ماراثون القراءة الثقافي

وجدان الجريسي – مسار الأحساء
هذا المقال بقلم أحد المشاركين المتميزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي

تُعد الثَّقافة جزءًا أساسيًّا من التحوّل الوطني الطموح الذي تسير عليه المملكة العربيّة السعوديّة، فرؤية المملكة 2030 تَنُصُّ على أنَّ (الثقافة من مقوّمات جودة الحياة).

وحكومتنا حريصةٌ على زيادة الوعي الثقافي لأنّها علمت جيّدًا أنَّ صلاح الشعوب وتميّزها ينبع من جودة فكر أفرادها؛ لذلك عملت على تشجيع القطاع الثقافي مع الاعتزاز بالإرث الأصيل فأنشأت وزارةً تحت مسمّى (وزارة الثقافة) بقيادة الأمير الشابِّ: بدر بن عبد الله آل سعود. وتندرج تحت هذه الوزارةِ الكثير من المبادرات والمعارض والمسابقات، وحثّت بل وساندت الهواة والمحترفين، وخلقت الفرص للجميع، وبثّت عزمًا قويًّا رائعًا سيبني لنا بإذن الله وطنًا مجيدًا وبلدًا رشيدا.

تكمن القيادة القويّة في يد الجديرين بها، وحين يتولّى قيادة هذا الركب وهذه الرؤية شخصيّةٌ متّزنةٌ وقادرةٌ ممثّلةً بسموِّ وليِّ عهدنا محمد بن سلمان؛ فنحن نرى حينها رجلًا يخلُق أبعادًا كانت غير ممكنة، ويفتحُ ويُتيحُ لنا فضاءاتٍ شاسعة، ويضع قواعد بنّاءة، ويصنع هممًا تعانق السماء وشعبًا يتفجّر بالقدرات والمواهب، مذلِّلًا الصعاب وميسّرًا العسير بإذن الله وتوفيقه سبحانه.

"إنَّ الكتب ليست أكوامًا من الورق الميّت، إنّها عقولٌ تعيش على الأرفف" غليبرتهايت. 

نعم نحن نستقي من الكثير من الكتَّاب حصيلة ونتاج ثقافاتهم، والمحصّل التامَّ لفكرهم، وحين تقرأ لعشرة كُتَّابٍ رائعين؛ فأنت تُضيف لذاتك خبرةً عظيمة، فالإنسان يتعلّم بطريقتين: القراءة، ومصاحبة الأذكياء. وأنت تعلم جيّدًا مدى اتساع مداركك العقليّة والفكريّة والثقافيّة حين تقرأ كتابًا جيّدًا. 

كيف أقرأ؟ هذا أوّل الأسئلة التي يجب أن تطرحها على نفسك. وكثيرٌ من الذين يقرأون لا يصِلون إلى مرحلة الوعي العقلي المأمول؛ إمّا لعدم اختيارهم لكتابٍ يناسب ميولهم، أو لأنّهم لم يتعرّفوا على الطريقة الصحيحة للقراءة التي تناسبهم وتتناسب مع الكتاب المطروح أمامهم. فلابدَّ أن تعيَ أنَّ هناك أنواعًا كثيرةً للقراءة: فهناك قراءةٌ سريعة وهناك قراءةٌ تأمليّة وهناك القراءة النقديّة والفاحصة وغيرها من الأنواع.

ثمَّ تعرّف على نوعيّة كتابك ونوعيّة القراءة المناسبة التي تتلاءم معه ومعك أنت أيضًا، فقراءة كتابٍ جيّدٍ ثلاثَ مرّاتٍ بهدوءٍ وتركيز؛ أنفع من قراءة ثلاثةِ كتبٍ بشتات ذهنٍ وانشغالِ بال، وتذكّر جيّدًا، أنَّ الذين يعرفون كيف يقرأون هم الذين يعرفون كيف يقودون المجتمع من حولهم.

ولا تنسَ أنَّ القارئ الجيّد لا بد أنْ تكون له أهدافٌ واضحةٌ وأن يجاهد نفسه كي يستوعب ما يقرأه، وعليه أن يدوِّنَ الفوائد والفرائد، وأن يناقش الأسئلة وأن يضع لها إجاباتٍ منطقيّة؛ فالقارئ الجيّد يقرأ ليُقوّم سلوكه، أو ليُنمّي عادةً حسنة، أو يُضيفَ لمجتمعه قيمًا راسخةً متزنة.

لماذا أقرأ؟ أعد السؤال على نفسك، تأمّله، وفكّر فيه، والآن كرّر المحاولة: فكِّر، أبدع، ثم طوِّر عقلك ووسِّعْ مداركك، وستجد نفسك تجيب على تساؤلك بسؤالٍ أصحَّ وأولى منه: لماذا لا أقرأ؟!

نعم لماذا لا تقرأ؟ وأنت تعلم أنَّ القراءة تُضيف وتُعطي وتمنح المنَحَ الجليلةَ الجميلة، وذلك حين تشعر أنّك تكبُر فِكرًا وعلمًا مع كلِّ حرفٍ تقرأه، وتسمو عاليًا مع كلِّ كتابٍ تُنهيه.

اقرأ فأنت تُنجِزُ تجربةً وتُحقّقُ مجدًا، اقرأ فالقراءة زادٌ والعقل ينمو ويتسع بمقدار ما تُغذّيه به من معارف، اقرأ كي تستمتع بحياتك، وتسمو بذائقتك، وتلتقي مع أقرانك، اقرأ امتثالًا لأمر خالقك: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)" سورة العلق.

قد تسألُ نفسَك: أأقرأُ كتابًا ورقيًّا أم أستمع لكتابٍ صوتي؟ ما الذي تميلُ له نفسُكَ وتستهويه روحُك؟ المهم أن تكون مستمتعًا في ذلك. تنقّل بين الكتب الورقية فلها رائحةٌ جميلةٌ تشبه العطر الذي يباغتك من بعيد، يأسرك ولا تجد له اسمًا، إنَّ كتابًا بين يديك يشبه طفلك الأوّل حين تحمله، يلتقط روحك من أعماقك ويلامس فيك شيئًا لا يمكن لأحدٍ أن يصل إليه. استمع لشخص يقرأ عليك، فبعض الحديث يثبُت في العقل أكثر إن كان مسموعًا. المهم أن تصل للغاية المرادة، سواء كان الكتاب ورقيًّا أو صوتيًّا؛ فالمقصودُ أن تستمتع ومن ثمّ أن تستفيد.

مللتُ من القراءة كيف أعود؟ حدّد ميولك ولا تُجبر نفسك على ما لا تستسيغه، فالكتاب الذي يستميل غيرك ويتصدّر قائمة الأفضل مبيعًا لن يروق لك بالضرورة. وحال الملل والانزعاج الشديد فقد يكون من الملائم أن تنتقل لكتابٍ آخر، وجرِّبْ القراءة التنافسيّة مع أصدقائك، وابحث عن صديقٍ شغوفٍ بالقراءة، وإن لم تجد فكوّن علاقاتٍ جديدةً مع قرّاء مختلفين.

اقرأ ضمن مجموعة، تناولوا كتابًا، واقرأوا جزءًا محدّدًا سويًّا ثمّ توقّفوا، ناقشوا متنَهُ وتشاركوا الآراء عنه، ودوّنو إن شئتم ملحوظاتكم ومرئيّاتكم حوله. فكثيرٌ من العلم يضيع بسبب عدم التدوين، وكثيرٌ من الأفكار والنجاحات تبدأ بفكرةٍ دُوِّنت في حينها، ثمَّ رُوجعت وعُمل بها. لا تنسَ: جرّب، شارك، ناقش، دوّن. حفزّ نفسك، واصنع لذاتك حيّزًا جميلًا، خصِّص مكانًا للقراءة، ولا تستصغر الفكرة، جرّبها وسترى تأثيرها في رفع همتك للقراءة وتقوية دوافعك.

لا تقل: لقد مللت، فأنا أقرأ ولا أستفيد! أو: أنا أقرأ ولا يبقى في ذهني شيءٌ مما قرأت! أو: أنا أُعاود قراءة الكتاب مرّتين ولا أكتشف ذلك إلاَّ بعد مضيِّ جزءٍ ليس بالهيّن منه!

لا تجزع؛ فليس بالضرورة أن يبقى العائد على شكل ذاكرةٍ محفوظةٍ في ذهنك كما هي، ليس بالضرورة أن تسرد لنا الكتاب نصًّا مقروءًا، لسنا جميعًا أصحاب ذاكرةٍ قويّة، فالحفظ مَلَكةٌ وهِبةٌ ربانيّة خُصّ بها بعضنا، وخلال تجربتك القرائيّة ستبقى هناك تصوّراتٌ وتجارب تساعدك على الاستمراريّة، وسترى ذلك في تجربةٍ خضتًها سابقًا واكتشفت مدى ضحالتها، أو ردًّا كان باردًا وطفوليًّا واكتشفت مدى سخفه، ستجعلك القراءة قادرًا على بناء حواراتٍ رصينة في حين كنت سابقًا تتلعثم عند الحديث مع أحدهم، وستجعلك قادرًا على مواصلة كلامك ودعمه بحججٍ منطقيّةٍ وعلميّةٍ واضحةٍ بلا انقطاع، ستكون أكثر نضجًا، ثقةً، علمًا؛ فالقراءة تصنعك من الداخل وتجعل منك شخصًا مختلفًا، راسخًا، ذا قيمٍ وأسسٍ ثابتة. 

أخيرًا ضع في ذهنك أنَّ التغيير يحتاج إلى وقتٍ وبعضِ التجارب الفاشلة حتى تألفَ النجاحَ وتعتاد عليه. ستحتاج إلى وقتٍ طويلٍ من الممارسة حتى تصبح القراءة جزءًا من نظام حياتك، فاعزم وتوكل، وتذكّر مقولة فريدريك: بمجرّد أن تتعلّم القراءة، ستكون حرًّا للأبد، ولا تنسَ أن تسموَ عاليًا لتلتقط روحك المثابرة فتحلّقا معًا دون قيود، وردد: أنا أقرأ إذًا أنا موجود.

إنَّ الكتب غيّرت الكثير وأنقذت الأكثر وصنعت مجدًا لأممٍ وحضاراتٍ ما زالت باقيةً وأنا على يقينٍ أنّها ستسمو بك أنت أيضًا وستصنع لك مجدًا منقطع النظير، وعلى قدر طموحك تكون الأمنيات، ردِّدْ دائمًا ما قاله المتنبي:

عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ

وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ

وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها

وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات