقتصاد العالمي.
بالإضافة لخبراتها المهنية مثل العمل في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" في باريس وعملها الحالي بوزارة الثقافة، فهي تمتلك خبرات وشهادات عالمية في القيادة والتواصل والخطابة والتي حصلت عليها في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وفرنسا، وسبق وتم اختيارها لتمثيل الشباب السعودي على مستوى الجامعات والمستوى الوطني والعالمي. هيفاء فنانة متعددة التخصصات وهي شغوفة بالنماء الإنساني خلال التعبير الفني والثقافي.
تعتمد التوجه الابداعي والابتكار الاستراتيجي لتصميم الحلول الفعالة والانظمة والسياسات الممكنة للتنمية المستدامة، وتسخر شغفها وخبراتها للمساهمة بتحفيز بيئة داعمة للقيادة النابعة عن معرفة الذات والنماء الإنساني خلال التعبير الفني والثقافي، ولاسيما، تحفيز الاقتصاد الإبداعي للتنمية المستدامة وخلق تأثير محلي عالميا