يسعى كل رائد أعمال ناجح دائمًا للاستفادة من تجارب من سبقوه في مسيرته الريادية، ويمكنه الحصول على الكثير من الدعم والإرشاد في بطرق متنوعة من جهات مختلفة مثل حاضنات ومسرّعات الأعمال، والمستثمرين الملائكيين، وصناديق رأس المال الجريء، وغيرهم. ومع ذلك، يبقى بحاجة إلى مجموعة من الخبراء الذين يقدمون له المشورة خلال مسيرته ويستطيع استشارتهم عند الحاجة.
يمكن تشكيل هذه المجموعة كمجلس استشاري للشركة الناشئة، حيث يقدّم المجلس توصيات غير ملزمة، لكنها تكون فعّالة على المستوى الاستراتيجي بهدف تجنّب الأخطاء الشائعة والتغلّب على التحديات التي قد تواجه الشركة في مراحلها الأولى.
ويحقّق المجلس الاستشاري للشركة الناشئة عدة أهداف، مثل تجنّب التحيّز بين أعضاء الفريق وتعارض المصالح بينهم، والتشجيع على الابتكار من خلال توفير أعضاء المجلس رؤى من خارج الشركة، وطرح الأسئلة الضرورية عند الحاجة والتي قد لا تخطر على بال الفريق، والتدقيق في الاستراتيجيات من منظور خارجي، والمساعدة على التكيّف مع التغيّرات.
يمكن للشركات الناشئة تأسيس مجلس استشاري في أي مرحلة من مراحل حياتها. في المراحل المبكرة، قد تكون الشركة في حاجة ماسة إلى التوجيه والتخطيط الاستراتيجي لبناء قاعدة صلبة للنمو. لذلك، فإن تأسيس مجلس استشاري بعد مرحلة البدء يمكن أن يساعد الشركة في تحديد الاتجاه الصحيح
وتحقيق النمو المستدام.
وظيفة المجلس الاستشاري
يلعب المجلس الاستشاري أدواراً حيوية في دعم الشركات الناشئة بطرق متعددة. بدايةً، يقدم أعضاء المجلس التوجيه الاستراتيجي اللازم لتحديد الأهداف طويلة المدى وتطوير خطط عمل تتماشى مع رؤية الشركة، ويتضمن ذلك تحديد المجالات التي يجب التركيز عليها.
ينبغي لروّاد الأعمال اختيار أعضاء للمجلس الاستشاري يمتلكون شبكة علاقات واسعة يمكنهم الاستفادة منها لفتح فرص جديدة للشركة الناشئة، من خلال تقديمها إلى شركاء استراتيجيين ومستثمرين وعملاء محتملين. إضافة إلى ذلك، يفضل اختيار أعضاء يمكن أن يساهموا في جمع الاستثمارات اللازمة للشركة، وذلك من خلال علاقاتهم وتقديم النصائح حول كيفية جذب المستثمرين والتفاوض على بنود مذكرة الشروط والاستثمار على حد سواء. وكلما كانت سمعتهم وشهرتهم أكبر، ازدادت فرص جذب الاستثمارات التي تأتي عن طريقهم.
لا يقل الدعم النفسي والمعنوي الذي يقدمه أعضاء المجلس أهمية عن الدعم المهني، إذ يمكنهم تقديم الدعم النفسي لرواد الأعمال وتعزيز ثقتهم وقدرتهم على التغلب على الصعوبات بحكم الخبرات التي يمتلكونها. في مجال الابتكار والتطوير، يشجع الأعضاء على تقديم أفكار جديدة ومراجعة الأفكار الحالية، مما يساعد في تحسين المنتجات أو الخدمات واستكشاف فرص جديدة في السوق.
وأخيراً، يمكن لأعضاء المجلس التأثير على ثقافة الشركة من خلال الترويج للقيم والأخلاقيات المهنية الجيدة، وتقديم مثال يُحتذى به للإدارة والموظفين، مما يساعد في بناء بيئة عمل إيجابية ومنتجة. وعلى الرغم من أن توصيات المجلس الاستشاري غير ملزمة مثل قرارات مجلس الإدارة، فإنها تساعد رائد الأعمال على توسيع الخيارات أمامه للسعي نحو اتخاذ قرارات أفضل.
طريقة اختيار أعضاء المجلس الاستشاري
يتطلب اختيار أعضاء المجلس الاستشاري دقةً واهتمامًا لضمان الحصول على أفضل الخبرات والمهارات التي تُسهم في نجاح الشركة. أولًا، لا بدّ للإدارة من تحديد الاحتياجات الأساسية للشركة الناشئة، إذ ينبغي عليها تحديد المجالات التي تحتاج إلى دعمٍ أو خبرة إضافية، مثل التكنولوجيا، والتسويق، والتمويل، أو الجوانب القانونية. وتساعد هذه الخطوة على تحديد نوع الخبرات المطلوبة للأعضاء المحتملين، مما يضمن الحصول على المزيج المناسب من المهارات والمعرفة.
بعد تحديد الاحتياجات، يأتي دور البحث عن المرشحين الذين يمتلكون الخبرة والمعرفة اللازمة. يمكن استخدام شبكات العلاقات الشخصية والمهنية، والاستعانة بالمستشارين الحاليين، أو البحث في المنظمات والمجتمعات المهنية ذات الصلة. من المهم أن يكون المرشحون ذوو خبرات في المرحلة التي تمر بها الشركة الناشئة، وفي القطاع الذي تركز عليه، وفي المنطقة التي تعمل فيها الشركة، كما يجب أن يمتلكوا سمعةً جيدةً ومصداقيةً عاليةً لضمان قدرتهم على إضافة قيمة حقيقية ملموسة للمجلس والشركة.
على سبيل المثال، يمكن أن يضمّ المجلس الاستشاري:
- خبراء في القطاع: مثل رجال أعمال ناجحين في مجال معين استطاعوا تأسيس شركات ناجحة، قد لا تكون هذه الشركات تعمل في المجال التقني بالضرورة.
- رواد أعمال ناجحين: مؤسسون سابقين لشركات ناشئة ناجحة، لا سيما في المجال التقني.
- خبراء في التسويق والمبيعات: خبراء تسويق ومبيعات يساهموا في تعزيز النمو من خلال حملات مستهدفة واستراتيجيات فعّالة لاستقطاب العملاء.
- خبراء في الشؤون المالية والقانونية: مستشارون يقدمون استشارات قيّمة في التخطيط المالي والحوكمة.
بعد ذلك، يتم تقييم المرشحين من خلال مقابلات شخصية واجتماعات تقييم، لتتمكّن الإدارة من التحقق من مدى توافق رؤية المرشحين مع أهداف الشركة واستراتيجياتها، والتأكد من قدرتهم على تقديم الوقت والجهد المطلوبين. من المهم أيضًا أن يكون المجلس الاستشاري متنوعًا من حيث الخلفيات والخبرات، وذلك لإحلال نوع من التوازن بين الخبرات الفنية والإدارية، وكذلك بين القطاعات المختلفة.
مناقشة البنود والالتزامات
يُعدّ التفاوض على الشروط والالتزامات خطوةً أساسيةً لضمان وضوح الأدوار والمسؤوليات المتوقعة من الأعضاء. يجب تحديد الوتيرة والفترات الزمنية للاجتماعات والتوقعات العامة، بالإضافة إلى مناقشة التعويضات المحتملة، سواء كانت ماديةً أو على شكل أسهم في الشركة، بهدف تحديد توقعات واضحة وضمان الالتزام الكامل من جميع الأطراف.
عملية التعيين الرسمي
بعد المرور بالمراحل السابقة، تُجرى عملية التعيين بشكل رسمي، وتُقدّم عروض رسمية للمرشحين المختارين، ويتمّ توقيع اتفاقيات تحدد البنود والمسؤوليات بوضوح. بعد التعيين، يتوجّب على الإدارة توفير كافة المعلومات اللازمة حول الشركة وتحدياتها الحالية، لضمان أن يكون الأعضاء الجدد على دراية كاملة بسياق عملهم الجديد كاستشاريين للشركة الناشئة.
المنافع والتعويضات
في الغالب، تُقدّم الشركات الناشئة تعويضات مالية لأعضاء المجلس الاستشاري، على شكل مبالغ مالية أو أسهم في الشركة. ولكن لا يُعتبر ذلك من الشروط الأساسية، لأنّ هذه التعويضات ليست تعاقدية، بل قد تُقدّمها بعض الشركات الناشئة كتعويض تقديراً لأعضاء المجلس الاستشاري ولضمان الالتزام منهم. ويمكن للشركة الناشئة أن تُقدّم التعويضات لأعضاء المجلس عند الوصول إلى أهداف محددة، وبناءً على خبرة كل عضو.
أخطاء شائعة عند تعيين المجلس الاستشاري
قد ترتكب الشركات الناشئة بعض الأخطاء في عملية اختيار أو إدارة المجلس الاستشاري، مما قد يؤثر سلباً على فعالية هذا المجلس ودوره في دعم الشركة.
- تقديم المصالح والعلاقات الشخصية على الخبرة
يعدّ اختيار أعضاء المجلس بناءً على العلاقات الشخصية بدلًا من الخبرة الفعلية والمهارات، أحد أبرز الأخطاء الشائعة التي تُقدم عليها الشركات، لأنّ هذا يمكن أن يؤدي إلى نقصٍ في التنوع والخبرة الضرورية لتقديم المشورة الفعالة. كما ينبغي تجنّب اختيار أفراد من العائلة أو الأصدقاء لتجنب تعارض المصالح، ولذلك يجب الحرص على إضافة أعضاء يتمتعون بالصراحة والشفافية بهدف تحقيق الأهداف المرجوة من وجود المجلس الاستشاري.
- ضبابية في المسؤوليات والتوقعات
خطأ آخر يتمثّل في عدم توضيح الأدوار والتوقعات بوضوح منذ البداية. يمكن أن يؤدّي عدم تحديد المسؤوليات والتوقعات الدقيقة إلى ارتباكٍ بين أعضاء المجلس والإدارة، مما قد يؤدي إلى تداخل الأدوار أو تفويت بعض الفرص الهامة، فضلًا عن الإفلات من المحاسبة عند التقصير. لذلك، من المهمّ إبرام عقود مهنية مع أعضاء المجلس لتحديد الواجبات والمسؤوليات على كل منهم وكذلك على الشركة الناشئة، بما يضمن حسن الإدارة.
- الاجتماعات غير المنتظمة
إضافة إلى ذلك، فإنّ عدم الالتزام بعقد وحضور اجتماعاتٍ منتظمة للشركة يمكن أن يتسبّب بمشكلة. لذلك، لا بدّ من اتباع جدولٍ زمني محدّد للاجتماعات، لضمان مناقشة المسائل ذات الأهمية بانتظام والحصول على المشورة في الوقت المناسب.
- محدودية الخبرات
قد تغفل بعض الشركات أيضًا عن تنويع خبرات ومهارات أعضاء المجلس، وهو أمرٌ يجب تفاديه، فالتركيز على مجالات معينة وإهمال أخرى يمكن أن يحدّ من قدرة المجلس على تقديم مشورة شاملة ومتكاملة.
- تجاهل توصيات أعضاء المجلس
من جهة أخرى، تتجه بعض الشركات نحو عدم إعطاء أعضاء المجلس الاستشاري صلاحياتٍ كافية أو عدم الاستماع إلى نصائحهم بجديّة. إذا شعر الأعضاء بأنّ مساهماتهم غير مقدرة أو مهملة، قد يفقدون الحافز فتقلّ انتاجيّتهم.
- التواصل غير الفعّال
يشكّل التجاهل المستمر لتوصيات أعضاء المجلس جزءًا من مشكلة أكبر على إدارة أيّ شركة تفادي وقوعها، ألا وهي نقص أو سوء التواصل الفعّال بينها وبين المجلس. لذلك، لا بدّ من أن يكون هناك قنوات تواصل مفتوحة ومنتظمة لضمان تبادل المعلومات والأفكار بشكل سلس ومستمر، بغية تعزيز التنسيق واتخاذ قراراتٍ رشيدة وصائبة.
- تعيين الكثير من الأعضاء
وأخيراً، قد تخطئ الشركة عند تعيينها عدداً كبيراُ من الأعضاء في المجلس الاستشاري، لأن ذلك قد يؤدي إلى صعوبة في إدارة الاجتماعات وإصدار التوصيات المناسبة. ففي العادة، تختار الشركات الناشئة في مراحلها الأولى بين 3 و5 أعضاء وصولًا إلى 7 أعضاء كحدّ أقصى في مراحل النمو.