using MiskFoundation.BLL.Custom;

دور الوالدين في صناعة طفل قيادي

تناقش هذه المقالة دور الوالدين في تشكيل شخصية الطفل القيادي، من خلال تربية تدعم القيم مثل المبادرة، التفكير النقدي، وحل المشكلات وكيفية تقديم القدوة الحسنة، وتشجيع المسؤولية، وتعليم القيم الأخلاقية، لتكوين قائد صغير واثق وقادر على قيادة مستقبله.
 
 

"إن أهم مرحلة في حياة الإنسان لا تتمثل في الدراسات الجامعية، بل تتمثل في أولى مراحل الحياة التي تمتد من الولادة إلى سن السادسة" هذه واحدة من أهم اقتباسات الطَبيبَة والمُعَلِمة والفيلسوفة وعالِمة النفس الإيطالية ماريا مونتيسوري التي ركزت طوال حياتها على مساعدة الأطفال ذوي الإعاقات الذهنية معتبرة بذلك أن الإعاقة في أساسها تُمثّل مشكلة تربوية أكثر من كونها مشكلة طبية، فأسست منهجًا بعد ذلك يحمل اسمها "منهج مونتيسوري" لتعليم الأطفال بطريقة تتناسب مع نموهم واحتياجاتهم في كل مرحلة عمرية لبناء شخصيات مستقلة وقادرة على القيادة من خلال مناهج تعليمية تهدف إلى تحفيز الأطفال على التعلم الذاتي واكتشاف العالم من حولهم.

وإن رجعنا للفقه الإسلامي سنجد أن الأسرة باعتبارها نواة المجتمع الصالح قد حظيت باهتمام كبير ومكانة عالية في الدين حيث وُضِع لها إطار شامل ينظم العلاقات بين أفرادها، ويعزز من قيم الرحمة والمساواة والتعاون، من خلال الاهتمام بحقوق الزوجين والأبناء، وتوفير التربية الصالحة التي تضمن بناء أفراد قادرين على القيادة والمساهمة في مجتمعهم.

ولهذا تعتبر الأسرة الأساس الذي يبني عليه الطفل شخصيته ويحدد مسار مستقبله، ومن أهم الأدوار التي تلعبها الأسرة هي تربية الطفل ليكون قائدًا مميزًا في مجتمعه، ومن هنا نصل لقاعدة أساسية لا يجب أن يختلف عليها اثنين وهي أن القيادة لا يمكن أن تكون بمحض الصدفة! وبمعنى آخر فإن القيادة ليست مجرد فطرة أو موهبة فحسب، بل هي مزيج من عدة عوامل يمكن أن تتطور وتنمو عبر الوقت من خلال التربية، والتجارب، والتعلم. فالقيادة هي مجموعة من القيم والمبادئ التي يمكن زرعها وتنميتها منذ الصغر، وأساس هذا التكوين هما الوالدين.

ما هي القيادة الوالدية؟

القيادة الوالدية هي قدرة الآباء والأمهات على توجيه وتربية أبنائهم بطريقة تسهم في تطوير مهاراتهم الشخصية والاجتماعية، مما يساعدهم على أن يصبحوا أفرادًا مستقلين وقادرين على القيادة في حياتهم الخاصة والمهنية في المستقبل. فهي عملية تربوية تتطلب اتخاذ قرارات حكيمة، بالإضافة إلى تقديم الإرشاد والتوجيه، كما تتيح للوالدين التأثير إيجابًا على أبنائهم، مما يعزز من حوافزهم للنمو الذاتي ويشجعهم على المشاركة الفعالة في المجتمع.

ما هي القيم الأساسية التي يجب على الوالدين غرسها في أطفالهم ليصبحوا قادة للمستقبل؟

يتأثر الأطفال بآبائهم وأمهاتهم بشكل فطري كونها أول علاقة وأول اتصال وجداني للطفل، خلال الأشهر الأولى من حياته، يكون الطفل بحاجة إلى اتصال جسدي وعاطفي مستمر مع والديه. هذا الاتصال يساهم في بناء الإحساس بالأمان ويعزز الروابط العاطفية بينهم، كما يتعلم الطفل الكثير من سلوكيات الوالدين عن طريق المراقبة فيلعب سلوك الوالدين دورًا كبيرًا في تشكيل شخصيته، ومن هنا تسهل عملية زرع الفكر القيادي والقدرة على اتخاذ القرار لأن الطفل هو الشخص الأكثر تأثرًا واستعدادًا لاستقبال هذه القيم، سواء في التعامل مع الآخرين أو في عملية اتخاذ القرارات وإدارة التحديات، وإليك أهمها:

  • التشجيع على التفكير النقدي وحل المشكلات:

واحدة من أهم أصول التربية هو تشجيع الوالدين أطفالهم على التفكير النقدي وحل مشكلاتهم اليومية دون مساعدة من أحد الوالدين أو كليهما، حيث يمكن للطفل في هذه المرحلة تعلم العديد من القيم مثل القدرة على التحليل قبل اتخاذ القرارات، الاعتماد على النفس وعدم الاتكال على الآخرين، والأخذ بزمام الأمور الذي من شأنه أن يعزز ثقة الطفل بنفسه، لتتكون لديه بعد ذلك جميع سمات القائد الناجح.

  • المسؤولية كدافع للاستقلالية:

تعتبر المسؤولية أول خطوة في غرس الاستقلالية في الطفل. فكلما تعلم الطفل كيفية تحمل المسؤولية في أداء مهامه اليومية، سواء كانت صغيرة كترتيب غرفته أو كبيرة كالمساهمة في الأعمال المنزلية، فإنه يبدأ في بناء شعور قوي بالثقة بالنفس. المسؤولية تعلم الطفل أن يواجه تبعات اختياراته، وأنه جزء من بيئته، وعليه أن يسهم في تحسينها. من خلال تحمل المسؤولية، يتعلم الطفل مهارة التخطيط والتنظيم وإتمام المهام، مما يفتح أمامه أفق الاستقلالية تدريجيًا. على سبيل المثال، عندما يُطلب من الطفل تنظيم مواعيده الدراسية أو المشاركة في اتخاذ قرارات عائلية بسيطة، فإنه يتعلم كيفية اتخاذ القرارات بشكل مستقل دون الاعتماد الكامل على والديه مما يعزز لديه روح المبادرة أيضًا فيصبح كالقائد لا ينتظر الأوامر، بل يبادر باتخاذ الخطوات اللازمة لتغيير المواقف وتحقيق الأهداف.

  • التعامل مع الفشل واستخلاص الدروس المستفادة:

أكبر خطأ ممكن أن يرتكبه الوالدين في حق أبناءهم هو معاقبتهم على الإخفاقات المستمرة، لأنهم يزرعون بذلك فكرة أن الفشل هو نهاية الطريق! فيصبح الطفل حاملًا للروح الانهزامية التي لا تتفهم حقيقة المشاعر السلبية ولا تجيد التعامل معها، لذا يجب على الوالدين أن يكونوا داعمين لطفلهم عندما يواجه الفشل، وأن يساعدوه في استخلاص الدروس القيمة التي يمكن أن تساعده في المستقبل. هذا النوع من التعليم يعزز من قدرة الطفل على الصمود أمام التحديات والضغوط في مراحل حياته المقبلة.

  • تطوير مهارات التواصل الاجتماعي:

القيادة لا تتم في العزلة؛ فهي تتطلب القدرة على التفاعل مع الآخرين والعمل الجماعي. يجب على الوالدين تشجيع أطفالهم على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والمدرسية، سواء كانت رياضية، ثقافية أو تطوعية. هذه الأنشطة تساعد الطفل على تطوير مهارات التواصل والعمل الجماعي، وهي أساسية لبناء شخصية قيادية متكاملة.

  • التحفيز والمثابرة:

القائد الجيد لا يستسلم بسهولة في وجه التحديات، بل يُظهر المثابرة والإصرار على تحقيق الأهداف. لذا من المهم أن يقوم الوالدين بتعليم الطفل أهمية الصبر والتحدي، ويمكن للوالدين تشجيع الطفل على المثابرة من خلال محاكاة مواقف حقيقية يتعين على الطفل فيها البحث عن حلول بديلة لتحقيق أهدافه، حتى في الأوقات الصعبة.

  • القيم الأخلاقية:

وأخيرًا حتى يصبح الطفل قائد ناجح يجب أن يتحلى بمكارم الأخلاق مثل الأمانة والنزاهة والصدق عند التعامل مع الأصدقاء والأقارب وفرق العمل المدرسية لبناء ثقة متبادلة تمكنه من تحقيق أهدافه وأهداف المجموعة التي يعمل معها، لذا يجب على الوالدين غرس المبادئ والأخلاق السامية في الطفل التي تعزز من قدرته على التعامل مع الآخرين بشكل عادل ومتعاطف، ليصبح قادرًا على تأسيس علاقات صحية ومتوازنة في المجتمع.

وختامًا إن صناعة قائد صغير تبدأ في بيته، مع والديه الذين يزرعون فيه القيم التي تشكل أساس شخصيته وقيادته في المستقبل. فعندما يشعر الطفل بالمسؤولية، ويتعلم الاستقلالية، ويكتسب القدرة على اتخاذ قراراته بثقة، فإنه يخطو خطوات كبيرة نحو أن يصبح قائدًا فاعلًا في مجتمعه.

كما يؤكد كتاب "دور الأسرة في إعداد القائد الصغير"، أن هذه الرحلة تبدأ من الأسرة، فهي الحاضن الأول الذي يُبنى فيه الطفل ليواجه الحياة بثبات وعزيمة. إذا تمكنا من منح أطفالنا الأدوات اللازمة للتوجيه الذاتي والتحمل، سنشاهدهم يكبرون ليكونوا ليس فقط قادة في مجتمعاتهم، بل أيضًا أفرادًا مسؤولين ومؤثرين.

لذلك، كل لحظة نستثمرها في تربية أطفالنا على القيم القيادية، هي استثمار في مستقبلهم. فلنكن نحن القادة الذين يزرعون فيهم بذور النجاح، ولنتذكر دائمًا أن الطريق إلى القيادة يبدأ من المنزل.

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات