يتم طرح المبادرات المجتمعية من قبل المنظمات غير الربحية بهدف تقديم خدمات عامة أو خيرية لتفعيل حركة التغيير الإيجابية والمستدامة في المجتمع. وقد تأتي هذه البرامج على شكل دورات تعليمية، أو تدريبية، أو تنموية تستهدف كل من هو بحاجة لصقل مهاراته في مجال أو تخصص معيّن. ومؤخراً، خضعت معظم مبادرات وبرامج المنظمات غير الربحية لسيناريوهات مراجعة وتطوير، وفقاً لما جاء في نتائج تقرير مركز "ذا سنتر فور إفيكتيف فيلانثروبي" الصادر في العام 2021، والذي أشار إلى أن 88 بالمائة من المنظمات غير الربحية التي تم استطلاعها قامت بتغيير برامجها ومبادراتها في الآونة الأخيرة.
ليس من السهولة بمكان على المنظمات غير الربحية إطلاق وتصميم المبادرات والبرامج التنموية، فالأمر يشكل تحدياً حقيقياً بالنسبة لها، وهناك الكثير من الجوانب والمعطيات التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار قبل إطلاق أي مبادرة مجتمعية، بما فيها الأنظمة القانونية، قنوات التمويل، بنية المجتمع، وغيرها الكثير. لذا، ينبغي وضع خطة عمل واضحة في سبيل بناء الزخم الذي تحتاجه المنظمة غير الربحية، وذلك كي تتمكن من تقديم برامج مستدامة. وسنستعرض معاً فيما يلي خمس خطوات استراتيجية لابد من اتباعها لتحقيق النجاح المرجو من المبادرات التنموية.
1. التخطيط
ينبغي على المنظمة غير الربحية وضع خطة عمل متكاملة للنجاح في إطلاق مبادرتها، بحيث تتضمن نطاق عملها والرسالة التي تطمح إلى إيصالها، وتحديد الأهداف الواجب تحقيقها لقياس مستوى نجاح المبادرة، والإحاطة بكافة احتياجات ومتطلبات الشريحة المجتمعية المستهدفة، وتخصيص الميزانية الكافية لإطلاق المبادرة.
2. توطيد الشراكات
يتوجب على المنظمة غير الربحية بناء شبكة علاقات ممتازة مع الشركاء والجهات المستعدة لدعم جهودها، بما فيها المنظمات غير الربحية الأخرى، والشركات والأفراد المتحمسين للقضايا التي تتبناها المنظمة، الذين بإمكانهم إثراء مبادرة المنظمة بالدعم المالي أو بالعمل التطوعي.
وللحصول على شبكة شركاء عالية الفعالية، يجب على المنظمة غير الربحية توطيد علاقات قوية مع المؤسسات والشركات التي تسعى لتحقيق أهداف مماثلة، لتشجيعهم على تقديم يد العون للمنظمة بشكل مباشر أو غير مباشر، على سبيل المثال نشر مقالات تعريفية عن المنظمة، تنظيم فعاليات مشتركة، مشاركة قواعد البيانات والخبرات، وغيرها الكثير.
3. تطوير قنوات التواصل
تكتسب هذه الخطوة أهمية خاصة في إطار العمل المؤسسي للمنظمة غير الربحية، كونها تلعب دوراً رئيسياً في نشر الوعي المجتمعي حول مختلف القضايا التي تتبناها المنظمة. لذا، من الأهمية بمكان تحديد قنوات التواصل، واختيار الجمهور المستهدف، والرسائل التي ينبغي إيصالها.
4. تأمين مصادر التمويل
التمويل هو عصب الحياة بالنسبة لمسيرة إطلاق المبادرة، وغيابه يقضي تماماً على أمل إبصارها النور. وتختلف طرق وقنوات التمويل التي بالإمكان العمل على تأمينها، فقد تكون على شكل منح أو حملات لجمع التبرعات. لكن، ينبغي وضع خطة تمويل محكمة وقادرة على تأمين المواد والطاقات الضرورية لإطلاق المبادرة، بما فيها تحديد الجهات والأشخاص المحتملين القادرين على التبرع، أو على توفير رعاية كاملة لكافة متطلبات المبادرة.
5. إطلاق المبادرة
بمجرد الانتهاء من اتخاذ الخطوات السابقة، ستصبح المبادرة جاهزة لتدخل حيّز التنفيذ، وهو أمر لابد من التخطيط له بالطريقة الأمثل، بما في ذلك تحديد تاريخ محدد لإطلاق المبادرة، لأن وجود جدول زمني واضح من شأنه تسهيل آلية متابعة كافة العمليات، وتحديد مستوى جاهزية البرنامج بكافة متطلباته من مواد، ومتطوعين، وخبراء، وما إلى ذلك.
كما أن العمل وفق خطة تنفيذ محكمة من شأنه المساعدة في تحديد الإجراءات الواجب اتخاذها لإطلاق المبادرة أو الحدث، لكن ينبغي تعيين الأطراف المعنية لمتابعة إنجاز كافة الإجراءات المطلوبة من أجل إطلاق المبادرة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تسليح فريق عمل المنظمة بالأدوات، والتقنيات، والموارد البشرية المطلوبة من شأنه تعزيز نجاح المبادرة، وتحقيق أهدافها.
هذا، وينطوي عمل المنظمات غير الربحية على بذل جهود جبارة في سبيل تحقيق أهدافها التنموية والهادفة، فالأمر بالنسبة لها يبدأ من تحديد المشكلة، ومن ثم العمل على طرح الحل المناسب لها، واستشراف الأثر الإيجابي والمستدام من معالجتها، بعدها تقوم برسم الملامح الرئيسية لخطة إطلاق المبادرة، ومن ثم تأمين الموارد ومصادر التمويل والطاقات الكفيلة بتجسيدها على أرض الواقع.
هذه المساعي الملحمية تستحق منا كل الاحترام والتقدير والدعم المستمر لكل من يقف وراءها، ويساهم في طرحها وتنفيذها، لما تعود به من فائدة عظيمة على تنمية المجتمع، وإحداث التغيير الإيجابي المستدام في مسيرة نهضة وازدهار الوطن.
