ريادة الأعمال: حجر الزاوية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة

سجّاد الحدّاد – مسار الأحساء
هذا المقال كتب بقلم أحد المتميزين الفائزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيسي على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي.

 

 

لابدّ أنك قد سمعت بكلمة "ريادة الأعمال"، تلك الكلمة التي لا يخلو منها أي مسرح اقتصادي، سياسي، أو ثقافي. حتى أصبحت حديث المجالس ويتداولها عموم الناس في جلساتهم المهنية، بل الخاصة. غير أنَّ الذهنَ -بمجرد سماعها- ينصرف مباشرة إلى رائدِ الأعمالِ بوصفهِ من يفتتح مشروعا ما، يقدّم من خلاله سلعًا، أو خدمات كوسيلة لتحقيق مكاسب فردية، وجمع الأرباح. و كثيرًا ما نُسلِّط الضوءَ على الأفراد الناجحين في ريادة الأعمال، ونُثني على النجاحات الفردية التي قاموا بها كبيل غيتس، جيف بيزوس، وإيلون ماسك.

ونتطلّعُ في بعض الأحيان للقائمة السنوية التي تخبرنا بترتيب أغنى رجال العالم. وربّما تداولنا ما يُثار بشأن الكيانات الربحية الكبرى كشركة أبل، وول مارت، وإكسون موبيل.

ولربّما حلُمنا بأن نكون من ضمن رواد الأعمال الذين فازوا بالنّجاحات على المستوى الشخصي، وحقّقوا ذواتهم، فنتخيل أنفسنا على رأس مجلس إدارة شركة مثلا ونمتلك أرصدة نعجز أن نحصي أصفارها. وهنا لابد لنا أن نسأل مجموعة من الأسئلة: هل ريادة الأعمال تقتصر على الصورة الاقتصادية المادية الفردية فقط؟ أم أن هناك زوايا أخرى يجب أن يُسلّط الضوء عليها؟ هل يُقاس نجاح رائد الأعمال بأرصدته البنكية فقط؟ وما دور ريادة الأعمال في تحقيق الأهداف العالمية المشتركة المرتبطة بالتنمية المستدامة؟ وهل لريادة الأعمال انعكاسات علينا كأفراد أو مجتمعات؟

لعلك عزيزي القارئ تدرك بشكل واضح أن الربح المادي يمثل عمودًا فقريا تستند عليه ريادة الأعمال مفهومًا و تطبيقًا، ويُشار إلى الربح كمؤشر رئيس لتقييم نجاح الأعمال وريادتها، وقد يُنظر له أنه الدافع الرئيس للخوض في مجال يوصف بالخطير وغير المضمون تارة، كما يُوصف بالحر والمرن من جهة أخرى. إلا أن حصر مفهومها في هذا القالب قد يصرف النظر عن كثير من الزوايا الهامة التي تلامسها ريادة الأعمال، وبالعودة لتاريخ ريادة الأعمال تجد أن كثيرًا ممن عرّفها لم يتطرق للاقتصاد والربح كجزء من التعريف. فمثلا ديفيد ماكليلاند (1961) وصف رائد الأعمال بأنه "شخصٌ تحرّكه الحاجةُ لإنجاز شيء ورغبة شديدة في إضافة شيء للحياة"، بينما وجد كولي (1959) "أنه يوجد أربعة أنواع من رائدي الأعمال وهم: المبتكر، المبتكر المجمع، المروج شديد التفاؤل، مؤسسو المؤسسات. هذه الأنواع لا علاقة لها بالشخصية ولكن لها علاقة بنوع الفرصة التي يواجهها الرائد".

 وقد برز أحد أهم المفاهيم الجديدة لريادة الأعمال عقب إطلاق أحد الإعلانات في الألفية الجديدة، وهو إطلاق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي أطلقتها الأمم المتحدة في عام 2015؛ لتضع خطوطًا عريضة للأهداف العالمية المشتركة بشكل موحّد لجميع البلدان، وتدع في -نفس الوقت- الخيار للدول في رسم الحلول والآليات التي تتبنّاها لتحقيق هذه الأهداف، وذلك طبقًا لرؤية الدولة وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية. تضمن هذه الأهداف حسب ما رسمته الأمم المتحدة الاستدامة الاجتماعية، الاقتصادية، والبيئية. وبالعودة لتلك الأهداف ستعرف مباشرة أهمية ريادة الأعمال، وأنها عمود رئيسي مؤثر في تحقيق هذه الأهداف؛ إما من خلال دورها المباشر في دعم الاقتصاد، وتوفير الوظائف مما يحسّن من الوضع المعيشي فيُساهم في تحسين الدخل المادي، وتحقيق الأمن الغذائي، أو من خلال سياساتها فقد تساهم في منح فرص متساوية للجنسين كما تساهم في التطوير المهني للأفراد، أو من خلال ممارساتها التي تأخذ شكلًا من المسؤولية كاستخدام الطاقة النظيفة، أو تقليل التلوث البيئي.

وقد أشار المجلس الدولي للشركات الصغيرة لارتباطها المباشر مع الهدفين الرابع والثامن من أهداف التنمية المستدامة. وباطلاعك على تلك الأهداف تجد أنها "أعطت دورًا كبيرًا للابتكار وريادة الأعمال، ليس فقط في تخصيص هدف مستقل لتنمية الابتكار، بل أيضًا في إقامة بنىً تحتيّةٍ قادرةٍ على الصمود، وتحفيز التصنيع الشامل والمستدام، ووسّعت المجال أمام الابتكار والإبداع وريادة الأعمال في توفير حلولٍ لقضايا الصحة، والفقر، الإسكان، والتعليم، والطاقة، والمياه والصرف، والحفاظ على البيئة وآليات تمويل الأهداف، علاوة على إطلاق الابتكار والإبداع في تحويل كل هذه التحديات إلى فرص اقتصادية، وتوفير فرص عريضة لمختلف الفئات والقطاعات للمشاركة الاقتصادية". بهذا يتوسّع مفهوم ريادة الأعمال فيشمل ممارسات اجتماعية، اقتصادية، بيئية بل وحتى سياسية وينتقل رائد الأعمال من فرد مستقل له أهداف وممارسات شخصية إلى كيان مؤثر في المجتمعات بل في الحركة العالمية، باعتباره عضوًا فاعلًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ فتصبح ريادة الأعمال جزءا من حلم الشعوب في تحصيل حياة كريمة، نامية وكريمة. 

 

إضافة للدور السابق الذي تقوم به ريادة الأعمال؛ فإنَّ مفهومها لم يقتصر على تحسين الحياة والعمل على زيادة جودتها كهدف ثانوي بعد هدف رئيسي، وهو تحصيل الأرباح، بل انبثق منه مفهوم جديد وهو ريادة الأعمال المجتمعية والتي تحاول عادةً تعزيز الأهداف المجتمعية، والثقافية، والبيئية الواسعة التي غالبًا ما ترتبط بالقطاع التطوعي في مجالات مثل التخفيف من حدة الفقر، والرعاية الصحية وتنمية المجتمع.

وينقسم رواد الأعمال المجتمعيون إلى رواد لا يستهدفون الربح، ورواد يمزجون بين أهداف الربح وتحقيق عوائد مجتمعية في نمطين مشهورين، الأول منهما يكون عبر إدارة مشاريع مستقلة تقدم منتجات أو خدمات ربحية، إلا أن أرباحها تعود بشكل كامل لمنظمات غير ربحية،كالجمعيات الخيرية أو المنظمات التطوعية. ومن الأمثلة على ذلك أحد العمارات الوقفية التي أُنشئت في الأحساء مؤخرا وفيها تؤجَّر الشقق بشكل ربحي ويعود ريعها للجمعيات الخيرية بالمنطقة، لتمثّلَ مصدرَ دخلٍ نامٍ ومستدامٍ لمستفيدي تلك الجمعيات.

والنموذج الآخر عبر تحصيل الربح بدرجة أولى، مع الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية، فشركة آبل مثلًا فعّلت هذه المسؤولية عبر استخدامها مواد قابلة للتدوير في مختلف أجهزتها، مساهمةً بذلك في الحفاظ على البيئة، أو استثمارها جزءًا من عوائدها في معالجة مرضى الإيدز والتوعية به(9). مثال آخر: هو شركة تومز للأحذية والتي تأسّست على مبدأ مفادهُ أنها ستُعطي حذاءً لكلِّ طفلٍ فقير مجانًا، مقابل كل حذاء يُباع، وهو نموذج عمل فريد يجمع بين الفلسفات الربحية وغير الربحية. كذلك يتبع Mycoskie نفس المبدأ في كتابه: Something That Matters. حيث يوضّح غلاف الكتاب: "مع كل كتاب تشتريه؛ سنوفّرُ كتابًا جديدًا لطفلٍ محتاج."

وبخصوص هذا القطاع؛ نجد أن المملكة العربية السعودية أعطت كثيرا من الاهتمام لمجال ريادة الأعمال كركن من أركان تحقيق رؤية 2030، بل وضعت مجموعة من الممارسات التي تساهم في دعم هذا القطاع، وبعض المستهدفات التي تساعد في تفعيله ومنها: السماح للمؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم بالمشاركة بشكل أكبر بالناتج المحلّي بنسبة تصل إلى خمسة وثلاثين بالمائة، إنشاء المزيد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة من أجل توفير المزيد من فرص العمل، وذلك بزيادة النّسبة التمويليّة إلى 35% بدلًا من 20%، و جعل عملية إصدار التراخيص للمشروعات الاقتصادية والتنموية أكثر سهولة، بما يساهم في تقدم المملكة اقتصاديًا.

كما أُنشئت العديد من المبادرات لتنمية هذا القطاع منها على سبيل المثال "ريادة" وهو تنظيم وطني مؤسسي مستقل غير ربحي أُسّسَ بمبادرة من وزارة الطاقة والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني تحت مسمى (معهد ريادة الأعمال الوطني). يهتمّ بريادة الأعمال وتنمية المنشآت الناشئة والصغيرة وساهم في تأسيسه مجموعةٌ سداسية قوية ممثّلة في شركة الصناعات الأساسية (سابك)، شركة أرامكو السعودية، شركة الاتصالات السعودية، مصرف الإنماء، بنك التنمية الاجتماعية، المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني.

أخيرا لابد أن ندرك أن ريادة الأعمال لها أثر كبير، وأنها تشكّل منظومة اقتصادية، ثقافية، مجتمعية هامّة تُسهم في تعزيز حاجات مشتركة وغايات أساسيّة تتعدى المستوى الفردي إلى مستويات أكبر تشمل الجوانب الاقتصادية، المجتمعية والبيئية. وأن لها من الغايات السامية والهّامة ما يجعل تفعيلها أمرًا ضروريًّا للازدهار والتنمية. كما يجب فهم آثار الابتكار وريادة الأعمال على تنمية المجتمعات، ومنح الثقة الكافية وتسخير كل السبل لدعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، وهو ما يستلزم تشجيع المؤسسات الحكومية على احتضان المشروعات الصغيرة، والعمل على دمج أفضل التكنولوجيات والابتكارات في برامجها، وإتاحة الفرص أمام أصحاب هذه المشاريع في المناقصات الحكومية. 

 

 

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات