توظيف الثقافات المُختلفة والمنفعة المُتبادلة

أماني مدخلي – مسار جازان
هذا المقال بقلم أحد المتميزين الفائزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي.

توظيف الثقافات المُختلفة والمنفعة المُتبادلة

 

أماني مدخلي – مسار جازان

 

هذا المقال بقلم أحد المتميزين الفائزين في برنامج صوت الشباب.

صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي.

 

 

 

أصبح عالمنا في العصر الحالي قرية صغيرة متصلة، مما سهّل التواصل بين الشعوب بشكل عام وتبادل الثقافات بشكل خاص.

وبما أن المملكة ضمن هذا العالم الذي يستخدم التقنية ويشهد هذا التنوع الثقافي الكبير، ففكرة أن نتبادل الثقافات المختلفة ونطورها ونعيد صياغتها قد تشكل هاجسًا، هاجس الخوف من أن تتأثر الثقافة الأصلية بالثقافات الأخرى فنقع في محظور الانسلاخ الثقافي أو طمس الهوية. 

ليس بالضرورة أن يكون تبني الثقافات المختلفة والتأثر بها حاجزًا أمام التطور، فالاستفادة من ثقافة شعب آخر لا يعني بالضرورة أن نتطبّع بطباعهم، فعلى سبيل المثال الغرب قديمًا عندما قدِموا إلى الأراضي الإسلامية لتبادل المعرفة ودراسة الطب والفلسفة والرياضيات وغيرها من العلوم، أضافوا إلى تلك العلوم بما عاد بالنفع على بلادهم. فرغم أن أساس نهضتهم قائم على ثقافة وعلوم عربية إسلامية، فلم يدعهم ذلك يتطبّعوا بطباع العرب. وأيضًا، يتضح لنا من المثال السابق أن مسألة تبادل الثقافات والمعارف وإعادة صياغتها مسألةٌ حدثت في العصور القديمة وليست شيئًا مُستحدثًا.

ثمَّ إنَّ ثقافة المسلم والحمد لله تُشجّعه على التطوير والتحسين. يقول الله تعالى (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في واقعة تأبير النخل (أنتم أعلم بشؤون دنياكم).

وأستشهد بردِّ وليِّ العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- على هاجس الخوف من الانفتاح الذي قد يطمس الهوية حيث قال: "إذا لم تستطع هويتك أن تصمد مع التنوع الكبير في العالم، فمعنى هذا أن هويتك ضعيفة، ويجب أن تستغني عنها، وإذا هويتك قوية وأصيلة تستطيع أن تنميها وتطورها وتعدل السلبيات التي فيها وتحفز الإيجابيات التي فيها معناه أنت حافظت على هويتك وطورتها" وتابع ولي العهد السعودي حفظه الله قائلًا: "أعتقد أن هويتنا قوية للغاية ونفتخر فيها وهي جزء رئيسي منّا، جزء رئيسي من الحراك الحاصل في المملكة العربية السعودية، فهويتنا السعودية المبنية على الهوية الإسلامية والعربية وإرثنا الثقافي والتاريخي".

ما العوائد الإيجابية لتوظيف الثقافات المختلفة؟

حقيقةً عوائدها كثيرة ولا أفضل من أن أستشهد بقوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا). فتبادل الثقافات يعزّز الحوار والتعارف بين المجتمعات المُختلفة.

وعندما نستفيد من ثقافة معيّنة من خلال استحداث فن جديد منها، فقد يكون استثمار ذلك الفن نافعًا على صعيد اقتصاد البلد، فالخط العربي مثلا خُلِق من ثقافة عربية، فهذا الفن وغيره من الفنون نستطيع استثمارها كإضافة جمالية تأخذ شكل زخارف ونقوش على المباني والأواني وغيرها فتزيد من إقبال الناس عليها.

ومن عوائد تطوير الثقافة على صعيد الثقافة نفسها أن نبنيَ ثقافةً مغايرةً تُسهم في تكميل ثقافتنا الأصيلة، فمثلاً عندما يتبنى أحد الشعوب ثقافة حب العمل الجماعي أو احترام المواعيد فتلك صفقةٌ رابحةٌ بكلِّ المقاييس.

 توظيف الثقافة وتطويرها قد يُطيل عمر قصة تلك الثقافة أعوامًا مديدة، فكم من المعالم الأثرية الآن تنظر إليها وتشعر أنك في آلة سفر عبر الزمن تعود بك للوراء لتحكي قصة معاناة أو إنجاز حضارة. وهناك ثقافات خارجية لطالما ساهمت في إنقاذ أمم من الأزمات والملمّات، فانظر كيف يمكن أن يكون تطوير فكرة مفتاحًا لأبوابٍ من الخيرات والنّجاحات. فالثقافات ليست مجرد سلوكيات ومعتقدات متوارثة، بل هي مرآة تعكس فكر إنسان.

والسؤال الآن: من يفعّل الثقافة ويتبنّاها ويوظّفها؟ المؤسّسات أم الأفراد؟ 

بلا شك أن المؤسسات والأفراد بينهما علاقة تكاملية، والمؤسسات مكوَّنةٌ أساسًا من أفراد لكلٍّ منهم وظيفة خاصة فيها. فمسألة توظيف الثقافة من الممكن أن تبدأ من فرد وتنتقل لمؤسسة، فمثلاً توظيف أحد العلوم من ثقافة معينة على شكل اختراع، فكرة الاختراع نفسها قد تكون بدأت من فرد والمؤسسة دعمت هذا الفرد. وقد يبدأ التوظيف من المؤسسة وينتقل للأفراد، كثقافة التطوع مثلاً، حيث قامت المؤسسات بإنشاء تطبيقات وبرامج تدعم هذه الثقافة واستفاد منها الأفراد.

كيف نستطيع أن نميز السلبي والإيجابي عند تبني الثقافات حتى نلتمس العائد الإيجابي من توظيفها ولا نعرض هويتنا للذوبان؟

 

أصبح الانفتاح على الثقافات الأُخرى ضرورة معاصرة وواقعًا لا مفر منه، فمسألة التمييز بين الحسن والسيئ تُعتبر مسألة مُثيرة، وبرأيي نستطيع أن نميّز الحسنَ من السيّئ من خلال التعرّف على الثقافة نفسها من ناحية القراءة والبحث عنها وفهم ما تعنيه والتعرف على مآلات تلك الثقافة ونتائجها. فهُناك ثقافات تحملُ رموزًا غير أخلاقية مثلاً، ولكنّك بالبحث والفحص تكون قد خلّصت نفسك من هذه الإشكاليّات.

إضاءات ذات صلة

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات