الثقافة والفنُّ كلغةٍ استثنائيّة تعبّرُ بها عن ذاتك

ريماز بكري – مسار جازان
هذا المقال بقلم أحد المشاركين المتميزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي

لقد تأصّل الفنُّ في كلِّ مظاهر الحياة، حتى أصبح الإنسان يراه في كلِّ شيءٍ حوله، فالطبيعة فنٌّ وخيوط الشمس المتسلّلة إلى غرفتك فنٌّ والظلُّ المتراقص خلفك فنّ؛ ليبقى إدراك الحاسّة البشريّة لقيمة هذا الفنِّ وهذه الرسالة الداعية إلى الحياة الدافعَ الأوّل والمدافِعَ الأخير عن بقاء هذه اللغة العظيمةِ وهذه الرابطة الشفّافةِ القائمة على الحسِّ الفنّيِّ والذوقِ الجماليّ الرفيع.

فهل لنا أن نعتبر هذا الفنَّ جزءًا من الثقافة؟

كانت علاقة الفنِّ بالثقافة علاقةً جدليّةً أبديّةً وموضعَ اختلافٍ كبير، ويمكن أن نقسِّمَ هذا الخلاف إلى ثلاثة أوجه؛ فهناك من يرى أنَّ الثقافة والفنَّ شيءٌ واحد، وأنَّ الاختلاف بينهما راجعٌ إلى المسمّيات لا الجوهر، وهناك من يرى أنَّ هناك اختلافًا كبيرًا بين المفهومين وأنْ لا ارتباط بينهما، أما الرأي الثالث فيرى أصحابه أنَّ هناك علاقةً وإن اختلفوا في كُنهِ هذه العلاقة وطبيعتها.

 ومن أجل حلِّ هذا الاشتباك سأعرّفُ كلًّا من الفنِّ والثقافة، حيث تُعبّرُ كلمة ثقافة في اللغة العربيّة عن المهارة فيُوصف الشخص بالمثقّف إذا وصل إلى درجةٍ عاليةٍ من العلم، مع ذلك فإنَّ كلمة ثقافة في الوقت الحاضر تدلُّ على حالة المجتمع بصورةٍ عامّةٍ من حيث الجوانب السلوكيّة والاجتماعيّة، كما أنَّ منظّمة اليونسكو عرّفتها بأنّها: "المركّبُ الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفنَّ والأخلاق والقانون والأعراف والقدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضًوا في المجتمع."

فيأتي الفنُّ هنا باعتباره أحدّ أهمِّ المكوّنات الحضاريّةِ في المجتمع، فهو جزءٌ لا يتجزّأُ من عمليّةِ تقدّمِ وتطوّر المجتمعات، لِما اشتمل عليه من لغةٍ استثنائيّةٍ تُتيح للفرد أن يعبّر عن ذاته على هيئةِ ترجمةٍ لكِينونته تُمكّنه من التواصل مع من حوله ليُشارك ثقافته مع مختلف المجتمعات، وعلى هذا المبدأ فالفنُّ أداةٌ من أدوات تطبيق الثقافة بالإضافةِ لمساهمته بشكلٍ فعّالٍ في رفع المستوى الثقافي وتنمية المدارك وخلق أنواعٍ جديدةٍ من الفنون والجماليّات؛ فيبدأ الإنسان بالخوض في الحياة الفنيّةِ عن طريق الموسيقى والمسرح والسينما والفنون الحِرَفِيَّةِ الملموسة؛ فينعكس ذلك بصورةٍ إيجابيّةٍ على مجتمعه عن طريق الإثراء الوجداني والمعرفي مما يؤدي إلى الانسجام بين الثقافات المختلفة ليفتح آفاقًا واسعةً للسّياحة تزيد من معدّلات التنمية والازدهار.

ومن هنا نرى الثقافة والفنَّ باعتبارهما وجهين لعملةٍ واحدة، حيث نجد أنَّ الذاكرة الفنيّة بتاريخها الفلكلوري سواء كانت ذاكرةً مسرحيّةً أو موسيقيّةً أو حتى من خلال معارض الرّسم واللوحات الشهيرة تُعتبر جسرًا للتفاعل والتقارب الإنساني بين الشعوب المختلفة والأجيال المتعاقبة وعلى صعيد المسرح فقد قدّم الكاتب الإنجليزي وليام شكسبير شخصيّاتٍ خالدةً في التاريخ المسرحي التراجيدي، وأصبحت مرجعًا ثقافيًّا لا يُستهان به تستلهمه الحضارات بمختلف اتجاهاتها ولغاتها، ولعل ما قدّمه عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وأمّ كلثوم وفيروز وطلال مدّاح ومحمد عبده من أغانٍ خالدةٍ في ذاكرة المتلقي الطربيّة يدخل في هذا الباب، فالفنُّ يملأُ الفراغات ويسدُّ الثغرات بين الشعوب. 

لذا فإنَّ  أهميّة الثقافة والفنِّ تكمن في بناء شخصيّات أفراد المجتمع وتنمية وتقوية قدراتهم الشخصيّة من خلال تحفيز الخيال والإبداع، ممّا يزيد من معدّلات قدراتهم الاجتماعيّة في التفاهم والتكيّف مع مختلف الحضارات، مع دعم الجوانب المعرفيّة والعاطفيّة والإنسانيّة التي تزيد من قيمة الفرد المجتمعيّة وفقًا لمرتكزات الرؤية السعوديّة التي تذكّر دومًا بأهميّة المواطن في دفع عجلة الإنجاز للوصول لمجتمعٍ حيويٍّ قويِّ الجذور متين البنيان يستند على قيم الإسلام المعتدل والانتماء والاعتزاز بالثقافة والتراث السعودي.

حيث تُعدُّ الثقافة جزءًا من التحوّل الوطني الذي تسير عليه بلادنا بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ووليِّ العهد صاحب السموِّ الملكيِّ الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- حيث تعمل وزارة الثقافة على المساهمة في تحقيق برنامج التحوّل الطموح الذي تعيشه المملكة العربيّة السعوديّة ضمن رؤية 2030، ويتمثّل هدفها في المساهمة في بناء مجتمعٍ حيوي، واقتصادٍ مزدهر، ووطنٍ طموح، بآليّاتٍ مُحكمةٍ وأساليبَ علميّةٍ مدروسةٍ تُمكّنُ القطاعّ الثقافيَّ في المملكة من السير مع الرؤية وترسيخ أقدامه في المجتمع حيث بدأ بتقديم نفسه في عالم الاستثمارات والسياحة من خلال الارتقاء بثقافة المجتمع وتعزيزها بالأنشطة والفعاليّات الثقافيّة والفنيّة فضلًا عن تبنّي المبدعين والمبدعات في الكثير من الفنون والثقافات، كما تنصُّ رسالة وزارة الثقافة على "تمكين وتشجيع القطاع السعودي بما يعكس حقيقة ماضينا العريق، ويساهم في سعينا نحو بناء مستقبلٍ يعتزُّ بالتراث ويفتح للعالم منافذَ جديدةً ومختلفةً للإبداع والتعبير بمختلف صوره؛ وصولًا لإثراءِ نمط حياة الفرد والمساهمة في تعزيز الهويّة الوطنيّة."

كما أطلقت الوزارة رؤيتها وتوجُّهاتها كوثيقةٍ تجسّدُ طموحاتها وتعكس أهدافها المتمثّلةَ في الثقافة كأسلوب حياةٍ والثقافة من أجل النموِّ الاقتصادي والثقافي لتعزيز مكانة المملكة الدولية. ومن هنا نتطرّق لآفاق السياحة الثقافيّة التي تهتم بثقافة الدولة ونمط حياة الناس، كما تتمثّل في أصول العمارة والفنِّ مما يدفع السُّيَّاحَ إلى التنقّل بين مناطق الجذب الثقافي خارج مكان إقامتهم، وذلك لجمع المعلومات وتلقّي التجارب الجديدة التي تُنمّي احتياجهم المعرفيَّ حيث كان الاهتمام بالقطاع السياحي بجميع جوانبه الهدفَ الأوّل من إنشاء وزارة السياحة في السعوديّة. ومنذ اللحظة الأوّلى على مبدأ اعتبارها حسب موقعها وطبيعتها الجغرافية أثمن إرثٍ تراثيٍّ وذلك بتنظيمها وتنميتها وترويجها معتمدةً على عوامل ومقوّمات هائلة تتمتّع بها المملكة مثل الكنوز الأثريّة والمواقع التاريخيّة النادرة التي تنتمي إلى عصورٍ وحضاراتٍ متعدّدةٍ على مرِّ الزمان فضلًا عن موقع المملكة الجغرافي المتميّز بمساحاته الواسعة وتضاريسه المتباينة ومناخه المتنوّع مع تعدّد الشواطئ بين البحر الأحمر والخليج العربي وما بينهما من تنوّعٍ واختلافٍ جاذبٍ للسائحين المتعطشين لمزيدٍ من الثقافة العلميّة والفنيّة.

وبينما أصبحت الثقافة والفنون أكثر تأثيرًا وفعاليّةً في الوجود الاجتماعي فإنّي قد توصّلتُ إلى قناعةٍ بأنّه إن لم يكن الفنُّ والثقافة أخوَيْنِ فإنّه من المؤكّد أنَّ الفنَّ جزءٌ لا ينفصل عن الثقافة وقد يكون الابنَ الشرعيَّ المنسيَّ لها؛ فالهويّةُ الفنيّةُ والإبداعيّة بشكلٍ عامٍّ هي المنطق الأساسيُّ للتعدّد الثقافيِّ المرتبط بالعادات الإنسانيّة والحضاريّة؛ فمع اختلاف حضاراتنا العربيّة منها والغربيّة تجمعنا دائمًا لغةٌ فريدةٌ وهي الثقافة والفنون.

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات