تجربتي مع مسك

حسين الحاجي
مدرباً لرواد الأعمال والأسر المنتجة على التحول إلى التجارة الإلكترونية في شركة نون للتسويق الرقمي - برنامج "نون محلّي". مشرف تعليمي في كورس التسويق الرقمي ضمن برنامج ( مسك – يوداستي) التدريبي. كاتب محتوى نصّي عربي مستقل (عمل حر). مدرب معتمد من قوقل للتعليم.

من المواد المدرسية التي كنت أحقق فيها تميزاً ملحوظاً كانت مادة التعبير، كان النص الذي أكتبه عادةً ما ينال التفاتة المعلم واهتمامه وتصويباته بالطبع، إذ تعكس المخرجات اهتماماً من نوع خاص بالكتابة ومحاولات للقفز فوق مستوى الكتابة المألوف، محاولات لإجادة التعبير وتجميل النص والحفر في أعماق الفكرة المطروحة (طبعاً بمستوى يتناسب قياساً مع التجربة المحدودة والسطحية في مرحلة الطفولة): من الفكرة مروراً بالصياغة وتقسيم العبارات والمقاطع وتحليتها بالعلامات الرقمية، إلى التدقيق اللغوي والنحوي. هذا الشغف بالكتابة والعلاقة الأزلية الأبدية بين القلم والورقة لازمني إلى المراحل المتقدمة، فالورقة البيضاء التي بين يديّ هي مرآة يمكنها أن تعكس ذاتي للعالَم إن أتقنت نقشها بحروف دقيقة، وكلمات بليغة، وصياغات مدروسة!

قد تكون تلك هي جذور بدايتي في العمل الحر، تطوّرت إلى التدوين الطويل والقصير في عالم التواصل الاجتماعي، مع تجربة أثبتت كفاءتها في التحرير الصحفي لعدة سنوات، تجارب بعضها متصل وآخر متقطّع لكنها بالمجمل حفظت مرونة المهارة بالممارسة المتكررة حتى ازدهار فرص العمل الحر وتحديداً عبر الإنترنت والتي يمكن اعتبارها انطلاقة مرحلة مختلفة في تسخير الهواية لتحقيق مصدر دخل جيد بالإضافة إلى تطوّر مهني في مجال خصب ومليء بالفرص.

مارست العمل الحر من خلال كتابة المحتوى، وربما بإجراء بحث بسيط في الإنترنت باستخدام كلمة (كتابة محتوى) في أي منصة مهنيّة ووظيفيّة ستنسدل للباحث نتائج لا منتهية من فرص العمل في مجال كتابة المحتوى بمختلف أنواعها: دوام كامل، دوام جزئي، بالعقود، وبالعمل الحر – المستقل، أيضاً. تنقّلت بي التجارب في هذا الميدان بين مختلف المهام: كتابة وتحرير وتعديل وإعادة صياغة وتدقيق لغوي وإملائي، وبمختلف القوالب النصيّة: مواد صحفية ، قصص أدبية ونصوص كتب ومقالات، ومحتوى مواقع إلكترونية وملفات تعريف وحسابات تواصل اجتماعي، إلى آخر احتياجات الأعمال.

التحقت ببرامج كثيرة من مبادرات مسك منذ العام 2018 وكلها كانت لها بصمتها المؤثرة في مسيرتي المهنيّة، ومن هذه البرامج:

 -برامج "مسك – يوداستي" (التسويق الرقمي + تحليلات الأعمال + التحليلات التنبوئية)

-برنامج مسك طريق المستقبل

-برنامج "مسك – جنرال أسمبلي" (التسويق الرقمي)

-برنامج "مسك – بلومبيرغ" للصحافة المالية، في مقر صحيفة بلومبيرغ في دبي

-برامج "مسك – كورسيرا" ( 6 سيجما + القيادة في العصر الحديث)

-برنامج صناع المستقبل

كما شهدت منتدى مسك العالمي حضورياً لعامين على التوالي مع حضور النسخة الإلكترونية من المنتدى في العام الثالث مع فعاليات أخرى كحكايا مسك.  مع ارتباطي عبر منصة يوداستي ببرامج "مسك – يوداستي" كمشرف تعليمي لطلاب أكاديمية مسك في كورس التسويق الرقمي منذ العام 2018 وحتى الآن.

في المملكة، ولله الحمد، هناك إرادة لدى أعلى مستويات صناعة القرار في مجال الأعمال والوظائف والتطوير المهني لدعم سوق العمل الحر، وقناعة بمدى النجاحات الممكنة عبر هذا الميدان الذي أصبح مرناً جداً ومثمراً مع تطور البنية التحتية الرقمية التي تحولت إلى منصة عمل يلتقي خلالها المستقل مع المستفيد وتنجز من خلالها الأعمال والمشاريع. نعم وبكل تأكيد، للعمل الحر في المملكة العربية السعودية مستقبل باهر، وبرامج دعم لا تتوقف (كمنصة بحر للمستقلين التابعة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، والتمويل التنموي لدعم مشاريع العمل الحر المقدم من بنك التنمية الاجتماعية) ولا شك عندي أن المستقبل يعد بالكثير من هذه المبادرات النوعية والتي تهدف إلى تمكين الشباب لاستثمار مواهبهم وهواياتهم وحتى أوقاتهم لتحقيق دخل مادي مجزٍ مع بناء سيرة مهنيّة ناجحة ومن وقت مبكّر. ونعم وبكل تأكيد أنصح بالتوجه لميدان العمل الحر ولو لتحقيق دخل إضافي في حال كان هناك مصدر دخل أساسي آخر، وكلما كان دخول ميدان العمل الحر مبكراً كلما كانت التجربة أكثر عمقاً ورسوخاً وكلما وجدت المهارة وقتاً أطول لتنضج وتصقل وتبرع وتتمرّس.

مع انتشار ثقافة العمل الحر، وقناعة قطاع كبير من المستفيدين (أفراداً وكيانات) بالاستفادة من مهارات المستقلين في مشاريعهم، وتوفر عدة منصات إلكترونية للباحثين عن الفرص والمشاريع، أصبح من التسويف الانتظار لشهور عدة بحثاً عن وظيفة ما دون محاولة استغلال الموارد المتاحة لتأسيس مشروع في قطاع العمل الحر، فالوقت بحد ذاته مورد يجب استغلاله واستثماره بجانب المهارات والهوايات والمواهب، كما أن كثيراً من مشاريع العمل الحر لا تتطلب رأسمال مادي للدخول في هذا العالم والاستثمار فيه.

ولو شئت الحديث عن أجمل قيمة يضيفها العمل الحر للمستقل، فهي أن اسم المستقل الشخصي يتحول مع الاستمرار والاحتراف وكثرة الأعمال المميزة إلى أشبه بالعلامة التجارية، ويصبح الاسم الشخصي الذي يختزل في جوفه العديد من المعاني والقيم والسمعة المهنيّة والمهارية، منجماً يرفد صاحبه بالفرص الخلّاقة على الدوام.

هل يخلو الأمر من صعوبات ؟ إطلاقاً. كأي نشاط تجاري ومهنّي واستثماري، نعم هناك مزايا ومكتسبات وفوائد، وكذلك هناك على الجانب الآخر التزامات وربما صعوبات. وبجانب المهارة التي يستثمرها المستقل، سيحتاج إلى مهارات أخرى تضعه على السكّة وتنطلق به في مسيرة متّزنة. فعلى سبيل المثال: إدارة الوقت بين العمل الرسمي والعمل الحر (عند الجمع بينهما) لإنهاء المشاريع في وقتها المحدد، والموازنة بين المشاريع التي يتصدى لها المستقل دون الإكثار الذي يعيق الإتقان والجودة والالتزام بالمواعيد، ومهارة التسعير الصحيح الذي لا يبخس ثمن الخدمة ولا يبالغ بها وأيضاً لا يتسبب في خسارة الفرصة. مهارة التفاوض والتواصل مع المستفيدين بجانب التسويق وبناء العلامة التجارية والوعي بتجربة العميل والعناية بالجودة الفائقة في العمل إضافة إلى التعامل الإيجابي مع ملاحظات المستفيدين وتقبل النقد والتصحيح. كلها دعامات أساسية تضمن للمستقل نجاح مشروعه واستقامة مسيرته.

دائماً ما كنت أقول في الدورات التدريبية وحتى في الأحاديث الودّية مع الأصحاب والزملاء،(نصيحتي) كل من لا يجد في نفسه مهارة معينة ليستثمرها في مجال العمل الحر فعليه أن يجرب الدخول على كل منصات العمل الحر على الإنترنت ويستعرض المهارات التي يستثمرها المستقلون الآخرون، والمشاريع التي يطرحها المستفيديون والخدمات التي يطلبونها. فحين ترى السوق على أرض الواقع ستتخيل مبدئياً كيف يمكن أن تموضع نفسك فيه كمقدم خدمة، قد توحي لك التجارب والعروض والمشاريع بما يمكنك تقديمه الآن أو بما يمكنك تعلّمه على الأقل ثم إتقانه لتصبح مقدم خدمة مستقل من خلاله. تقريباً: كل المهارات والهوايات والمواهب والحِرف، التقنية وغير التقنية، من الممكن أن تكون مصدراً لمشروع عمل حر.

أنصح الجميع بالبداية المبكرة بتأسيس أي مشروع في مجال العمل الحر وبناء ملف شخصي متكامل من المشاريع والخبرات المتراكمة، فالسمعة المهنية في هذا المجال -كأي مشروع تجاري واستثماري آخر- تبنى على مدى وقت طويل وصبر وتأنٍ وممارسة دؤوبة، لـ(تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها).

 

المؤلف
مدرب التجارة الإلكترونية والعمل الحر عبر الإنترنت

إضاءات ذات صلة

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات