مرحلة الطفولة المبكرة إحدى أهم مراحل نمو الإنسان؛ ففيها تتشكل الشخصية وترسى دعائم المبادئ والأخلاق والقيم. لذلك، يجب على الوالدين وعلى كل مُربي استغلال هذه المرحلة الخصبة بالشكل الأمثل، لأن تأثيرها لا يقتصر على الطفل فحسب، بل على المجتمع بأسره.
مما لا شك فيه أن الأسرة هي نواة المجتمع ولبنته الأساسية، وذلك لأهمية ما تقوم به من أدوار وحتمية تأثيرها في تشكيل هوية مجتمع بأسره، وهنا تتضح أهمية دور الأسرة في غرس القيم والأخلاق في نفوس ابناءهم، إلى جانب تنمية مهاراتهم وقدراتهم.
للأسرة بشكل عام وللوالدين بشكل خاص أثر كبير على أطفالهم، وهذا يجعلهما في موضع القدوة والمثل الأعلى، ويتوجب عليهما الحرص على كل ما يصدر منهما من تصرف، فقد قال الرسول ﷺ (كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته)، في هذا الحديث يتضح لنا عِظم المسؤولية وأهمية دور الوالدين في الحرص على رعايتهم.
لذلك، ينبغي التنبه لقدرة الأطفال في هذه المرحلة المبكرة على التعلّم والتأثر بما يُحيط بهم، من خلال تقديم سلوكيات إيجابية تعزّز لديهم قيم الخير والعطاء. فالتصرفات التي يشاهدونها يوميًا تترك فيهم أثرًا أعمق من النصح والتوجيه اللفظي المباشر.
التكامل بين الأسرة والمؤسسات التعليمية
عندما يرى الأطفال من حولهم قدوات يقدمون المساعدة للآخرين أو يشاركون في أعمال نافعة، ينشأ لديهم حس المبادرة والمسؤولية بشكل طبيعي، فلو رأى الطفل والدته تقوم بإعطاء المحتاجين ثيابًا جديدة، أو رأى والده يقوم بترتيب وتنظيف المسجد، وذهب مع أخيه إلى المكتبة فرآه يضع الكتب التي لم يعد بحاجتها، سينشأ على التطوع وحب العطاء بلا شك، وهكذا يتبين لنا كيفية اكساب الأطفال وتنشئتهم لمساعدة الأخرين والتعاطف معهم.
ولكن علينا ألا ننسى أن نهوض المجتمع لا يحدث إلا بالتكامل بين مؤسساته. الأسرة وإن كانت الأساس فهي لا تعمل منفردة، بل تقوم المؤسسات التعليمية بالتكاتف معها والعمل جنبًا إلى جنب.
انطلاقًا مما سلف، تأتي المؤسسات التعليمية لتكون بمثابة اليد اليمنى للأسرة، فما يتعلمه الطفل في المنزل يجب على المؤسسة تأكيده. المعلمون هم أول من يتفاعل معهم الطفل خارج نطاق أسرته، وغالبًا ما يتأثر بسلوكهم وأقوالهم دون وعي. لذا، من المهم أن يكونوا قدوة حسنة، ويحرصوا على توجيه الأطفال بأسلوب يعزّز القيم الإيجابية لديهم.أعلى النموذج
وأسفل النموذج
هذا يؤكد أهمية دورهم وقوة وقوعه في نفس الطفل، وفي هذا الصدد يمكن للمعلمين إشراك الأطفال في أنشطة تطوعية متنوعة تعزّز لديهم روح العطاء وحب مساعدة الآخرين دون انتظار مقابل. ومن بين هذه الأنشطة:
الأطفال والعمل التطوعي
للعمل التطوعي أثر كبير لا يستهان به في تكوين شخصية الطفل، وذلك لأنه يساعدهم في بناء مهاراتهم الاجتماعية من خلال تعاملهم المباشر مع الأشخاص بمختلف مراحلهم وأعراقهم وأحوالهم، ليس هذا وحسب، بل يكسبهم أيضًا مهارة العمل التعاوني.
حيث تعد هذه المهارة إحدى أهم المهارات التي يجب على الطفل اكتسابها في مراحله المبكرة، كما أنه يلفت الأطفال إلى أهمية ما يتمتعون به من نِعم، وهذا بدوره سيعلمهم تقدير هذه النعم والمحافظة عليها.
ختامًا، نؤكد على أهمية دور الأسرة والمؤسسات التعليمية والتكامل في خلق ثقافة التطوع، وتعميق حب عمل الخير في أفئدة هؤلاء الصغار، حتى يصبحوا قلب المجتمع الحاني، وأيديه البيضاء الممتدة للعالم بالحب والسخاء، فالعطاء ما هو إلا حياةٌ للحياة. فحين نغرس في الصغار حب العطاء، فإننا لا نمنحهم فرصة لصنع فرق في الحياة فحسب، بل نؤسس لمجتمعٍ أكثر ترابطًا وتأثيرًا وإشراقًا.