يحضر الكثير منا محاضرات أو دورات أو ورش عمل أو يشارك فيها، سواء بشكل حضوري أو افتراضي أو حتى بالاستماع. وكل عام، تجد نفسك حضرت ربما مئات الساعات والأيام التدريبية. ويبقى السؤال الأهم: هل ما زلت أتذكر منها شيئاً؟ هل أضافت لي شيئًا في حياتي الشخصية أو المهنية أو العملية؟ هل حاولت أن أفيد بها من حولي؟ تتنوع الإجابات على حسب الدرجة العلمية وخبرات الشخص ومهاراته، لكنّ الأهم يبقى شغف الفرد والدوافع التي تحركه. هناك قاعدة شهيرة في مجال المهارات، سواء كانت ناعمة أو صلبة، ومضمونها "ما لا تطبقه، لن تتمكن من تذكره". فلو على سبيل المثال قمت بحضور دورة أو ورشة عمل عن إدارة الوقت ولم تقم من بعدها بتغيير بعض من عاداتك ونمط حياتك حتى لو بالأشياء البسيطة لتتأكد من فاعلية ما تم تداوله بتلك الدورة أو الورشة، فلن تتمكن أبدًا من أن ترسخه بذهنك لأن العبرة ليست بحضورك أو استماعك للدورة، بل بتطبيقك بما يتناسب معك شخصياً ومهنياً وعملياً. إنما هناك سؤال أخر لا بد أن يكون قد تبادر إلى ذهنك وهو: "أين يمكنني أن أطبق ما اكتسبته من دورة أو ورشة عمل بعد المشاركة بها؟" إذا كنت تعمل، يمكنك تطبيق بعض ما تعلمته بعملك أو على المستوى المهني. ولكن، إذا لم تكن تعمل أو ما زالت طالباً، هل يمنعك ذلك من أن تطبق ما تعلمته؟ بالطبع لا. إذا، فماذا يمكنك فعله لكي تطبقه. لعل أفضل الميادين لتطبيق ما أكتسبته من دورات أو ورش عمل قد شاركت بها برأيي هو التطوع. ولا أقول ذلك لأنني متطوع منذ أكثر من 17 عاماً أو لأنني أتشرف بكوني من متطوعي الهلال الأحمر السعودي ومتطوعى التطوع الصحي بوزارة الصحة السعودية وعدد من الجهات والجمعيات، بل لأنك بالتطوع (صدق أو لا تصدقه) سوف تطبق ما تعلمته وبالمقابل سوف تكتسب أكثر بكثير مما يمكنك تعلمه بدورة أو ورشة عمل، لا بل تغنيك أحياناً مشاركتك التطوعية عن عدد من الدورات أو ورش العمل لأنك تكتسب مهارات تطبيقية.
وأكاد أجزم لك أن معظم المهارات التي لدي لم أكن لأتقنها أو أكتسبها إلا بتواجدي بميدان العمل التطوعي لأنه كالمصنع فى توليد المهارات والنقاط الخفية بداخلك التي من الصعب لك أن تكتشفها بنفسك إلا عند خوض تجربة معينة. وقابلت الكثيرين والكثيرات أثناء تطوعي بحملات التوعية الصحية مع التطوع الصحي ممن كانوا يشاركونني قصصهم، حيث أنهم لم يكونوا قادرين على التحدث أمام العامة والجمهور وغيّر التحاقهم بالتطوع حالهم ليصبحوا متميزين ليس على المستوى الشخصي فحسب والذي انعكس في زيادة ثقتهم بأنفسهم وشعورهم بالإيجابية والفخر بكونهم استطاعوا أن يغيروا ما بأنفسهم، بل على المستوى المهني والعملي، مثل ما أخبروهم زملائهم أيضاً.
ولا يمكننى حصر المهارات التى يمكنك اكتسابها وتطبيق بعض المفاهيم والاستراتيجيات من الدورات وورش العمل التي قمت بحضورها، ولكنّ، بناءً عن تجربتي الشخصية بالتطوع، تتنوع المهارات التي ستحصل عليها ما بين مهارات قيادية ومهارات بناء الفرق ومهارات التواصل الفعال ومهارات العرض والتقديم والخطابة ومهارات إدارة الوقت ومهارات حل المشكلات ومهارات إدارة الضغط النفسي وضغط العمل.
ولا بدّ أيضاً من خوض تجارب وفرص تطوعية مختلفة لكي تتمكن من صقل مهاراتك وتنويعها، حيث لا يمكنني وصف ما كنت عليه وما أضاف لي على سبيل المثال من بعد تجربتي بالتطوع بحملات الإجراءات الاحترازية وقت جائحة كورونا بالعام 2020، إضافةً إلى أهمية وقيمة التنوع بين الجهات والجمعيات المختلفة لكي تتنوع مهاراتك بين إدارات وثقافات مختلفة لتأخذ منها ما يناسبك وتصقل بها مهاراتك المتواجدة أصلًا أو التى قد اكتسبتها من خلال المشاركة بدورة أو ورشة عمل. ولا يخفى على احد أهتمام المملكة بالتطوع والمتطوع ويتبين ذلك من خلال المنصة الوطنية الخاصة بالتطوع والمنصات التطوعية التى تتبع الوزارت أو الهيئة مثل وزارة الصحة والهلال الأحمر والأمانات وغيرها وبالطبع لا يمكننا أن ننسى أنّ التطوع هو أحد مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي يقودها صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان بوصول المملكة لمليون متطوع. وأخيراً لا يمكننى غير أن أقول إن صقل المهارات التي تمتلكها أو تطبيق المهارات التى قد اكتسبتها نظرياً ليس بالأمر الصعب بتاتًا، فالمجالات أمامك لتخوض بتجارب جديدة وتتعلم أشياءً كنت تظن نفسك لن تتعلمها وأشياءً لم تكن تعلم أنك مبدع بها. فأنت أروع مما ممكن أن تتخيل. وما عليك سوى أن تمنح نفسك المجال لتطبق ما تعرفه وتكتسب ما لا تعرفه .