لكيلا تقف العجلة: في أهميّة فهم دوافع المتطوّعين

عبد اللطيف بن خالد السعيد – مسار الأحساء
هذا المقال بقلم أحد المشاركين المتميزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي

في دراسةٍ نشرها الباحث الاجتماعيُّ د. نايف الجابر عام 2020 م بعنوان دوافع التطوّع في المجتمع السعوديِّ وجد الباحث أنَّ تحصيل الأجر ومساعدة الآخرين واكتساب الخبرة هي الدوافع الأقوى لدى الشعب السعوديِّ؛ لذا تحظى الفرص التطوّعية في المؤسّسات الخيريّة بنصيب الأسد من أعداد المتطوّعين الراغبين بالتطوّع لديها. لذا يرى الباحث أنَّ التطوّع السياحيَّ أو التقنيَّ أو الرياضيَّ ينبغي أن يركّز على جانب تعزيز اكتساب الخبرة إذا كان يرغب بجذب وتحفيز المتطوّعين؛ لأنَّ جانب الأجر ومساعدة الآخرين قد لا يكون محسوسًا بشكلٍ كبيرٍ ومباشر لدى المتطوع.

إنَّ هذا الفهم المبنيَّ على الدراسات والأبحاث الجادّةِ ضروريٌّ لأنَّ فهم دوافع المتطوّع عاملٌ رئيس في تحفيز المتطوّعين للقيام بالمهام التطوّعية الموكلة إليهم بالأسلوب المناسب وبما يضمن رضا المتطوع وحماسه للتطوع في المستقبّل. فمع ازدهار الوطن وإشراقته بالكثير من المبادرات والمشاريع التي ستُسهم بإذن الله في تحقيق غدٍ أفضل مع القفزة الطموحة والوثبة العالية برؤية 2030 التي أطلقها صاحب السموِّ الملكيِّ الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- عام 2016. فقد كان من أهمِّ مسارات الرؤية تفعيل دور المواطن بالبناء والعطاء سواءً بالمساهمة في العمل الرسمي أو العمل التطوّعي، فالمجتمعات الحديثة لديها ثلاثُ ركائزَ أساسيّةٍ للمساهمة في البناء والتنمية وهي القطاعات الحكوميّة والقطاع الخاص والقطاع غير الربحي والذي يمثّله العمل التطوّعي كجزءٍ أساسي.

لذا يقع على عاتق القطاع غير الربحي مسؤوليّةٌ كبرى في المساهمة الفاعلة والجادّة في بناء وطننا الغالي، وهذا لن يتحقّق إلا بجهودٍ مخلصةٍ وعملٍ دؤوبٍ وبيئةٍ جاذبةٍ ومثمرة. 

إنَّ العمل التطوّعيَّ تتنازعه دوافع ورغبات كما أخبر النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم "إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى." والدوافع والنيّات هي التي تشكّل حجر الزاوية في تحريك العالم، فهناك دوافع داخليّة وحوافز خارجيّة تدفع المتطوّعين للتطوع، لذا كان من المهم أن يكون هناك فهمٌ واستيعابٌ كافٍ للدراسات والأبحاث التي تُنشر لفهم دوافع التطوّع لدفع المتطوّعين لتبنّي القيم الصحيحة للتطوع.

وهنا قد يسأل سائلٌ ما أهميّة معرفة دافع المتطوّعين إذا كنا نحقق ساعاتٍ تطوعيّةً عالية؟

وهنا نودُّ أنْ نلفت النظر إلى أنَّ التفكير بدوافع المتطوّعين ضمانةٌ لاتّساع دائرة التطوّع من ناحية الكمِّ والنوع، بحيث يشمل مجالاتٍ لا زال التطوّع فيها محدودًا كالتطوّع التقنيِّ والمهنيِّ وغيرها، التي تسعى رؤية 2030 إلى الوصول إليها. بالإضافة أن تنمية هذه الدوافع مع وجود قيمٍ للتطوّع يؤدّي إلى الشعور بالانتماء للعمل، والمشاركة الفعّالة وعدم الشعور بالاستغلال. كما أنَّ فهم دوافع التطوّع يساعد في صناعة القرار ووضع تشريعات وسياسات مناسبة تقود إلى تصميم فرصٍ تطوعيّة مبتكرة تُساهم في تفعيل دور التطوّع وتجذب المتطوّعين.

فلا يمكن أن تكون الدوافع الآنيّة والشخصيّة محركًا أساسيًّا لعجلة التطوّع الصحيح، مع ضرورة أخذ هذه الدوافع بعين الاعتبار؛ لأنها من المحركات الذاتيّة، فالذي نراه من تدافع على التطوّع من أجل جمع أكبر ساعاتٍ تطوعيّةٍ من خلال منصّة العمل التطوّعي أو الحصول على شهاداتٍ أو السعي إلى الترقيات الوظيفية. هذه مؤشراتٌ قد لا تكون جيّدةً لديمومة التطوّع أو العطاء الجادِّ المثمر. ولعلَّ من أكبر الأخطاء التي ترتكبها بعض المنظّمات التطوّعية إدارة جهود المتطوّعين بأسلوب المنظّمات الربحيّة مثل الإجبار على عددٍ محدّدٍ من الساعات التطوعيّة للموظّف أو الطالب، مع أنَّ العمل التطوّعي عملٌ اختياريّ.

إنَّ فهم الدوافع للتطوّع وتوجيهها التوجيه الأفضل هو الحلُّ الأفضل، لذا فقد قدّم بعض العلماء نظريّاتٍ من أجل معرفة دوافع المتطوّعين والاستفادة منها. ومن أشهر هذه النظريّات التي فسّرت دوافع ومحفّزات التطوّع نظرية كيد (J. R. Kidd)، والتي تحدّث فيها عن وجود عوامل داخليّةٍ وخارجيّةٍ تتعلق بالدافعيّة للتطوّع. ومن العوامل الداخليّة يأتي البحث عن الأنشطة والمتعة والفرص المختلفة، والحاجة إلى الشعور بالرضى عن الذات، والحاجة إلى التفاعل الاجتماعي، وأما عن الدوافع الخارجيّة فقد تناول كيد الرغبة في الإنتاج والحاجة إلى التعزيز اللفظي والمعنوي بأشكاله المختلفة. ومن النظريّات أيضا حول الدوافع التي غالبًا ما يُشار إليها في أدبيات التطوّع لفيتش (Fitch)، والذي أشار فيها إلى ثلاث فئاتٍ من الدوافع: حبّ الخير، إرضاء الأنا، والتفاعل الاجتماعي، وعن دافع حبّ الخير فإنّهُ يتمثّل في الرغبة بمساعدة الآخرين، أما عن إرضاء الأنا فتبدو خلال زيادة المهارات والمعرفة واحترام الذات، وأما عن الدوافع الاجتماعيّة فتظهر في صورة البحث عن الانتماءات الاجتماعيّة والأنشطة. (Utah Arts Council Publication, 2006)

نلاحظ مما سبق من النظريّات أنَّ الدوافع نحو التطوّع قد تكون داخليّةً وخارجيّةً وهذه الدوافع يجب أن تكون حاضرةً في ذهن المشرّعين ومديري التطوّع في المنظّمات المختلفة في المملكة حتى يسهل بناء فرصٍ تطوعيّةٍ حقيقيّةٍ وفاعلةٍ في خدمة المجتمع وليس فقط التركيز على عدد المتطوّعين والساعات التطوّعية المحقّقة الذي لا يعكس الصورة الناصعة للتطوّع. أرى أنه يجب أن يتبنّى صنّاع القرار والمؤسّسات التي تخدم التطوّع تعزيز ونشر ثقافة القيم الصحيحة للتطوّع من خلال التشريعات والسياسات التي تدفع للتطوع من خلال تثقيف المجتمع والشباب خاصةً عن أثر التطوّع والفوائد على الفرد والمجتمع بالإضافة إلى زيادة الجرعة الإيمانيّة والحسِّ الوطني في المناهج والمنابر ووسائل التواصل والإعلام التي تحثُّ على الأجر والعطاء ومساعدة الآخرين وحُبِّ الوطن والمسؤوليّة المجتمعيّة في رقي البلد.

يتكون العمل التطوعي من عدة مراحل تبدأ المرحلة الأولى بتحفيز ثقافة التطوّع وأن يُوجَّه الأفراد إلى ممارسة التطوّع والانخراط فيه بغضِّ النظر عن نوايا أو دوافع المتطوّعين، وهذا حسنٌ كمرحلةٍ أولى، وقصيرةٍ مع التفكير الممنهج على أنْ يقود هذا التطوّع إلى تعزيز هذه الدوافع وتوجيهها إلى الطريق الصحيح، فلعلّنا نُشير إلى التوصيات الهامّة في فهم دوافع التطوّع في نقاط:

  1. غلبة المصالح الشخصيّة والآنيّة على خدمة المجتمع والمسؤوليّة المجتمعيّة في العمل التطوّعي في المرحلة الحالية، وهذا يشير إلى ضعفٍ في خانة الانتماء، وهذا طبيعيٌّ لأنَّ الأفراد غالبًا يبحثون عن الحاجات الأساسيّة قبل أن يتنقلوا إلى الإنتاج والعطاء والبذل، لذا يجب أنْ نلبّيَ الحاجات الأساسيّة من أمانٍ نفسيٍّ ووظيفيٍّ فلا يصحُّ أن يكون التطوّع هو خيار الفرد بسبب حاجته لوظيفةٍ أو ترقية. 
  2. التطوّع لا ينبغي أن يقتصر بالمجمل على التطوّع العام، كالتنظيم والتوزيع والإغاثة وغيرها من تطوّعٍ لا يُشترط فيه أن يكون الشخص صاحب مهارة، حسب تصنيف التطوّع إلى ثلاث فئات وهو العام والمهاري والاحترافي. فالذي نراه الآن من غلبة التطوّع العام على المهاري فضلًا عن الاحترافي؛ يدلُّ على أنَّ التطوّع لا يزال في خانة الأخذ لا العطاء، بمعنى أن المتطوّع يأتي فقط للخدمة دون أن يحصل على فائدةٍ حقيقيّةٍ من التطوّع، مثل التدريب أو اكتساب مهارةٍ أو تعلّمِ جديد. لذا يلجأ الشخص إلى المشاركة بدون حوافز أو مثيرات تدفعه، فينبغي أن نصل من خلال التطوّع أن يكون منصّةً لتطوير واكتساب المهارات مثل الاتصال والعمل الجماعي وغيرها بالإضافة إلى كون التطوّع فرصةً للفرد في زيادة حصيلته المعرفيّة والعلميّة مما يُسهم في صقل خبراته وإمكانيّاته.   
  3. غياب دور المدارس والجامعات في تعزيز قيمة العمل التطوّعي لعدم وجود موادّ ونصوص تُثري الطلّاب وتعطيهم الدافع إلى التطوّع، بالإضافة إلى عدم تبني المدارس بالمقام الأول ثمّ الجامعات توفير فرصٍ تطوعيّةٍ ذات جودةٍ ونوعيّةٍ مع غياب الإشراف والمتابعة في ذلك.



المصادر

  1.  برشور دوافع التطوّع في المجتمع السعودي – د. نايف حمد الجابر (2020) 
  2. المركز الفلسطيني للإرشاد - أسماء شرباتي عيد (2009)

 

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات