البحث العلمي

أثير الحربي – مسار الجوف
هذا المقال بقلم أحد المشاركين المتميزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي.

البحث العلمي أمل الشعوب؛ من أجل التمتع بالرفاهية، والمتمثّلة في تحقيق الراحة بشتَّى صورها، وإيجاد الحلول لمختلف المعضلات التي تتعرض لها المجتمعات، في الناحيتين العلميّة والعمليّة. 

ولقد أصبح القرار السياسي للسلطات والمؤسسات والهيئات الدولية، والشركات الاستثمارية والصناعية والإنتاجية وغيرها؛ مبنيًا على نتائج الأبحاث المعمّقة، كما أن قراءة المستقبل، والتنبؤ بأزماته، ومتغيراته، والاستعداد له، لا يكون إلا من خلال الدراسات الاستشرافية المستقبلية، بالاعتماد على أساليب علم المستقبل، ومنهجيات البحث العلمي. 

البحث العلمي هو الطريقة المثلى لبناء المعرفة وتأسيس مبادئها حول الكون، فأغلب العلماء يهدفون إلى فهم ومعرفة العالم من حولهم بشكل أفضل؛ وبالتالي توجيه هذه المعرفة لخدمة الناس في كافّة المجالات. ومن أجل حماية كوكب الأرض من التغيرات المناخية، كما تتيح هذه المعرفة أيضا تطوير تقنيات جديدة وحل المشكلات العملية. فعلى سبيل المثال، أدّى البحث العلمي إلى تطوير لقاح شلل الأطفال والحصبة والجدري؛ ممّا ساهم في حماية أجيال من البشر كما نراه اليوم في ظل جائحة كورونا.

 ويُعرّف البحث العلمي بأنه: "مجموعة من الإجراءات النظامية التي ينتهجها الباحث أو الدارس؛ من أجل التعرف على جميع الجوانب المتعلقة بموضوع أو إشكالية علمية، والهدف النهائي هو حل تلك المشكلة". وعبارة "حل تلك المشكلة" تذكّرنا بأهم أهداف البحث العلمي وهي حل المشكلات؛ وأن يوفّر لنا حلولًا إبداعية لم يتطرق إليها الآخرون لمعالجة القضايا التي تنشأ في حياة الأفراد، ومن ثم تسهيل الكثير من الأمور على كل الجوانب، ومن أبرز الألفاظ المعبّرة عن البحث العلمي أنه "ذراع المجتمع التي لا تنطوي"، فالجسور المرتفعة والطرق السريعة والقنوات الملاحية والمستشفيات الكبرى، كلُّ ذلك نتاج البحث العلمي البنَّاء.​

ولا شك أن معيار تحضّر الأمم يُقاس بمدى اهتمامها بالبحث العلمي، وما تنفقه في سبيل إقامة دولة العلم، وفي هذا المضمار تشير الدراسات إلى أن تقدم الدول يتناسب طرديًا مع تطور البحث العلمي، ومدى الاهتمام به من جانب المسؤولين وذوي الرأي. 

وإذا نظرنا إلى واقع البحث العلمي العربي فإنّه يواجه معوقات وتحديات شتى، أبرزها ضعف الإنفاق المادي على البحث العلمي من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية مقارنة بإنفاق الدول الغربيّة، وعدم إعطاء السياسات العلمية للبحث والابتكار دورًا هامًّا في الخطط التنموية والاجتماعية للبلدان العربية، وضعف الإنتاج العلمي العربي وتحويله إلى منتجات ذات قيمة مضافة للتنمية الاقتصادية. كل هذه الإشكالات أسهمت في تأخير العالم العربي وجعله في آخر القائمة في الاستثمار العلمي والتقني، كما أسهمت هذه العوامل في هجرة العقول لغياب البيئة الحاضنة.

"يتّسم البحث العلمي العربي بانخفاض حجم الإنفاق عليه، حيث يتدنى حجم الإنفاق على البحث العلمي والتطوير دون الحد المقبول عالميًا (%1) من الدخل القومي الإجمالي. وهذا يؤدي إلى عدم توفر البنية التحتية اللازمة للبحث، وانخفاض الإنتاجية العلمية في الوطن العربي. ولذا، فإن الدول العربية، ممثّلةً بوزارات التعليم مطالبة اليوم بإعادة هيكلة البحث العلمي، بهدف رسم سياسات وطنية للبحث والتطوير، واتخاذ قرارات جريئة تجعل البحث العلمي مؤثرًا وفاعلًا في مختلف جوانب الحياة."

وعندما نأتي لدعم السعودية للبحث العلمي والتعليم، استثمرت السعودية في واحدة من أكبر منح التعليم في الخارج، إذ بلغ عدد المبتعثين إلى الخارج نحو 93 ألف مبتعث في العام 2019. وشجعت التعاون الدولي بين الباحثين السعوديين ونظرائهم في كبريات جامعات العالم. وأنشأت المملكة أيضًا، جامعات ومراكز بحثية حازت مكانة متقدمة في البحث العلمي؛ منها مدينة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، ومركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية، ومركز أبحاث مستشفى الملك فيصل التخصصي.

وأدّى المناخ الجديد إلى مضاعفة أعداد البحوث العلمية المنشورة في المجلات العلمية العالمية؛ إذ تجاوز عددها 16 ألف بحث عام 2017، واحتلت المملكة المركز 36 عالميًا في العام 2019؛ وفقًا لمقاييس جودة النشر العلمي، وأظهرت الجداول السنوية لمؤشر نيتشر للعام 2020 أن السعودية تحتل المركز الأول عربيًا، و29 عالميًا، بالنسبة لمستوى جودة الأبحاث العلمية المنشورة؛ وفقًا لصحيفة الرياض.

لا يمكن إنكار مقدار القفزة العلمية التي خَطَتها الجامعات السعودية في مجال البحث العلمي، مما مكّنها من التربّع على هرم التميز البحثي بين الدول العربية، وحرصت هذه الجامعات على التعاقد مع من يملك رصيدًا جيدًا من النشر العلمي حتى يستمر بنفس العطاء وابتعثت عددًا من المعيدين إلى أفضل الجامعات العالمية حتى يعودوا بإمكانيات عالية تساعدهم على مواصلة البحث العلمي.   

وإنّنا في السعودية لنطمح إلى ارتفاع الإنفاق المالي على الأبحاث العلمية، وتحويل الإنتاج العلمي إلى منتجات ذات قيمة مضافة للتنمية الاقتصادية. وزيادة أعداد مراكز الأبحاث وقبول جميع الأفكار والابتكارات التي يقدمها الباحثون من مختلف الأعمار، وعدم حصر الأفكار والابتكارات على مسميات وتخصصات وفتح باب الخيال والإبداع.

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات