الشخصية الانطوائية ومهارة القيادة

جمانة المزيني – مسار الجوف
هذا المقال بقلم أحد المشاركين المتميزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي.

هل بإمكان الانطوائي أن يصبح قائدًا؟ من هم الانطوائيون؟ هل صفة القيادة مقتصرة على الاجتماعيين فقط؟ وماهي أبرز صفاتهم؟

هذه الأسئلة تصولُ في ذهنك الآن وتجول، وأستطيع القول بأن كثيرين يلتبس عليهم مفهوم الانطوائية فيظنون أن الانطوائي شخص لا يستطيع الخروج من عزلته ولا يختلط أبدًا بمن حوله ولا يستطيع تولي المناصب الإدارية أو القيادية. ولعلك تتساءل كذلك من هم الانطوائيون؟ إنهم الأشخاص الذين يستمدون طاقتهم من وحدتهم، حسب سوزان كَين، التي تحولت من محامية إلى كاتبة ذائعة الصيت، في كتابها "هدوء" عام 2012، كان عالم النفس كارل جونغ أول من عرّف شخصية الانطوائي والشخص المنفتح عام 1921، وقال إن الشخص المنفتح يستمد طاقته من العالم الخارجي، أما الانطوائي فإنه يستمد هذه الطاقة من قرارة نفسه.

لكن ماذا عن العمل في مراكز إدارية قيادية؟ في أيامنا هذه، يبدو أن المراكز الإدارية العليا تتطلب تبادل الأحاديث الطويلة والودية مع العملاء وإجراء مناقشات طويلة وممتعة، فهل يمكن للانطوائيين أن يشغلوا مراكز إدارية قيادية؟

يُعدُّ دوغ كونانت خير مثال على إمكانية حدوث ذلك، فهو أمريكي يشغل منصب المدير التنفيذي لشركة "حساء كامبل" ورئيس شركة "نابيسكو للأغذية" والرئيس الحالي لمعهد كيلوغ للقيادة التنفيذية. وقد اعترف كونانت بأنه شخص منطوٍ على نفسه، فليس من الضروري أو اللازم أن الشخص الهادئ المولع بالتأمل يجب أن يجلس بمفرده في أحد زوايا المكتب بعيدا عن الناس.

يقول كونانت: "كوني منطويًّا على نفسي كان بمثابة تحدٍّ حقيقيٍّ طيلة مسيرتي المهنية، حيث يميل العالم من حولك، بشكل واضح للعيان، إلى تفضيل الاجتماعيين والمتحدثين، أما أنا فأفضل الجلوس بالخلف والتأمل والبحث عن الفرصة المناسبة للتعليق والتواصل مع الآخرين."

كذلك بعض المدراء ذوي المراكز العالية مثل بيل غيتس ومارك زوكربيرغ، صرحوا بأنهم انطوائيون. 

كما أن هناك مقابلة أجراها رئيس قسم التعلم في IMPACT كريس دوبري حول كونه قائدًا انطوائيًا ومهارات القيادة التي يتمتع بها، فصرّح خلال المقابلة عن رأيه بأنه لا يعتقد أن الانطوائي أو المنفتح هو من يجعلك جيدًا أو سيئًا كقائد. وفي المقابل يعتقد كريس أن الانطوائيين باختلاف أنماطهم وتعدد شخصياتهم يمثلون مناهج مختلفة.

ويقول كذلك: أعتقد أننا كثيرًا ما ننظر إلى الانطوائيين ونعتقد أن معنى الانطوائية الرغبة في الابتعاد عن الآخرين قدر الإمكان، وفي الحقيقة فإن مخالطة الناس والاجتماع بهم يتطلب الكثير من الطاقة بالنسبة لي للقيام بذلك. أحتاج إلى وقت أكون فيه بمفردي لإعادة الشحن، بينما أعتقد أن المنفتحين يحصلون على طاقتهم من التواجد أمام حشد من الناس.

بدأ الافتراض بأن الشخصية الهادئة تنتج مديرًا ضعيفًا يتغير، فالكثير من ذوي المراكز الإدارية العليا قد اعترفوا بأنهم انطوائيون. وفي كتاب (الهدوء: قوة الانطوائيين في عالم لا يتوقف عن الكلام) كتبت سوزان كاين: "إذا كنت تبحث عن الإبداع، فاطلب من موظفيك حل المشكلات بمفردهم قبل مشاركة أفكارهم. وإذا كنت تريد حكمة الجمهور، فاجمعها إلكترونيًا، أو كتابيًا، وتأكد من أن الناس لا يمكنهم رؤية أفكار بعضهم البعض حتى تتاح الفرصة للجميع للمساهمة. إن الاتصال وجهًا لوجه ضروري لأنه يبني الثقة، لكن ديناميكيات المجموعة تحتوي على عوائق لا مفر منها للتفكير الإبداعي. فعليك ترتيب الناس للحصول على تفاعل جيّد في مجموعات صغيرة غير رسمية. وإذا كانت لديك قوة عمل استباقية، فتذكر أنها قد تُؤدّى بشكل أفضل في ظل قائد منطوٍ مقارنة بقائد منفتح أو يتمتع بشخصية جذابة."

وتطرق الكاتب عبد اللطيف القرين لهذه النقطة في كتابه (هارون أخي)، وهو نسخة مبسطة من كتاب الهدوء (Quiet)، للباحثة سوزان كين، يهدم الكاتب فيه بعض الاعتقادات الخاطئة عن الشخصية الانطوائية، ومن أبرزها أن الانطوائيين غير قادرين على التحدث والقيادة والإدارة والدفاع عن حقوقهم، أو طرح اقتباسات عن شخصيات عظيمة قيادية.

تقول سوزان كين: "يمكنني القول إن هناك أشخاصًا اجتماعيين أو انطوائيين مئة بالمئة لكنهم مجانين وليسوا أصحاء".

ويقول غازي القصيبي: "عندما أُصاب بالحمى وأبقى في منزلي ولا ألتقي أحدًا أكون أسعد الناس". أمّا غاندي فيعبر على طريقته: "إن انطوائيتي كالغشاء الذي جعلني أنمو بشكل أفضل".

خمسة أسباب قد تجعل من الشخص الانطوائي قائدًا عظيمًا:

  • يُصغي الانطوائيون أكثر مما يتكلمون:

يُصغي القادة العظماء إلى ما يقوله فريقهم وعملاؤهم؛ حيث يكتشفون المشكلات التي يواجهونها، ويضعون حلولًا تساعدهم؛ فيمكن للانطوائيين أن يكونوا قادةً عظماء؛ ذلك لأنَّهم بفطرتهم يُصغون أكثر مما يتحدثون، فهم يمتلكون الصبر للإصغاء وجمع المعلومات الثمينة من المتحدثين الآخرين ريثما يأتي دورهم في الكلام.

  • مُتابعون رائعون:

يعد القادة العظماء مُتابعين عظيمين أيضًا؛ فهم يشعرون بالتعاطف مع مرؤوسيهم ويتفهمونهم، ويعرفون كل ما هو هام بالنسبة إليهم ويفهمون طريقة خدمتهم.

  • يخصِّص الانطوائيون وقتًا للتفكير:

يتخذ القادة العظماء قرارات جيدة ويفوِّضون المهام على نحو جيد، فهم يفكرون على الأمد الطويل ويحددون مسارًا واضحًا ليتبعهم الناس من خلاله.

  • أقل انفعالًا:

يُظهر القادة العظماء الثقة، فهم ليسوا متسرعين في اتخاذ الإجراءات، ويركزون على أهدافهم العامة وعلى أهداف الناس.

فيمكن أن يكون الانطوائيون قادةً عظماء؛ ذلك لأنَّهم لا يستجيبون مباشرة، ويفكرون فيما يقوله الآخرون قبل أن يتفاعلوا معهم، ويحافظون على هدوئهم خلال لحظات التوتر الشديد؛ ولذل فهم أقل عرضة لاتخاذ إجراءات متهورة وخطيرة من شأنها إلحاق الضرر بأفرادهم أو مؤسساتهم.

  • أقوياء ومرنون:

يمتلك القادة العظماء المرونة، فعندما تظهر الصعوبات يتعافون بسرعة ويَحلُّون الأزمات بكفاءة.

ونظراً لطبيعتهم الهادئة وحاجتهم إلى قضاء بعض الوقت بمفردهم، فقد نشأ معظمهم وقد أُسيءَ فهمه بأنَّه غير اجتماعي أو لا يحب الناس.

لقد ساعدهم سوء الفهم هذا، الذي رافقهم منذ الصغر على تطوير مرونتهم؛ لذلك ليس من السهل تثبيط عزيمتهم أو التأثير فيهم من قبل الأشخاص المعارضين لهم، كما أنَّهم قادرون على التعامل مع المواقف الصعبة باستمرار.

نستطيع القول هنا أنه لا يوجد شخص ١٠٠٪ انطوائي أو ١٠٠٪ منفتح، وقد تتغير السمات الشخصية في الشخص الواحد من مرحلة إلى أخرى خلال حياته، وعليه يتوجب على كل شخص أن يحدد نقاط القوة ونقاط الضعف لديه لينمي الأولى ويستغلها لتكييف وتحسين الثانية قدر المستطاع. 

كما أن الدراسات توصلت إلى أن نجاح الانطوائيين في القيادة لا يكمن في التشبه بالمنفتحين، بل بزيادة الثقة بأنفسهم والتركيز على نقاط القوة والمزايا الشخصية التي يتمتعون بها مع عدم بناء أحكام مسبقة عن قدراتهم القيادية والمبالغ في سلبيتها، فهي ليست إلا حواجز نفسية تمنع الانطوائيين من رؤية الحقيقة كاملة ألا وهي أنهم قادرون على القيادة مثلهم مثل المنفتحين.

وفي النهاية "فالجميع يستطيعون أن يكونوا عظماء مهما كانت شخصياتهم، بشرط أن يجيدوا التعامل معها، وذلك هو الذكاء الممتنع".

المراجع:

كيف تنجح مع القيادة الانطوائية [مقابلة]

سوزان كين: قوة الانطوائيين | TED TALK

إضاءات ذات صلة

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات