مهارات المستقبل: الذكاء العاطفيّ

بشاير قشار – مسار الأحساء
هذا المقال بقلم أحد المشاركين المتميزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي.

في كل مرّةٍ تُذكر فيها مهارات المستقبل يتبادر إلى أذهاننا الذكاء الاصطناعي، التكنولوجيا، التعلّم النّشط والتعلّم الاستراتيجي، التفكير والتحليل الإبداعي، تحليل النظم وتقييمها، أو بشكلٍ عام المهارات التقنيّة. ولكنَّ هناك جانبًا آخر من جوانب المهارات وهي المهارات الحياتية أو ما تُسمّى بالمهارات الناعمة وهي لا تقل أهمية عن غيرها وأهمها الذكاء العاطفيّ لما له من مكانةٍ مركزية في جميع جوانب حياتنا.

هناك أنواعٌ عديدة للذكاء، كالذكاء المنطقيِّ والذكاء اللغويِّ، والذكاء البيئيِّ وغيرها. واليوم سوف نتحدث عن الذكاء العاطفيّ كمهارةٍ مطلوبةٍ في المستقبّل. وعندما نذكر كلمة ذكاء أو نقول إنَّ فلانًا يتمتّع بذكاءٍ عالٍ؛ فنحن نتحدث عن الذكاء المنطقي أو الذكاء الرياضي أو درجة معدل ال IQ وهو المقياس العالمي للذكاء، ويُقاس باختبار من عدة أسئلة تختبر القدرات الذهنيّة. وعلى سبيل المثال فعالِمُ الفيزياء الألمانيّ الشهير آلبرت آينشتاين بلغ معدل ذكائه بين160 و190بينما يبلغ معدل ذكاء الإنسان العادي بين 100و130.

كما يوجد نوع ذكاء آخر لا يقلُّ أهميّةً عن النوع الأول وهو الذكاء العاطفيّ ويرمز له EI أو  EQوقد أصبحت له أهميّة كبرى بحيث قُرّرت له اختبارات عالميّة وتُحدّد النّسبة من خلال عدّة أسئلةٍ تقيس قدرة الشخص على فهمه لمشاعره، ومشاعر الآخرين، وإدارة النّفس، والعلاقات. عرّف الباحث أبراهام الذكاء العاطفيّ على أنّه قدرة الانسان على استخدام المعرفة الانفعاليّة من أجل حلِّ المشاكل، وذلك باستخدام الانفعالات الإيجابيّة، كما أوضح أنَّ الذكاء العاطفيّ مجموعةٌ من المهارات التي تتميز بالدقة في تصحيح المشاعر الشخصيّة وتدقيقها، واكتشاف المشاعر الانفعالية لدى الأشخاص الآخرين حتى تُستخدم من أجل الإنجاز، والدافعيّة في حياة الإنسان.

هل تساءلت يومًا، لماذا يتعثّر بالحياة من يملكون ذكاءً عاليًا وشهاداتٍ عُليا بينما يحقّق آخرون من ذوي الذكاء والتعليم المتواضع نجاحًا مبهرًا؟ 

السرُّ يكمن في امتلاكهم ذكاءً عاطفيًا يتمثّل في وعيهم الذاتيِّ وإدراكهم لمشاعرهم ومشاعر الآخرين والقدرة على فهم من حولهم والاستماع إليهم فالإنسان بطبعه يميل إلى من يفهمه فتراه يقدّم لك كلَّ ما يملك بمجرد شعوره أنّك فهمته وعرفت احتياجه.

وقد لخّص دانيل غولمان مكونات الذكاء العاطفيّ في كتابه (الذكاء العاطفيّ):

  1. الوعي الذاتي.
  2. التحكّم في المشاعر.
  3. التحفيز الذاتي.
  4. إدراك مشاعر الآخرين.
  5. التحكّم بالعلاقات.

عادةً في مقابلات العمل بعد السؤال عن الشهادات والخبرات، تُطرح على المتقدّم أسئلة يُراد منها قياس قدرته على التعامل مع المواقف والأشخاص من خلال وضع أمثلة مرتبطة بالحياة الواقعيّة ليُجيب عليها، وفي الغالب تكون الأسئلة من نوع: ماذا لو حصل معك؟ وكيف سيكون تصرّفك؟ وفي أوقاتٍ أخرى يتعمّد أصحاب العمل إثارة غضب المتقدم على الوظيفة ليروا قدرته على التعامل مع الغضب ومع من هم أعلى منه منصبًا.

يؤثّر الذكاء العاطفيّ على كفاءة الشركات والمؤسّسات بشكل إيجابي من خلال العلاقات الإيجابية بين الموظفين بحيث تكون بيئة العمل صحية ومحفزة وعلى عكس ذلك إذا كان الأفراد لا يتمتعون بقدرٍ كافٍ من الذكاء العاطفيّ فسيكون هناك اضطراب وقلق، مما يؤدّي إلى بطء العمل أو النفور منه.

إنَّ الموظّف الذي يمتلك ذكاءً عاطفيًّا تكون حياته مستقرّة حتى خارج إطار العمل، وهذا يعود بالنفع لمكان عمله بحيث يكون لديه استقرارٌ نفسي يجعل منه موظفًا متميّزًا ومعطاءً ويقدّم أفضل ما لديه.

ومن المعلوم أنَّ هناك علاقةً بين الذكاء العاطفيّ والقيادة الناجحة، فقد أثبتت الدراسات أن الذكاء العاطفيّ يمثّل 85% من أسباب الأداء المرتفع للأفراد القياديين، فالقادة هم الأشخاص الذين يعرفون كيفية تحقيق الأهداف وإلهام الناس على طول الطريق.

صفات القائد المؤثر:

  1. مدرك لذاته وإمكانيّاته. 
  2. لديه معرفة بأعضاء الفريق وطاقاتهم.
  3. لديه القدرة على أن يكون قدوة.
  4. متواصل جيّد.
  5. شفّاف ومتواضع. 
  6. واضح الأهداف. 

كل هذه الصفات تأتي تحت الذكاء العاطفيّ "فالقيادة شكل من أشكال التفاعل الاجتماعي بين القائد وأتباعه، كما أنه سلوكٌ يقوم به القائد للمساعدة على بلوغ أهداف الجماعة وتحريكها نحو هذه الأهداف، وتحسين التفاعل الاجتماعي بين الأعضاء والحفاظ على تماسك الجماعة.

ولما كانت القيادة تفاعلًا بين طرفين، طرف فردي وهو القائد، وطرف جماعي وهم الأتباع؛ فإنَّ فهم الآخر والتعامل معه عنصر ضروري في تحقيق فاعلية التواصل وهذا هو أساس عمل الذكاء العاطفيّ". (بظاظو،2010، ص .19،20) 

ولو تأمّلنا جائحة كورونا وكيفية التعامل معها، لرأينا أنَّ الدول التي يتمتّع قادتها بذكاءٍ عاطفيٍّ استطاعت أن تنجح في التعامل معها، فالقائد الذكي عاطفيًا باستطاعته أن يصل للشعب.

إنَّ العلاقات هامّة جدًّا في حياة الإنسان، فقد خُلق الإنسان بطبيعةٍ اجتماعيّة ولا يستطيع أحدٌ منّا العيش في عزلةٍ عن الآخرين. لذلك من المهمِّ أنْ تكون لديك علاقات جيّدة مع كثيرٍ من النّاس، ولكنَّ هذه العلاقات تحتاج إلى مهارات علينا إتقانها، ومن أهمِّها مهارات الاتصال وهناك أنواع من الاتصال كالاتصال اللفظي وغير اللفظي والكتابي والصوتي والمرئي، ومع التطوّر التقني أصبح التواصل يحمل أشكالًا عديدة وطرقًا متنوّعة فالإنسان الذكي يعرف كيف يستغلُّ الفرصة ويجعل هذا التطوّر في صالحه.

في العالم المتسارع الذي نعيش فيه ومع التغيّرات التي تحدث كلَّ يومٍ يحتاج الإنسان إلى أن يكون أقوى وأكثر وعيًا بذاته وبمشاعر الآخرين، حتى يتأقلم مع المتغيرات ويتخطّى الصعاب، فالذكي عاطفيًّا يدرك أنَّ التغيير سواءً كان على المستوى الشخصي أو المهني من سمات التطوّر، كما يجعل الشخص أكثر قدرةً على مواجهة المشاعر المصاحِبة للتغيير كالخوف والقلق والتوتر، وكلُّ هذه مشاعر طبيعيّة والفرق يكمن في طريقة التعامل معها.

يتمتع الشخص الذكي عاطفيًّا بصحّةٍ نفسية وجسدية جيدة لقدرته على التعامل مع الغضب والتوتر والمتغيرات الداخلية والخارجية، فهناك ارتباطٌ وثيق بين الصحة النفسية والجسدية لذلك فإنَّ أوّل ما ينصح به الطبيب المرضى هو الراحة والابتعاد عن مسبّبات القلق، فمرض القولون العصبي من أحد أسبابه الغضب والمشاكل النفسية، وكلما كان الشخص قادرًا على كبت غضبه والتعامل معه بشكلٍ ملائمٍ كلّما كان أقلَّ عرضةً للأمراض، وكما قال رسول الله صل الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصُرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب."

وأخيرًا هل الذكاء العاطفيّ شيءٌ يمكن تعلّمه؟ نقول نعم، تستطيع تنمية وتطوير ذكائك العاطفيّ من خلال عدّة طرقٍ كالحضور الذهني وملاحظة تصرفاتك، ومراقبة المواقف التي تحدث حولك، والتأمّل وتمارين اليوغا، وحضور دورات وجلسات للمختصين بالمجال.

ختامًا، الذكاء العاطفيّ يلعب دورًا أساسيًا في حياة الإنسان من جميع النواحي، سواء كانت حياته الشخصية أو العملية أو الاجتماعية، وكلُّ إنسانٍ يحتاج إلى تنمية هذا الجانب ليتسنى له الوصول لأهدافه، العالم اليوم يتجه نحو الفهم والوئام وأصبح الناس على وعيٍ أكبر بالاحتياجات النفسية والفكرية، لذلك يجب على كلِّ شخص تنمية الذكاء العاطفيّ لديه.

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات