أثر تمكين المرأة في نموِّ ريادة الأعمال في المملكة العربيّة السعوديّة

شعاع الشمري – مسار الأحساء
هذا المقال بقلم أحد المشاركين المتميزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي.

"تمكين المرأة والشباب محوران أساسيان لتحقيق النموِّ المُستدام"، لعلّ هذه المقولة لوليّ عهد البلاد سموِّ الأميرِ محمد بن سلمان -حفظه الله-، العزيزة جدًّا على كلِّ امرأةٍ سعوديّة، هي أثمن ما نبتدئ به هذا المقال؛ فهي ليست مجرّد مجموعة كلماتٍ مصفوفةٍ في جملةٍ واحدة، بل هي أكثر من ذلك؛ فخلف كل كلمةٍ منها دعمٌ مستمرّ وجهدٌ متواتر من أجل حفظ حقوق النّساء وإشراكهنّ في أنواع القرارات كافّة؛ لأنهنّ نصف المجتمع كما أَردَفَ -حفظه الله-؛ وعليه كان لزامًا عليهنَّ اتخاذ ما يرونه مناسبًا لهذا المجتمع الذي هنَّ جُزءٌ منه. هذا التمكين هو الأمل الذي شقّ طريقه للنور من يوم انطلاقة رؤية الوطن 2030 في الخامس والعشرين من عام 2016 إلى يومنا هذا، وما زال في الوقت بقيّة.

ونستطيع القول إنه في ظِلِّ نموِّ قطاع ريادة الأعمال وازدهاره -ليس في المملكة فحسب، بل في العالم أجمع-، ثَمَّة تساؤلٌ يتبادر إلى بعض الأذهان في ظلِّ تمكين المرأة، وهو: هل للنّساء السعوديّات أثرٌ واضحٌ في ازدهار قطاع ريادة الأعمال؟ ولا سيّما بعد تمكينهنّ في عدّة نواحٍ اجتماعيّة كانت أم سياسيّة، إلى درجةِ توليتهنَّ المناصب العُليا والقياديّة في الدولة، فنحنُ في هذهِ المقالة سنوضّح الأثر الذي خلّفه تمكين المرأة في ريادة الأعمال، وهو القطاع الأكثر إقبالًا ونشاطًا في الوقت الراهن، وسنستند في ذلك إلى ما تضمّنته الرؤية الطموحة. سنُعرّف أولًا مفهوميْ تمكين المرأة السعوديّة وريادة الأعمال، ثم سنتطرّق إلى إبراز مظاهر هذا التمكين ودور المملكة العربيّة السعوديّة في تقديم الدعم للنّساء في جميع القطاعات ولا سيّما في ريادة الأعمال، ولأنَّ لغة الأرقامِ عادةً ما تُظهر الحقائق، فإنّنا سننطلق منها لتدعيم محاورنا بأهمِّ الأرقام والإحصائيّات الدالّة على ذلك، وأخيرًا سنسلّطُ الضوء على عيّنةٍ من النماذج النسائيّة المُلهمة لرائدات أعمالٍ سعوديّاٍت بدأنَ من الصفر خلال السنوات الماضية.

دائمًا ما يتردّد في أذهاننا مصطلح التمكين -رغم تعاريفه المختلفة- وقد عرّفه معجم المعاني: بأنّه "السعي إلى تمكِين شخصٍ من النجاح" ويزيد من مكانة هذه الكلمة وأهميّتها ورودها في القرآن الكريم، فقد قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} (النور: 55). ومن أهمّ ما نشير إليه أنَّ تفعيل مفهوم التمكين ليس حديثَ عهدٍ في المجتمعات، بل ظهر منذ عهودٍ مبكرة؛ تحقيقًا للغرض الرئيس، وهو حماية أفراد المجتمع من الاضطهاد، ونستطيع أن نُعرّف تمكين المرأة السعوديّة بأنه: عمليّة إعطاء المرأة حقوقها ومنحِها القدرة والسيطرة على حياتها، لإنجاز مصالحها الخاصة؛ وذلك من خلال تقديم الدعم لكي تحصل على الموارد التي تحتاج إليها مع تعزيز مهاراتها ونقاط القوّة لديها، تمهيدًا لأنْ تكون جزءًا من المناصب العالية في قطاعاتٍ عديدة، مع مشاركتها في صنع القرارات الهامّة في الدولة.

أما المفهوم الثاني وهو ريادة الأعمال -المفهوم الذي ينتمي إلى القطاع الذي لاقى طلبًا عاليًا في السوق، وما زال- فاستطاع -منذ ظهوره في القرن السابع عشر على يد المفكر والعالِم الاقتصادي الفرنسي جان بابتست ساي: Jean- Baptiste Say   إلى اليوم- أن يغيّر التوجّهات، ويُضيف لسوق العمل شيئًا من الابتكار والإبداع، حتى أصبح أثره ينبسط ويمتدّ إلى اقتصاديات الدول، فرغم وضوح مفهوم الريادة عند بعض الباحثين؛ فإنَّ المغالطات التي يتصوّرها البعض الآخر عنه كثيرةٌ جدًّا؛ فكان لِزامًا علينا توضيح ماهيّته، ولعلّ من أفضل من وضّح مفهوم ريادة الأعمال الأستاذ أحمد الصالح الزميل المستشار للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ قام الصالح بتشبيه ريادة الأعمال بالقصّة التي لا تكتمل إلا بثلاثة مشاهد رئيسة، الأول -وهو الأهم- أن يكون لدى الشخص نمطيّة تفكيرٍ خاصةٌ به وبمعزلٍ عن الآخرين، فتدفعهُ أفكارهُ الفريدة من نوعها إلى الإصرار على تحقيق هذا المشهد من القصّة، أما المشهد الثاني فهو: أن تكون في سوق العمل فجوةٌ لم يلتفت إليها أحد، فيقوم رائد الأعمال باستغلالها والعمل على إشباعها بطريقته الخاصة، أما المشهد الثالث -وهو الأخير- فيُعنى بالابتكار، فليس كلُّ شخصٍ قرّر أن يفتتح مشروعه الخاص يسمَّى رائد أعمال؛ فالأمر هنا مُغايرٌ لأنَّ الفكرة التي يتبناها روّاد الأعمال لابد أن تكون مُبتكرةً أو تضيف قيمةً تنافسيّةً إلى السوق، كأن يعمل على ابتكار فكرةٍ جديدة أو حلٍّ فعّال لمشكلةٍ قائمة، فإذا اجتمعت هذه المشاهد الثلاثة في مالك المشروع، نستطيع القول إن قِصتهُ مع ريادة الأعمال قد ابتدأت!

وتبدو أبرز مظاهِر تمكين المملكة للمرأة في مشاركتها في الكثير من المسارات التي تعزّز تنمية الاقتصاد، كنسبة مشاركتها في سوق العمل التي تضاعفت من 17% إلى 31.8%، متجاوزةً بذلك الهدف الموضوع في رؤية (2030) وهو الوصول لنسبة 30%، كما كان للمملكة دورٌ كبيرٌ في تقلّد المرأة العديد من المناصب حتّى بلغت نسبة النّساء في المناصب الإداريّة المتوسطة والعليا في كلا القطاعين العام والخاص 30% خلال العام الماضي 2020م، ولم يقف تمكينها هنا فحسب، بل امتدَّ إلى قدرتها على ترشيح نفسها في الغرف التجاريّة والمجالس البلديّة، وأصبحت المرأة السعوديّة قيمةً مضافةً وجزءًا فعّالًا في مجالس الشورى والمناصب الدبلوماسيّة، كما أنَّ المملكة أوْلت رائدات الأعمال السعوديّات اهتمامًا خاصًّا، فقامت بإنشاء برامج عديدة ومراكز تدريب متخصّصة لمساعدة الراغبات منهنّ في الانضمام لهذا المجال، بالإضافة إلى تقديم الاستشارات لهنّ واحتضان المشاريع الناشئة، ومساعدتهن للحصول على التمويل الماديِّ بأحدث الأساليب والتقنيات؛ وهو ما انعكس في نهاية المطاف على تحسين الاقتصاد السعودي، ثمّ توفير العديد من فرص العمل والحدّ من البطالة.

فاليوم نستطيع أن نتلمّس أثر هذا التمكين من خلال تحقيق المملكة أحد أهدافها المنشودة ضمن رؤيتها الطموحة؛ وهي أن تزداد نسب رائدات الأعمال في السعوديّة وأنْ يكنَّ قادراتٍ على الخوض في المنافسات العالميّة، بل تحقيق المراكز الأولى في المجال الريادي، وهذا ما حدث بالفعل؛ حيث أشارت إيمان المطيري، مساعد وزير الخارجيّة في المملكة، إلى أنَّ نسبة رائدات الأعمال في السعوديّة بلغت 20%، كما أنّه خلال العام المنصرم 2020م  أجرت الرابطة العالميّة لأبحاث ريادة الأعمال دراسةً شملت ثلاثةً وأربعين (43) دولةً ومقاطعةً من جميع أنحاء العالم، وتبيّن أنَّ المملكة العربيّة السعوديّة احتلّت المركز الثاني بين دول العالم في مجال ريادة الأعمال بنسبةٍ تصل إلى 17.7% متفوقةً بذلك على الولايات المتحدة الأمريكيّة 13.6%، وكوريا الجنوبيّة 10.6%، وألمانيا 4.4%، وغيرها من الدول المتقدّمة.

وقد كانت نماذج رائدات الأعمال السعوديّات اللاتي ظهرن خلال السنوات الماضية كثيرةً لا يمكن حصرها، ولعلّ من أبرزهن: رائدة الأعمال السعوديّة إيمان عبد الشكور، الرئيس التنفيذي لمُسرِعة بلوسوم (Blossom) وهي الصغرى في المجال، قادها طموحها وشغفها للانتقال من تخصص المُخ والأعصاب -بعد دراستها في جامعة كاليفورنيا (California)- إلى ريادة الأعمال، حيث تُعتبر هذه المسرّعة الأولى من نوعها في المملكة التي تُعنى بتمكين المرأة بشكلٍ خاص، وتعزيز الشموليّة في المجال الريادي؛ فأخذت إيمان على عاتقها إلهام النساء ودعمهنَّ وتزويدهنَّ بكل ما يحتجنَ إليه من موارد تعليميّة وتمويليّة، وذكرت في أحد لِقاءاتها التلفزيونية أنّها تتمنّى من خلال مُسرِّعة بلوسوم أن ترى في الأعوام المقبلة، الكثير من رائدات الأعمال اللاتي يُمسكن زمام الأمور في مشاريعهنَّ الخاصة، ونحنُ هنا نتشارك الأُمنية ذاتَها مع إيمان.

ولو أمعنّا النظر في واقعنا قليلًا؛ فسنجد أيضًا سارة العايد، التي كانت من أوائِل رائدات الأعمال في السعوديّة، إذ كانت قصّة نجاحها بمنزلة الإلهام للمرأة السعوديّة، فقبل 20 عامًا من الآن خَطَت سارة أولى خطواتها في الريادة، إذ أسست مع أخيها محمد شركة تراكس (TRACCS)، واليوم تتولّى منصب: رئيس الشؤون الاستراتيجيّة في الشركة، إضافةً إلى أنّها عمِلت على تكريس جهودها لدعم المرأة السعوديّة وتمكينها في مجال ريادة الأعمال، فأسهمت في توجيه وتدريب أكثر من 120 امرأة، وترأست مسابقة ريادة الأعمال في جدّة إلى أن بلغ عدد المستفيدات من ذلك 60 ألفًا ما بين رائدات أعمال وطالباتٍ ناشِئات، وفي عام 2013 أُدرجت سارة في مجلّة فوربس ضمن سيدات الأعمال الأكثر تأثيرًا في الشركات العائليّة على مستوى الشرق الأوسط، وفي 2019 عُيّنت عضوًا في مجلس إدارة غرفة جدّة من قبَلِ وزير التجارة: معالي الدكتور ماجد القصبي.

سارة وإيمان نموذجان مُلهِمان، ولكن نحنُ هنا نُشدّدُ على أن هناك المئات من النماذج اللاتي نعتزّ بجهودهنّ في تعزيز مكانة المملكة كمركزٍ بارزٍ في مجال ريادة الأعمال.

خِتامًا، بعد أن تعرّفنا على مفهوميْ التمكين وريادة الأعمال، وشاهدنا معًا مظاهر تمكين المرأة السعوديّة مدعومةً بمؤشّراتٍ حقيقيّةٍ ونماذجَ واقعيّةٍ على ذلك، هُنا نستطيع أن نقول -بإيجازٍ- إنَّ للمرأة السعوديّة أثرًا واضحًا في ازدهار ريادة الأعمال ونموّها، فهي المُحرّك الذي يجب دعمه وتمكينه حتّى يستطيع أن يعمل بأعلى ما يملك من طاقةٍ وإمكانات، ونتوقّع ارتفاع هذه المؤشّرات في قادم الأيام، وتحقيق المزيد من الإنجازات والمراكز العالميّة الأولى في المجال الرياديِّ بإذن الله، مُتمنّين أن ينهض رجال السعوديّة ونساؤها بتكاتفهم معًا وحصولهم على فرصٍ متساوية بمستقبّل هذا الوطن العظيم والمساهمة في التعزيز نموّه الاقتصادي؛ لينافس بذلك دول العالم أجمع.

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات