كيف لفنِّ الكتابة أن يصنع الحياة؟

سميّه الشمراني – مسار جازان
هذا المقال بقلم أحد المشاركين المتميزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي

الكتابة تعبّر عمّا يكمُنُ داخل الروح فهي تأخذني من محيطي إلى عالمٍ موازٍ مليءٍ بالحياة؛ فإنّي حين أكتب كأنَّ جسدي يتمايل مع نغماتٍ موسيقيّةٍ جذّابة، وكأنَّ روحي ترقص في الهواء الطلق، وإنّي أكتب لكي أطرح عنّي كلَّ العبء المتراكم عليّ، إنَّ الكتابة تخلق بداخلي الحياة، إنَّ جسدي يتناغم مع الكتابة وكأنّهُ آلةٌ موسيقيّةٌ تُطرب الجمهور وتُطرب قلبي وتجعلني في نشوة الفرح البالغ وتغدو على ملامحي كلُّ تعابير السعادة.

من خلال تجربتي للكتابة على مدى عدّة سنين وفي كل مراحل الحياة التي مررت بها، من البالغة الصعوبة إلى الأوقات السهلة؛ كانت الكتابة أداة نجاةٍ وأداة صناعة البهجة في قلبي، وهي دافعٌ قويٌّ لي كفردٍ لتطوير نفسي والانخراط في القراءة واكتشاف ذاتي، وكانت دواءً لمشاكل مررت بها؛ كما أراها من وجهة نظرٍ شخصيّةٍ فلسفيّةٍ من خلال تجربةٍ بسيطةٍ أعطتني أملًا كبيرًا في الركض خلف ما يستهويني ويُحقّق شغفي.

فقد ذكرت الكاتبة جوليا كاميرون -في كتابها طريق الفنّان- فكرةً أطلقت عليها: صفحات الصباح، وهي أن تكتب ثلاث صفحاتٍ عما يجول في خاطرك ولا تعيد قراءتها؛ فهي تساعد الفرد على إعادة الاتصال بذاته وبالفنِّ الذي يكمن بداخله وتحفّز القدرات الإبداعية لديه، ومن خلال تطبيقي للكتابة الصباحيّة وقت انتقالي من مدينةٍ لمدينة أحسست في نفسي ذلك الشعور بالارتياح والانبساط والرضوان، فقد كانت صفحات الصباح خير رفيقٍ لي، وصرت أذهب لعملي بانشراحٍ وطمأنينة.

لقد بدأ استخدام الكتابة للمساعدة في تخطّي بعض المشاكل النفسيّة وزيادة مستوى الصحة العامّة للفرد من سنة 1980؛ فهي تُعتبر أحد وسائل تفريغ الغضب أو الطاقة السلبيّة والمساعدة على تجاوز مشاكل نفسيّةٍ مختلفةٍ وذلك إذا مارسها الفرد بالطرق الصحيحة وعبر تطبيقه لتدريباتٍ معيّنة.

وقد أُجريت دراسةٌ لمدة 12 أسبوع على 70 شخصًا يعانون من القلق والتفكير السلبي والاكتئاب؛ فكانت النتيجة بعد ممارستهم التدوين 15 دقيقة في اليوم، لمدّة ثلاثة أيامٍ بالأسبوع أنّه قد لاحظ الأشخاص أنَّ الأعراض خفَّت بعد شهرٍ بمستوى متوسط، وبعد شهرين من الاستمرار على ممارسة الكتابة خفّت الأعراض بشكلٍ كبير.

 

ومن خلال تجربتي للتدوين اليومي وتركيزي على كتابة الأمور والأحداث التي حصلت لي بطريقةٍ إيجابيّةٍ؛ لامستُ أثرها على صحّتي النفسيّة وتوجيه تفكيري من النظر للأحداث وحتى للأشخاص بسلبيّة إلى الإيجابيّة، بالإضافة إلى أنَّ التدوين كان ولايزال معينًا لي على النوم بعمقٍ فالحمد والشكر لله على نعمه. 

وللكتابة وتدوين مهامِّ اليوم دورٌ كبيرٌ في زيادة ثقتي بنفسي بشكلٍ أكبر؛ ففي اليوم الذي أدوّن يوميّاتي وأرصد مهامي يُولدُ داخلي شعورٌ بالازدهار، وكأنَّ وردةً تفتّحت في صدري، وأصبحتُ قادرةً على الحديث برزانةٍ أكثر بين زملاء عملي مع إحساسٍ بسعادةٍ غامرةٍ وشعورٍ بلذّة الحياة.

إنّها تجربةٌ فرديّةٌ ممتعة، وإنّي أرى في ظلِّ تطوّر المملكة العربيّة السعوديّة الحاصل أنْ يُقترحَ ويُطبّق تعليم التدوين الكتابيِّ عن الأحداث اليوميّة والتفاصيل الصغيرة ونثريّات الحياة؛ ممّا يعزّز عنصر الملاحظة ويُربّي الصغارَ على التأمّل وتحسين أدوات التفكير، وأن تُدرّسَ وتُعلّمَ هذه المادّة بوصفها فنًّا وترياقًا نافعًا ناجعًا؛ لأنّها ستساعد الطلّاب على التقليل من التوتر قبل الاختبارات وزيادة التركيز وتحفيز القدرات الإبداعيّة واكتشاف الذات، وتساعد طلّاب الصفوف الأوّلية وتزيدُ من ثقتهم في أنفسهم وتغلّبهم على الخوف.

ففي إحدى الدراسات قام الباحثون بإجراء تجربةٍ لمعرفة مدى سعادة الطلّاب وراحتهم في الصفوف الدراسيّة وكيفيّة تأثير استخدام بعض الأدوات لزيادة مستوى تركيزهم والتقليل من توترهم في حضور الصفوف الدراسيّة وأثناء الاختبارات، فقد أُجريت الدراسة على 117 طالبًا لمدة 12 أسبوعًا، وهنا بعض التمارين المستخدمة: كتابة بعض النعم والامتنان لحدوث بعض الأمور، على أن يكون ذلك في بداية كلٍّ حصّةٍ دراسيّة، تمارين التنفّس وتدريباتٌ أخرى للحدِّ من التوتر وضغوط الدراسة؛ والنتيجة كانت 26٪ انخفضت نسبة التوتر، 14٪ زيادة في مستوى الراحة والاسترخاء في حضور الصفوف الدراسيّة، 12٪ زيادة في نسبة التركيز،10٪ في تحسين و زيادة جودة التعليم.

إنَّ الكتابة فنٌّ فهي عالمٌ مركّبٌ من الكلمات اللامتناهيّة، إنَّ تجربة الكتابة تعطي الفرد قوّةً داخليّةً وثقةً في النفس، ويلتمس من خلالها الحبَّ والجمال في الحياة، ولفنِّ الكتابة دورٌ كبيرٌ في انتعاش الروح وإعادة تأهيل النفس بعد الأزمات وخلق صورةٍ جديدةٍ جيّدةٍ مع بداية اليوم. 

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات