انتشر مصطلح الشخص المؤثر أو الجهة المؤثرة بقوة خلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة في ظل سطوة العالم الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، وتأثيرهم الكبير على الرأي العام لجمهور الإنترنت. لكن إلى أي مدى ينطبق هذا الوصف على حامله؟ وهل يحمل هذا الأثر في جوهره طابعاً إيجابياً أم سلبياً على المتلقي؟ واقع الحال يشير إلى أن المؤثر يساهم في عملية صنع القرار المتعلقة بالكثير من جوانب حياتنا اليومية، سواءً كانت المهنية أو الشخصية، وذلك نتيجة قنوات التواصل القوية التي تربطنا مع الكثير من الأشخاص، وهنا تنبع أهمية وجود الشخص المؤثر القادر على توجيه خياراتنا أو قراراتنا بما يعود بالفائدة علينا.
لكن على غرار معظم المهارات الحياتية والمهنية التي نكتسبها بمرور الزمن، لابد من إحكام مهارات التأثير للممارسات والقيم الأخلاقية السائدة في مجتمعنا، بما يعكس هويتنا وبصمتنا الإيجابية في التواصل مع الآخرين، ويكفل توظيفنا لهذه المهارات بالشكل الأمثل لخدمة المجتمع، وتحقيق الأثر المستدام المنشود.
هناك العديد من المهارات التي بإمكان الفرد تنميتها من أجل تعزيز قدرته على الإقناع والتأثير، وبالتالي ليصبح مؤثراً في إحدى المجالات، ومن هذه المهارات:
تمتع بحضور قوي
يعد امتلاك حضور قوي أمرًا ضروريًا للغاية عندما تحاول التأثير على أفكار وأفعال الآخرين. معرفة كيفية استخدام لغة الجسد والكلمات المنطوقة وأشكال الاتصال الأخرى بشكل فعال أداة قوية في إقناع الناس بطريقة تفكيرك.
التواصل مع الآخر
ينبع مفهوم التواصل مع الآخرين من التواجد والتجاوب معهم، أي قضاء المرء لجزءٍ من وقته يومياً مع الآخرين، سواءً كان ذلك بصفة زميل عمل، أو صديق، أو غير لك، لأن الرابطة التي تجمعه بالآخرين تدفعه لأن يستمع لوجهات نظرهم ونصائحهم إزاء مختلف الأمور، وخاصة إن كانوا من الأشخاص المحببين إليه، فعادة ما يتأثر المرء بالشخص الذي يحبه.
استخدام الذكاء العاطفي
إن إظهار الاحترام والتفهم وتوظيف الذكاء العاطفي عند إقناع الآخرين والتأثير عليهم أمر ضروري للغاية من أجل تحقيق نتائج ناجحة. لأن المرء بحاجة للتعبير عن نفسه والإحساس بأن الجميع يتفهم موقفه، الأمر الذي سيشعره بالأهمية والاحترام لذاته، ما سيُكسب المستمع بعضاً من أهم مهارات التأثير والإقناع.
تعزيز المصداقية
يسعى الجميع للاستعانة بأصحاب المصداقية، وذلك لأنهم ينشدون النتائج والخبرات التي يستطيع صاحب المصداقية تقديمها لهم. وعليه، كلما زادت مصداقية المرء لجأ الناس لمشورته، وبتعبير آخر، تأثر الناس بنصائحه نتيجة خبرته ومعرفته في مجال ما.
فعلى سبيل المثال، عندما يمارس المرء الرياضة لسنوات طويلة، يتوجه أصدقائه وأفراد عائلته إليه لطلب المشورة عندما يتعلق الأمر بتمرين رياضي معين، أو اتباع نظام غذائي محدد، كونهم يثقون بتجربته الطويلة في ممارسة الرياضة، الأمر الذي عزز مصداقيته لديهم في مجال الرياضة. وعليه، بإمكاننا قياس قوة تأثيرنا على الآخرين على ذات النحو في مختلف المجالات الشخصية والمهنية التي نتقنها.
العرفان بالجميل
عادةً ما يغمرنا إحساس يدفعنا إلى تقديم هدية للشخص الذي يبادرنا بتقديم خدمة أو عمل لطيف، أي أننا نسعى مباشرةً لرد الجميل. وإذا ما نظرنا إلى هذا المفهوم من زاوية تسويقية، نجد بأن الشركات التي تقدم بعض الخدمات أو العناصر "المجانية" تحقق نجاحاً أكبر في دفع العملاء لإتمام عمليات الشراء لمنتجاتهم.
وذات المبدأ ينطبق على العلاقات بين الأشخاص، فعندما تقدم لأحد ما معروفاً أو تساعده بطريقة أو بأخرى، سيشعر هذا الشخص بأنه ملزم على رد الجميل لك، ومساعدتك عند الحاجة. وتعد هذه المهارة من أبرز أدوات التأثير والإقناع.
توحيد الأهداف
إقناع الناس بأنك قادر على تحقيق أهدافهم من خلال تحقيق هدفك الخاص هو من أقوى مهارات التأثير، وهو ما يمكن تحقيقه عبر توجيه رؤية الآخرين تجاه قضيتك، ودفعهم لدعمك على تحقيقها، لأن ذلك سينعكس إيجاباً على قضاياهم.
من شأن هذه المجموعة من المهارات، التي ذكرناها آنفاً، تعزيز قدرة المرء في التأثير على الآخرين، لكن علينا ألا نغفل عن جوهر هذا المقصد، فإن جوهر التأثير على الآخرين ينبع من توحيد وتوجيه جهود الجميع لتحقيق الأهداف المجتمعية المشتركة، وجل الأمر يكمن في توطيد علاقاتنا مع الآخرين بهدف توحيد الرأي العام تجاه معالجة التحديات التي تواجه المجتمع، والنهوض بالفكر التوعوي الجمعي لنخرج بمجتمعات متكاتفة وموحدة الرأي إزاء مختلف القضايا.