في عالم مليء بالتغيرات السريعة والتحديات المفاجئة، يعاني معظم القادة ورواد الأعمال غالباً من ضغوط يومية تتطلب منهم اتخاذ قرارات مصيرية، أو التعامل مع تحديات غير متوقعة والتكيف مع متغيرات السوق المستمرة، ومع كثرة هذه التحديات والتغيرات، تصبح ممارسة الرعاية الذاتية ليست مجرد ترف أو ترفيه، بل ضرورة لبناء قائد متوازن وفعّال قادر على أن يضبط تركيزه وانفعالاته ويتصرف مع مختلف المواقف بحكمة وذكاء.
القادة الذين يهتمون بصحتهم الجسدية والنفسية يمتلكون قدرة أعلى على الاستمرارية والتأثير الإيجابي في محيطهم، وفي هذه الإضاءة، سنتعرف على أهمية الرعاية الذاتية للقادة وكيف يمكن أن تكون أحد أسباب النجاح والإنتاجية المستدامة.
الرعاية الذاتية: ماذا تعني للقائد؟
الرعاية الذاتية للقادة تشمل العديد من الجوانب، بدءًا من الاهتمام بالصحة الجسدية مثل ممارسة الرياضة والنظام الغذائي المتوازن، وصولاً إلى الصحة النفسية عبر أساليب وتطبيقات مختلفة مثل التقرّب إلى الله والتأمل والتفكير العميق وغيرها، هذه الممارسات تجعل القائد أكثر استعداداً للتعامل مع التحديات اليومية بكفاءة عالية ووضوح، وتزيد من استعداده لاتخاذ قرارات صائبة ومتوازنة.
لماذا تعتبر الرعاية الذاتية ضرورية للقادة؟
كيف يمكن للقادة ممارسة الرعاية الذاتية؟
في ظل المهام والواجبات المتعددة التي تندرج تحت مسؤوليات القائد، تبرز الحاجة للعناية بالصحة النفسية والجسدية لضمان استدامة الأداء وتحقيق التوازن الشخصي، قد تتنوع أشكال ممارسات الاهتمام بالصحة بين شخص إلى آخر، ولكن في هذه القائمة بعض الممارسات التي يمكن أن تساعد الجميع حيث إنها تجمع بين تنظيم الوقت وتحديد الأولويات، وتتيح للقادة مواجهة التحديات بشعور متجدد من النشاط والطاقة.
يمكن للقادة تخصيص وقت يومي أو أسبوعي يركزون فيه على أنشطة تلائم اهتمامهم الشخصي، مثل ممارسة التمارين الرياضية أو التأمل أو القراءة وغيرها، هذه الجدولة ليست مجرد تنظيم للوقت، بل هي استثمار في الراحة النفسية، حيث تمنحهم هذه الأنشطة فرصة لتجديد طاقتهم وحماسهم تجاه العمل، تساعد ممارسة هذه الأنشطة بانتظام في تعزيز الصحة النفسية والبدنية.
النوم هو العامل الأساسي لتعزيز الأداء الذهني والجسدي، فهو يعمل على تحسين التركيز وتحفيز الذاكرة ويساعد النوم الجيد على تقوية الجهاز المناعي وتعزيز القدرة على التفكير الإبداعي، مما يجعل القادة أكثر استعدادًا للتفاعل مع بيئة العمل بأفضل ما لديهم. فالقادة الذين يدركون أهمية النوم الجيد عادةً يجدون أنفسهم أكثر قدرة على التعامل مع التحديات واتخاذ قرارات حاسمة دون تردد.
التوقف عن العمل بين فترة وأخرى يعدّ استراحة ضرورية تعيد شحن طاقة أي شخص، وهذا التوقف يتيح للإنسان فرصة للتفكير الهادئ والتقييم الذاتي، ويمنع الإرهاق الذي قد يؤثر سلباً على كفاءته، لذلك فإن الاستراحة بشكل منتظم مهمة وتُعزز القدرة على التركيز وتقلل من احتمال الشعور بالإجهاد أو التشتت، مما يجعل القائد أكثر قدرة على التفكير بشكل أصفى واتخاذ قرارات مدروسة بعيداً عن الضغوطات المستمرة.
تُعد العلاقات الاجتماعية المتينة مصدراً مهمًا للدعم النفسي وتخفيف التوتر الناتج عن ضغوطات العمل أو الحياة، وكذلك العلاقات الأسرية والصداقة تعتبر ملجئ للخروج من دائرة ضغوط العمل عبر منحها الأشخاص القياديين فرصة للراحة والتعبير عن الذات بعيداً عن أجواء العمل التي قد تكون مليئة بالتحديات. هذا النوع من التفاعل الاجتماعي يقلل من مشاعر العزلة التي قد يشعر بها القائد أحيانًا، كما أنها تسهم في رفع المعنويات وتحسّن من الصحة النفسية للقائد أو المسؤول.
وبشكل عام فإن استغلال أوقات الفراغ بشكل إيجابي أحد الأسس التي يقوم عليها نجاح القادة واستمرارهم في العطاء، فالقيادة تتطلب طاقة كبيرة، وتركيز مستمر، وقدرة على اتخاذ قرارات صحيحة وصائبة في ظل ضغوط العمل المتعددة.
وفي هذا السياق، شاركنا صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في لقائه على قناة فوكس نيوز لمحة حول طريقته في استثمار أوقات الفراغ، حيث وضّح أنه يقوم بأنشطة تحث على الترفيه وتجدد نشاطه وحيويته، حيث قال إنه "يلعب بعض ألعاب الفيديو مع أبنائه أو أصدقائه، ويستمتع برياضة الغوص والمشي بين الجبال". وكل واحدة من هذه الأنشطة تعكس إدراكاً عميقاً لأهمية تخصيص وقت بعيد عن ضغوط العمل، والاستمتاع بما يُغذي الروح ويعيد شحن الطاقة.
عندما يمارس القادة أنشطة تجدد نشاطهم، فإنهم يعودون إلى مكاتبهم وعقولهم مفعمة بالأفكار والرؤى الجديدة. ولا يمكن إغفال جانب التواصل الاجتماعي الذي يوفره وقت الفراغ؛ فاللعب مع الأصدقاء أو الأبناء يعزز الروابط الإنسانية ويجعل القادة أكثر قرباً وتفهماً لبيئاتهم الشخصية، مما ينعكس إيجاباً على كيفية تعاملهم مع فرق العمل. فالتوازن بين الحياة الشخصية والمهنية، ومعرفة الوقت المناسب للتوقف والاستمتاع باللحظة، يُعد من أساسيات القيادة المستدامة.
بالختام؛ لا شك أن القائد الذي يتمتع بصحة جسدية ونفسية متوازنة يكون أكثر قدرة على تحقيق النجاح والاستمرارية، فالاستثمار في الذات يمنح القائد القدرة على التعامل مع الضغوط بفاعلية، والقدرة على مواجهة الصعوبات بحكمة، كذلك، يجعل هذا النهج القادة قادرين على تقديم أفضل ما لديهم لأعمالهم وفرقهم، ويضمن استمرارية الأداء العالي على المدى الطويل.