ثقافة التطوّع في المملكة العربيّة السعوديّة

داليا باجري – مسار جازان
هذا المقال بقلم أحد المشاركين المتميزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي

الخصائص الاجتماعيّة من سمات الإنسان الطبيعيّة، والرغبة بالشعور بالانتماء رغبةٌ إنسانيّة عالميّةٌ مشتركة، فالإنسان بطبيعته لا يستطيع العيش بمفرده، بل يحتاج أن يكون ضمن مجتمعٍ ومع مجموعةٍ من الأفراد للشعور بالانتماء والأمان، سواء في محيطه الشخصي أو العملي. ومن أهمّ الأفعال التي تعزّز قيم الترابط المجتمعي والشعور بالانتماء التطوّع. فالتطوّع مساهمةٌ يقدمها الفرد برضًا وقناعةٍ من غير مقابل، بدافع الإسهام في تقديم خدمةٍ اجتماعيّة. قد تكون هذه المساهمة ماليّة، خدميّةً أو مجهودًا بدنيًّا أو فكريًّا، حيث يهدف التطوّع إلى إثراء المجتمع والمساهمة فيه، من خلال كسب الخبرة في مجالٍ معيّنٍ أو إكمال ساعات تطوّعٍ لمنظّمةٍ تعليميّة.

يُتيح التطوّع تعزيز المهارات الاجتماعيّة حين يمنح الفرصة لتكوين علاقاتٍ وروابط جديدةٍ ولقاء أشخاصٍ من خلفيّاتٍ ثقافيّةٍ متعدّدةٍ باستمرار، كما أنّه كذلك يمكّن من خوض نشاطاتٍ وأعمالٍ جديدةٍ خارج نطاق العمل. 

سُجِّلَ أوّل فعلٍ تطوّعيٍّ عام 1755 لصالح ام. اف ار. فولنتير (كما هي بالإنجليزيّة "تطوّع") المتعارف عليها عام 1600، "وهو شخصٌ يقدّم خدماتٍ عسكريّةً"، وفي المجال غير العسكري في الثلاثينيّات من القرن السادس عشر أصبح لكلمة التطوّع (volunteering) مؤخرًا استخداماتٌ جديدةٌ مقاربةٌ لكلمة "خدمة المجتمع"، ولكن لايزال الاستخدام الغالب عسكريًّا.

تتمثّل أهميّة التطوّع في الفقرات التالية:

  •  تعزيز الثقة بالنفس.
  •  كسب مهارةٍ جديدةٍ والانتفاع بها.
  •  استثمار وقت الفراغ، وحثُّ الشباب على أهميّة العمل التطوّعي لما فيه من خدمة للمجتمع والوطن.
  •  توسيع دائرة المعرفة الاجتماعيّة.
  •  نشر ثقافة حبّ الخير للآخرين ومساعدتهم.

قامت المملكة العربيّة السعوديّة بتعزيز ودعم العمل التطوّعي، وأضافته لمستهدفات رؤية 2030؛ ليكون وفق منهجٍ مميّزٍ يحفّز على التبنّي المجتمعي والتمكين وصولًا إلى مليون متطوّع ومتطوّعة نهاية عام 2030. 

وتشارك المملكة في الاحتفاء باليوم العالمي للتطوّع، وعلى الصعيد المحليِّ قامت بتفعيل يوم التطوّع السعودي تعزيزًا لقيم العمل التطوّعي، وساهمت هذه المبادرة في وصول عدد المتطوّعين حسبَ إحصائيّةٍ أجرتها الموارد البشريّة والتنمية الاجتماعيّة عام 2019 إلى 120,000 متطوّعًا.

وقامت المملكة بتنفيذ عدّة مبادراتٍ تطوّعيّةٍ مع بعض الوزارات وذلك بتنظيم مجموعةٍ من الأنشطة والفعاليّات مع فرقٍ تطوّعيّةٍ في عدّة مجالاتٍ مثل "مبادرة التوعية الصحيّة" بالتعاون مع وزراة الصحة و"مبادرة ترميم وإعادة المساكن" بالتعاون مع وزارة الإسكان والمباني و"مبادرة التشجير والإسهام في زيادة البيئات الزراعيّة والخضراء في المملكة" بالتعاون مع وزارة البيئة والزراعة والمياه.

وتُسهم المبادرة وفق رؤية المملكة 2030 في مجال حماية البيئة، إلى نشر ثقافة التشجير "الأشجار والنباتات" وممارستها بين أفراد المجتمع عبر الحملات التطوّعيّة.

واستهدف عدد الفرص التطوّعيّة 48,125 فرصةً تطوّعيّة، وقد تجاوزت الفرص المحقّقة 300,837 فرصةً 67% منها في مجال التطوّع لعام 2019 و21% في مجال التطوّع المهاري و12% في مجال التطوّع الاحترافي، كما بلغ عدد الساعات التطوّعيّة 18,735,625 ساعةً تطوّعيّة.

ومع انتشار ثقافة التطوّع في المجتمع لوحظ استغلال المتطوّعين من جهات أخرى، من خلال استغلال مهاراتهم وجهودهم التطوّعيّة في مشروعاتٍ تدرُّ أرباحًا طائلة، والضغط عليهم وجعلهم يعملون لساعاتٍ طويلةٍ في ظروفٍ صحيّةٍ وأجواء غير مناسبة، مما يؤثّر على نشاطهم وعطائهم، وقد يرسم صورةً سيّئةً عن العمل التطوّعي، وذلك من خلال وضعهم في تحدّيات كثيرة. وعليه؛ فقد أُنشِأَ وسم #لا_للتطوّع_الاستغلالي في تويتر ولاقى تفاعلًا واسعًا وغرّد الكثيرون عن التطوّع الاستغلالي والفرق بينه وبين التطوّع الفعلي. وكاستجابةٍ لهذا الوسم صدر قرارٌ من وزارة الموارد البشريّة تعقّب فيه بأنَّ "أيَّ عملٍ للمنشآت الربحيّة لا يعتبر عملًا تطوّعيًّا، ويُعدُّ من الأعمال التعاقديّة التي يستحق العامل مقابلها أن يتقاضى أجرًا عنها". قرارٌ رائعٌ وحازمٌ أعاد الثقة في فهم العمل التطوّعي للأفراد والحدِّ من استغلاله من بعض المنشآت الربحيّة أو الجهات. وذلك يدلُّ على جهود المملكة الحبيبة في نشر الوعي والثقافة للمجتمع. حيث أُقيمت منصّةٌ للعمل التطوّعي تفرض على المنظّمات غير الربحيّة الإعلان عن فرص التطوّع عن طريقها، ويكون إصدار الشهادات عن طريق هذه المنصّة وتوثيقها من وزارة الموارد البشريّة.

إِنَّ نظام التطوّع الجديد الذي أقرّته الوزارة صِيغَ ببنودٍ لحماية حقوق المتطوّع والمنظّمة، ممّا يبشّر أنّنا أمام عهدٍ جديدٍ مختلفٍ وواعٍ، تنتشر فيه ثقافة التطوّع في جميع ربوع المملكة. حيث أنَّ ديننا الإسلامي سبق كل النظريّات والمفاهيم وحثَّ على التطوّع في قوله تعالى: "فَمَن تطوّع خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ".

على مر السنين التي مضت، فكرة التطوّع لم تخطر ببالي، قد يكون هذا بسبب قلّة معرفةٍ وجهلٍ بالموضوع، وأنه منحصرٌ فقط في الطلبة الجامعيين وطلبة المدارس.

انضممت إلى التطوّع في منظّمةٍ غير ربحيّةٍ اسمها (علوم البيانات والذكاء الاصطناعي) وذلك لكسب الخبرة والتطوّر. وأستطيع القول بأنّه خلال هذه الفترة كوّنت بعضًا من الخبرة والعلاقات المهنيّة التي تستحق التوثيق والحديث عنها في مجال علم البيانات، مع أنَّ خلفيّتي التقنيّة محدودةٌ جدًّا. وأصبح لدي شغفٌ بمجال علم البيانات ورغبةٌ بربطه بمجال تخصّصي، ومن هنا بدأتُ تعلّم بعض لغات البرمجة من خلال البرامج واللقاءات التي يقدمونها. والآن أطمح بأنْ أكون عالمة بياناتٍ في مجالي.

أؤمن بأنَّ رحلتي في مبادرة التطوّع قد أضافت لي الكثير من المهارات على الصعيد المهني والتي ستساعدني على الدخول إلى سوق العمل، وكذلك على المستوى الشخصي كالشعور بالعطاء والإنجاز وحبِّ الآخرين وحسِّ المبادرة، وأخيراً شعوري بأنّي ضمن مجتمعٍ يمثّلني ويقدّم خدماتٍ تعليميّةً تُفيد أفراد المجتمع.

خلاصة القول، المملكة ستشهد حقبةً جديدةً وهذه الحقبة ستنعكس على المشهد الحضاري والتنموي للبلاد، والعمل التطوّعي سيكون أحد ركائزها وهو فعلٌ إنسانيٌّ جميلٌ يبعث روح التعاون وحبَّ الخير للآخرين ورفعة المرء بنفسه والشعور بالانتماء للمجتمع ويُساعد في تمنيته وتطوّره ويدل على حيويّة الشعوب وثقافتها وتعزيز روح الشراكة بين أفرادها والأهمّ من ذلك هو أمان الأوطان. ولكن مع ذلك يجب تقدير هذا الفعل إذا كان سيضيف قيمةً للمرء نفسه أو المجتمع، حيث أنّه سيُعطي الوقت والجهد لتقديم هذه الخدمة مع ضرورة التيقّظ والحذر من استغلال التطوّع.

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات