لطالما كان للعمل التطوّعي – بشتى أشكاله ومجالاته - مكانة خاصة في قلوب مجتمعنا السعودي بكافة أطيافه، ولا سيما الشباب. والعمل التطوعي ركيزة أساسية وأولية للتنمية المستدامة والتطوير، ويساهم في معالجة الأزمات التي قد تطرأ على المجتمع، وكذلك مساندة الفِرَق التطوّعية الفاعلة للمؤسسات الحكومية في إنجاح مواسم الحج والعمرة، إلى جانب مشاركة المتطوّعين في تنظيم مختلف الفعاليات كالمؤتمرات ومعارض الكتب وغيرها وإدارتها.
بالتأكيد، لا يسعى المتطوّع وراء تحقيق مكاسب مادية؛ ولكنّه يتفانى ويبذل من جهده ووقته، إيمانًا بمسؤوليّاته تجاه وطنه ومجتمعه؛ ولكن ذلك لا يمنع من حصوله على بعض الحوافز والتكريم الذي قد يكون دافعًا ومُعينًا له للاستمرار في العمل التطوّعي، ومن واجب المجتمع أن يساند المتطوّع، ويسعى إلى توفير الحوافز والامتيازات له، لتستمر ثقافة التطوّع في المجتمع.
من خلال تجربتي الشخصية وملاحظتي، وجدت أن هناك استغلالًا للمتطوعين من بعض الجهات؛ ويظهر ذلك من خلال استثمار عطائهم وجهودهم وأعمالهم المجانية في فعاليات ذات مردود ومكاسب رِبْحِيَّة للمنظّمين؛ مع الضغط عليهم بساعات عمل طويلة في ظل ظروف غير صحية؛ مما يهدد العمل التطوّعي، ويعرضه لتحديات كثيرة.
ولاستعادة الثقة بالعمل التطوّعي وتحسين صورته؛ فعلى المتطوّعين العمل في جهات رسمية، والاطلاع على أخبار وإعلانات الأعمال التطوّعية من المواقع الرسمية الموثوقة، لا عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي التي قد تُخفي هوية الأشخاص والجهات التي ينتمون إليها، وذلك لضمان حقوق المتطوّع. وعلى المتطوّع الحرص على طلب ميثاق التطوّع لهذا العمل، كما أنّ على المسؤولين التصدي لكل من يستغل العمل التطوّعي، أفرادًا أو منظمات، وإيقافهم عند حدهم. وبذلك ستضمن حماية حقوقك كمتطوع، وستعود الثقة تدريجيًا في الأعمال التطوّعية، ويعود المجتمع إلى ما تعوّد عليه.
ومن حقوق المتطوّعين: العمل في بيئة آمنة وصحية، والعدالة في الاختيار وتكافؤ الفرص، والحصول على معلومات حقيقية ودقيقة عن مؤسسات المجتمع المدني وقوانين العمل التطوّعي، والالتزام بالميثاق الوطني للتطوع، وعدم أداء مهام موظف مدفوع الأجر، والحصول على وصف واضح لوظيفة المتطوّع وساعات العمل مع تحديد نوعها وتخصصها، والمحافظة على سرية معلومات المتطوّع الشخصية ومراعاة خصوصيّته. ولابد أن تكون المهام الموْكَلة للمتطوع متوافقة مع عمره وقدراته، مع ضرورة توقيع أولياء أمور المتطوّعين الذين تقلُّ أعمارهم عن 18 عامًا على طلب القبول، مع إعطاء الأولوية للمتطوعين الذين يعملون لدى المؤسسة ذاتها.
يشرفني توجيه الدعوة إلى «وزارة العمل والتنمية الاجتماعية» بمناسبة إعلانها إطلاق «حملة المليون متطوع» للعمل على تنفيذ أنظمة وتشريعات واضحة لإنشاء بيئة عادلة وجاذبة للمتطوعين وبرامج لتدريبهم، وتقديم حوافز تشجيعيّة كأن يكون هناك مَيزَّات لمن يتجاوزون ساعات تطوع معينة، ومنحهم نقاطًا تجعل لهم أولوية القبول في الجامعات وفي التوظيف، وكذا إسقاط المخالفات المرورية ورسوم الخدمات عنهم، مع منحهم خصومات في وسائل النقل العام والمتاجر، إلى غير ذلك من وجوه الدعم والتسهيل؛ فالتطوّع الذكي والناجح رافدٌ أساسيٌّ في تنمية الوطن؛ وخدمة المجتمع، وقبل ذلك في استثمار الطاقات والأوقات المهدرة لأبنائه؛ وبالتالي لابد من الاهتمام الجَادِّ به وتنظيمه.
ومؤخّرًا، لاحظنا تزايد اهتمام جهات قوية ورسمية بالعمل التطوّعي، كما سُنّت قوانين صارمة تحمي المتطوّعين وأصحاب المؤسسات التطوّعية، ويؤسفني أن أقول إن جزءًا كبيرًا من أسباب استغلال المتطوّعين هم المتطوّعون أنفسهم؛ فجهل المتطوّعين ورغبتهم في العمل التطوّعي، وإلزام بعض الجامعات والمدارس الطلاب بساعات تطوعية، كل هذا ساعد بعض الجهات الربحية على العمل في الخفاء وجعل مصطلح التطوّع شعارًا لها من أجل تحقيق مبتغاها وأطماعها الربحية على حساب المتطوّعين والمتطوّعات دون تقديم الشكر والعرفان. ومن الجهات الداعمة والراعية للعمل التطوّعي وزارة الموارد البشرية والتي أطلقت بدورها حاضنةً سعوديّةً للعمل التطوّعي توفّر بيئة آمنة تخدم وتنظم العلاقة بين الجهات الموفرة للفرص التطوّعية والمتطوّعين في المملكة، وذلك عبر منصة العمل التطوّعي، حيث يمكنك أن تتطوع، في المكان والزمان والمجال الذي يناسب خبراتك ومهاراتك، كما تتيح لك المنصة توثيق ساعاتك وإصدار شهاداتك التطوّعية.
كما أنَّ الجائزة الوطنية للعمل التطوّعي تعــد أداة فاعلة لتحفيز المتطوّعين والمتطوّعــــــــات فــي القطاعات المجتمعية المختلفة وإلهامهم، وتهدف الجائزة في الأصل إلى إبراز الجهود التطوّعية المختلفة وتكريمها ونشر الفكر التطوّعي وترسيخه لدى أفراد المجتمع، والمساهمة في بناء صورة ذهنية إيجابية عن المجتمع السعودي تجاه قيم العطاء والبذل.