تجربة جديدة للبيع بالتجزئة
يمكن أن يؤدي استخدام الواقع المعزز في بيع الملابس بالتجزئة، إلى تحسين تجربة التسوّق للعملاء من حيث اختيار المنتجات ورؤيتها على أجسامهم فورًا أينما وجّهوا هواتفهم. تتوفّر هذه التكنولوجيا اليوم على الهواتف الذكية من خلال التطبيقات، وحتى على "المرايا الذكية" التي تستخدمها في غرف تغيير الملابس بعض السلاسل الكبيرة مثل "رالف لورين" (Ralph Lauren) و"إتش أند إم" (H&M).
وجد الواقع المعزز أيضًا مكانًا له كذلك في مبيعات الأثاث. أصدرت شركة "أيكيا" تطبيق "أيكيا بليس" (IKEA Place) الذي يسمح للمستخدمين بمشاهدة الأثاث في منازلهم قبل شرائه وتركيبه في الواقع. ووفقًا لتقرير نشرته "موبايل ماركتر" (Mobile Marketer)، أدّى منح هذه القدرات للمشترين إلى زيادة ثقتهم بنسبة 71%، كما وإلى انخفاض المرتجعات والحدّ من خيبة أمل العملاء وانخفاض التكاليف اللوجستية.
على صعيد المنطقة، شهدنا انتشارًا كبيرًا للواقع المعزّز من خلال استخدام تطبيق "سناب شات" (Snapchat) من قبل تجار التجزئة الذين باتوا يدمجون التكنولوجيا أكثر فأكثر في حملاتهم التسويقية. ويمكن الملاحظة بسهولة أنّ استخدام الواقع المعزّز يشيع أكثر خلال الحملات الموسمية والعطلات. على سبيل المثال، في المملكة العربية السعودية، يشهد شهر رمضان المبارك زيادة في استخدام تجار التجزئة لتقنية الواقع المعزّز، لا سيما عدسة الواقع المعزّز (AR Lens) من شركة "سناب شات". وذكر تقرير أصدرته الشركة حول الواقع المعزز (Snap Consumer AR: Global Report) في عام 2022 أنّ استخدام عدسة الواقع المعزّز على تطبيق "سناب شات" زاد معدّل الشراء بـ 4.3 أضعاف.
على الرغم من هذه الأرقام، لا يستخدم الواقع المعزّز والواقع الافتراضي حاليًا إلا 1% من التجّار. والواقع الافتراضي هو تقنية أقل انتشارًا، تستخدم سماعات رأس (للأذنين والعينين) باهظة الثمن بهدف إنشاء بيئات محاكاة يمكن استكشافها بزاوية 360 درجة. ومع أنّ استخدام الواقع المعزّز في قطاع البيع بالتجزئة يعتبر أمرًا بديهيًا، فقد بُذلت خطوات جبّارة في قطاعات أخرى أيضًا.
استكشاف مواقع السياحة والتراث
يُستخدَم الواقع الافتراضي في مجالات متعددة بصورة استباقية. على الصعيد المحلي، تعاونت "سناب شات" مع "الهيئة الملكية السعودية لمحافظة العلا" بهدف إعادة إحياء الزيارات إلى مقبرة لحيان بن كوز المصنّفة كأحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، حيث تهدف المبادرة إلى منح الأشخاص الذين لم يزوروا المواقع التاريخية إمكانية خوض تجربة متميزة، كجزءٍ من اليوم الوطني السعودي. وبالتالي، فإنّ إبراز هذه المواقع التراثية التي كانت مخفية في السابق سيعزّز الرحلات السياحية إلى هذه الكنوز الخفية.
مع التوقّعات باستمرار زيادة استخدام الواقع المعزّز، سيسمح تطبيق هذه التكنولوجيا واستخدامها في المواقع التراثية والأثرية للمستخدمين باستكشاف المناطق وكذلك التعرّف على أهمية هذه الأماكن تاريخيًا. بالإضافة إلى ذلك، لن يقتصر الأمر على تحويل هذه المناطق إلى مواقع للسياحة فحسب، بل ستصبح أيضًا مواقع للتعلّم.
تعليم الجيل القادم
في قطاع التعليم، وفّر الواقع المعزّز للطلّاب قدرة غير مسبوقة على فحص مواد الدراسة على هيئة صور ثلاثية الأبعاد (هولوغرام) من زوايا مختلفة في "تجربة تعلّمية تجريبية" جديدة. على سبيل المثال، بعدما كانت الأجيال السابقة تتعلّم وتفهم هياكل الجزيئات باستخدام نماذج ثنائية الأبعاد في الكتب المدرسية، أصبح الطلّاب حالياً قادرين على التفاعل مع الأشياء الافتراضية في الفضاء، وتشغيل عمليات المحاكاة، والتحقّق من النتائج من جميع الزوايا مع طريقة التعلّم الأسهل للحفظ والفهم.
لطالما استُخدِم الواقع المعزز للقيام بعمليات محاكاة طبية لإجراءات معينة. ولكن ما هو أكثر إبهارًا أنّ الأجهزة الجديدة التي تستخدم الواقع المعزز في غرفة العمليات أظهرت كفاءة ودقّة أكبر في العمليات الجراحية. على سبيل المثال، تسمح الصور المحسنة رقميًا التي يراها الطبيب الجرّاح بمراجعة العناصر الحيوية للمرضى أثناء قيامه بأيّ عمل أو إجراء طبي، من دون الحاجة إلى التنقّل بين شاشات متعددة. بالإضافة إلى ذلك، يُقال إنّ بعض الأجهزة التجريبية الأخرى المدمجة في قناع الجراح تمنحه إمكانية "الرؤية بالأشعة السينية" الحقيقية.
ثورة السيارات
بعد هذه النظرة العامة لا بدّ من طرح السؤال الأهم: إلى أين يتّجه الواقع المعزّز، ومن هو الأكثر إنفاقًا عليه؟ لا تزال التكنولوجيا في بداياتها بالنسبة إلى تبنّي العملاء لها، والكثير من الصناعات تجرّب استخدامها. يبقى المرشّح الأقوى صناعة السيارات التي تستخدم الواقع المعزّز في مراحل متعددة من دورة حياة السيارة، بدءًا من البحث والتطوير. هنا يقوم المهندسون بتقديم نماذج أولية للتصاميم وعرض تغييرات مدمجة للعملاء كطريقة جديدة للتفاعل مع السيارة نفسها من خلال استخدام ميزات الواقع المعزز في شاشة العرض العلوية (Head-Up-Display). في السياق نفسه، صمّمت شركة "بي إم دبليو" (BMW) و"اكسنتشر" (Accenture) تطبيقًا يسمح لك بتجربة سيارة جديدة في ممر سيارتك دون الحاجة إلى الذهاب إلى صالة العرض.
الجانب الأكثر إثارة للاهتمام هو كيفية تحقيق صناعات السيارات الدخل من هذه التكنولوجيا من خلال العميل. أصبح المصنّعون يدفعون باتّجاه وضع خدمات الاشتراك في سياراتهم. قالت شركة "جنرال موتورز" إنها توقعت أن ينتج عن خدمات الاشتراك داخل السيارة إيرادات تبلغ 2 مليار دولار في العام الماضي، مع إمكانية تحقيق ما يصل إلى 25 مليار دولار بحلول عام 2030. للتوضيح، وصلت عائدات "نتفليكس" (Netflix) التي تقدّم خدمة اشتراك شهرية في منصّتها لبثّ المحتوى، إلى ما يقرب من 25 مليار دولار في عام 2020 وحده. وبالتالي، مع كلّ هذه الإمكانات، لا يُستَبعد أن نرى مصنِّعي السيارات يدفعون باتّجاه إضافة نماذج الاشتراكات في هذه التكنولوجيا التفاعلية الغامرة.
ما التالي؟
سيشكّل أبناء الجيل زد العدد الأكبر من المستهلكين في المستقبل، وسيسزداد الاعتماد على الواقع المعزّز ليصبح ظاهرة عالمية. في داخل السعودية وحدها، يعود 92% من الاتصالات إلى منصات قائمة على الواقع المعزز مثل"سناب شات"، كما شهدت صناعات أخرى تستهدف هذا الجيل ارتفاعًا كبيرًا في عدد المستخدمين. بالنظر إلى أن تمتّع المملكة العربية السعودية بأعلى نسبة انتشار للهواتف الذكية في المنطقة، يُتوقّع أن تؤسّس المملكة سوقها لتكون رائدة عالميًا في هذا المجال.وعليه، ينبغي للعلامات التجارية أن تبدأ بإطلاق حملاتها التجريبية لدمج الواقع المعزز وإلا سوف تخاطر بالتخلف عن الركب.